أُممية كارل ماركس – الدكتور صادق إطيمش             

 

اطلعت مؤخراً على بعض النصوص التي تشير الى ان كارل ماركس كان اوربي التوجه، لذلك فإن معطيات نظريته تنطبق، وبشكل اساسي، على ظروف الغرب ولا يمكن سحبها على المجتمعات الأخرى التي عاشت مراحل مختلفة من التطور تختلف عن تلك التي عاشتها أوربا الغربية.

في الحقيقة حاولت التقصي عن هذا الطرح الذي لم يقنعني فكرياً بالنظر لما ظل مترسخاً في ذهني كثير من الأفكار التي اطلعت عليها طيلة مسيرتي مع الفكر اليساري، والماركسي خاصة، والتي تجاوزت الخمسة وستين عاماً.

لقد وجدت اثناء هذا التقصي ما يشير الى خطأ الفكرة التي طرحها البعض حول اوربية ماركس. واستطيع هنا ان انقل باختصار بعض ما اطلعت عليه، والذي وجدته يمثل إجابة كافية ووافية تؤكد اممية كارل ماركس.

جاء في مقدمة كتاب ” ماركس ومجتمعات الأطراف، حول القومية، الإثنيات والمجتمعات غير الغربية ” من تأليف ” كيفن.ب. أندرسون ” وترجمة: د. هشام روحانا. الكتاب صادر عن: دراسات فكرية ـ دار نينوى، الطبعة الأولى 2020.

” يشكل هذا الكتاب دراسة تاريخية معمقة في نصوص لماركس غير مشهورة وذات اهمية خاصة تتعلق بمواضيع تخص مجتمعات غير غربية او غير اوربية عديدة. ودفاعاً ناجحاً في وجه الإدعاءات التي بدت وكأنها تسود المشهد الاكاديمي وداخل بعض تيارات ومدارس النقد الثقافي وما بعد الكولونيالي والقائلة بان ماركس اوروبي التمركز واقتصادوي. والماركسية، من وجهة النظر هذه، تقلل من دور العناصر غير الإقتصادية اي العناصر الثقافية ـ الحضارية وتختزل مسار التاريخ الى مجرد مسار اقتصادي صرف.

وفي كتابه هذا ينقض اندرسون هذه الإدعاءات، ويقدم اندرسون الدلائل بان ماركس كان طلائعياً في نقده للكولونيالية، وبطل قضايا كان اليسار المعاصر له قد تجاهلها، ومتقدماً صفوف الجميع في حمل لواءاتها. ويظهر اندرسون ان ماركس (وانجلس) في كتاباته وفي ممارسته العملية راى في النضال من اجل الديمقراطية والتحرر الوطني وفي النضال ضد العنصرية والعبودية، نضالاً مشبوكاً ومتداخلاً مع نضال الطبقة العاملة ومكوناً اساسياً في نضالها من اجل التحرر الإنساني ” ( انتهى الإقتباس من المقدمة).

ويطرح الكتاب امثلة كثيرة عن معالجات كارل ماركس لكثير من المجتمعات غير الأوربية كالهند والصين وامريكا اللاتينة والجزائر وروسيا، والتي غالباً ما يؤكد فيها على الخاصية الزراعية لبعض هذه البلدان.

ولا اريد هنا ان اطيل بالأمثلة التي قد تحدث الملل عند القارئ، واكتفي بذكر مثال واحد لتأكيد ما ذهبت اليه اعلاه، والمتعلق بالهند.

لقد جاء على الصفحة 267 من الكتاب ما يلي:

” وتحتل الهند بين المجتمعات غير الغربية مركز الصدارة لدى ماركس في راس المال، الجزء الاول. ومع انه لم يُفرد فصلاً او جزأً خاصاً بها، إلا ان ماركس عدَّ المجتمع الهندي نقطة الإرتكاز التي يُفحص من خلالها ما يميز الرأسمالية الغربية الحديثة. وشكلت الهند النص الفرعي للفصل الرابع ذي الأهمية الخاصة، الذي يتناول فيه ماركس ” انتاج فائض القيمة النسبي “، فيعمد ماركس الى تحليل التجديد التكنولوجي الذي يؤدي الى زيادة جذرية بإنتاجية العمل وما يصاحبها من استغلال واستلاب. ويصطحب ماركس القارئ مستعرضاً ثلاثة اشكال للتجديد التكنولوجي: التعاونية، المانيفاكتورة، والصناعات الكبرى، وظهرت بهذا الترتيب تقريباً “.

الأمثلة الكثيرة التي يطرحها الكتاب حول اممية كارل ماركس وعدم اقتصار معطيات نظريته على اوربا فقط، قد تساعد اولئك السيدات والسادة الذين يتناولون الماركسية من الدوواين الخاصة الغير معنية عناية مركزة بكل آفاق ومجالات النظرية الماركسية، التي وصفها احد رفاقنا البسطاء في سجن نكرة السلمان حينما سُئل عن الفلسفة الماركسية بهدف المزاح معه فاجاب بانها:

” بحر ما  يتـگـيش ”