لماذا تطغى ظاهرة “العنيف” في مجتمعنا مع الاسف اليوم والتي يقول عنها السياسييون وبعض مثقفينا إنها صور في ظل العنف الديني ” بهتانناً وفي الحقيقة انما يرتبط العنف لغةً بالشدّة والقساوة، فالرجل العانف من أخذ غيره بشدّة، والعنيف صفة مشبهة تدلّ على تواصل عنف العانف وتحوّله إلى سلوك اجتماعي مبرّرومشروع و كلّ فعل يخالف طبيعة الشيء ويكون مفروضًا عليه، من خارج فهو بمعنى فعل عنيف ،ويتناقض العنف مع الحلم والسماحة والمعروف والرفق، وهناك مصطلحات قرآنية في خلفياتها، ممّا يعني مبدئيًّا أنّ العنف يتناقض مع روح الوحي الذي دعا في أكثر من موضع إلى الرفق والعفوه بكلّ أصنافه، والصفح الجميل والجنوح إلى السلم والسلام وهناك آيات تدعو إلى احترام عقائد الآخرين حتى ولو كانت فاسدة وغير صحيحة، وهذا إنما يدل على حرص الإسلام على السماحة واللاعنف في سلوك المسلمين حتى مقابل أصحاب العقائد الضالة التي لا قداسة لها في نظر الإسلام .من ضروب اللاّعنف أو مصداق من مصاديقه البارزة في القراَن الكريم.قالتعالى: ((وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَبَيْنَكُمْ)) البقرة 237وقال سبحانه: ((إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِنَّاللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) النساء 149.وقال عز وجل: ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُلَكُمْ) النور 22 ويرتبط مفهوم دلالات العنف بمطلب العدالة باعتبارها مفهومًا تأسيسيًّا في الثقافة عموماً والاسلام خصوصاً، فالعنف الجائر لا يستجيب إلى مقوّمات العدل ومقاصده كما أقرّتها التقليد الإسلاميّة ذاتها، فليس من العدل أن نكره النّاس على فكر أو معتقد، وليس من العدل أن نجبر الناس على تغيير تقاليدهم ومعتقداتهم.لا بدّأن نقف عند خلفيات الفكر الذي يتبنى العنف ويحرّض عليه ويجعله وجهًا من وجوه العدالة والمشروعية، تكمن في وعي أهمية مقاصد الدين وارتباطها بالمصالح المرسلة،فالعدالة ليست سوى تحقيق المصالح ودفع المفاسد والحفاظ على حرمة النفس والمال والعرض فالعدل من منظور مقاصدي يعني معاملة النّاس بحسب أفعالهم لا حسب خلفياتهم وانتماءاتهم، يمكن حصر حالات العنف اساساً الى مايلي:العنف الجسدي والكلامي الذي يعتبر اي سلوك بالقوة يتم القيام به ضد الابناء او البنات من خلال الكلام الجارح او المس البدني والصحي وهو اخطر أنواع العنف لأنه من الممكن أن يؤدي إلى فقدان حياة الإنسان بصورة فورية، ولذلك فإنه يستدعي العلاج السريع ، اوالعنف النفسي الاسري الذي يشمل كافة مظاھر الانتھاكات الأخلاقية، التي يرتكبھا أحدأعضاء الأسرة ضد الآخرين من الأسرة، و التي يتعرض صاحبھا لجزاءات سلبية ذات طابع رسمي، وتتراوح ھذه الانتھاكات الأخلاقية من التسلط والإھمال و الذي يتسبب بالمس العاطفي والنفسي بأحد أبناء وبنات العائلة، دون اتصال مباشر مع جسده، الشعوربتقدير الذات من خلال توجيه القوة والسيطرة بمختلف الأشكال و عنف يصعب تشخيصه ،لذلك خطير جدا، نظراً لأن نتائجه قد تكون مدمّرة ،او اقتصادياً في محاولة جعل أي فرد من أفراد العائلة متعلقاً بمن يمسّ به من حيث قدرته المادية والاقتصادية على العيش، لأنه يمنع إمكانية الاستقلال ويمنح السيطرة المطلقة لمن يقوم بالمس، او الاهمال في عدم توفير الاحتياجات الأساسية لأحد أفراد العائلة وخاصة الاولاد، من خلال المنع أو العمل غير الصحيح،والتي تسبب معاناة غير ضرورية ذات إسقاطات وتأثيرات جسدية، نفسية، اقتصادية واجتماعية.اذاً ان كل شيء يمارس بالعنف و العنف لا علاقة له بالدين فقط انما يعود الى الفقرالثقافي والاقتصادي ونمو التسلق السياسي،عنف في الخطاب الماجن ، عنف في السياسة والمجتمع والمدرسة ، والشارع والاسرة ، وحين يكون الفرد محاصراً بهذا الشكل فاعلم أن العنف لا علاقة له بالايمان الديني ابداً، ويُعرَّف العنف عموماً بحسب علم الاجتماع على أنَّه “سلوك لا عقلاني يعود أصله إلى مركب من الميول والمصالح المتخاصمة، التي تُسبب إلى حد ما انحلال المجموعة نفسها، وأنَّه في كثير من الحالات سلوك قمعيومتلازم مع عملية اختلال النظام، وكلما غابت الثقافة الحرة حاملة القيم الإنسانية الكبرى من خلال المسرح والأدب والموسيقى والفن التشكيلي، سقط المجتمع ضحية ويحاصرالمجتمع والفرد بثنائية بعدة عن القيم، المقدس والمدنس وعظم العنف.،ويزداد ضراوتهكلما كثر الدجل وارتفع صوت البهتان عالياً في السياسة والثقافة والأخلاق،وفي كل هذه الحالات كان وقود هذا العنف إما التطرف القومي أو العنصرية أو بلباس الدين، فجميع الحروب التي قامت وجميع الصراعات القائمة الآن سببها هذا الثالوث .
يستقي العنف منذ أقدم العصور مشروعيته الوجودية المرضية من فكرة التفوق القومي أو العنصري أو تحت غطاء الدين الذي يستغله السلاطين والحكام، ومن هذا الوهم الثلاثي يتولد الاستعمار بكل أشكاله السياسية والاقتصادية ويتولد الاستغلال البشري والجسدي ضد كل أفراد المجتمع ، هذا ينتمي إلى قومية أخرىأو ديني يتستر بغطاء الإيمان بمختلف الوانه واشكاله وهو بعيد كل البعد عنه ، وينتج عن حالة الخوف رد فعل عنيف مقابله، فتغيب الحجة في اقناع السياسي الاخر، ويخشى رجال السلطة على سلطتهم ولا يسمع أحداً منهم كلام العقل والمنطق في الحوار. وينتج جراء ذلك خطاب عنيف في لغته، وهو ما يعيشه مجتمعنا السياسي الحالي دون سماع أصوات الفقراء والمعوزين و نياح الثكالى ولا يسمعون حكمة القول.
عبدالخالق الفلاح – باحث واعلامي