عندما يكون جارك قوي وقادر على ابتلاعك عليك ان تبحث عن حليف اقوى يصد جارك ويسندك ضد اي عدوان ، ويكون لك سند عند المحن ، هكذا تصرفت فنلندا والسويد عندما احسا هذان البلدان المسالمان طوال تأريخهما المعاصر بإن روسيا قد تبتلعهما في اية لحظة فطلبا الانضمام الى حلف الناتو ، وهما متيقنين بإن الانضمام الى حلف الناتو يعني الملاذ الامن من الغول الروسي ، فحلف الناتو يعني امريكا وثلاثين دولة صناعية متطورة خلفها …ومن حق الدول البحث عن الامان ، فالقادة والسياسين يتحملون مسؤولية البلد والشعب فهي امانة في اعناقهم وليست نزهة وقيادة وتربع على العرش .
في الحالة العراقية عندنا جارتين اقوى من العراق بإضعاف مضاعفة وكل منهما قادرة على ابتلاع العراق وتهشيمه بعد ان ضعف العراق اضعافا مضاعفة بسبب السياسات الرعناء والحروب وتدهور الوضع الامني والاقتصادي والاجتماعي فأصبح هذا البلد كالرجل المريض الكسيح غير قادر في الدفاع عن نفسه ، فهل فوق هذا الضعف والانكسار سيتجه العراق للتحالف ، ولكن مع من ؟ مع احدى جارتيه يعني بالمثل العراقي ( ودع القط شحمة ) فهذا قمة الغباء وتسليم الوطن مجانا لهذا الجار الودود الطامع ، واما اذا بقي بلا حليف قوي فمصيره الى الزوال والتفتيت وهذا ما يسعى إليه جيراننا كمرحلة اولية ثم الانقضاض على هذا البلد بعد ان يصبح طريح الفراش …. إذا لم يبقى امام العراق الا التحالف مع امريكا او حلف الناتو وهذا ما يعترض عليه الجاران العزيزان ولا يسمحان به مهما كلف الامر . لإنهما يدركان تماما ان تحالف العراق مع الناتو او امريكا يعني زوال احلامهما في السيطرة على هذا البلد بل يدركان ان الدائرة ستدور عليهما بالرغم من ان احدى الجارتين تنتمي الى حلف الناتو والجارة الاخرى لها حلف غير معلن مع روسيا ، اي أنهما ضمنا غطاءا لظهورهما ولا يسمحان لنا ان نغطي انفسنا لنبقى لهما عراة ، والاكثر من هذا ان قياداتنا السياسية تعمل كل يوم اصدار فتاوى وقرارات تبعد العراق نهائيا عن القوى العظمى بل وتجعله في خانة الدول المعادية للدول العظمى وتحديدا امريكا ودول حلف الناتو ليبقى العراق لقمة سائغة لهذين الجارتين يبقى لقمة سائغة طوعا وبمحض ارادة قيادتها …. الجارة الشمالية تركيا عملت في الظروف الصعبة والازمات الاقليمية والدولية على تعزيز تحالفاتها مع دول لها تأثير مباشر على حلف الناتو مثل اسرائيل ، ودولة اسرائيل للعلم وللإطلاع تعتبر دولة عظمى بكل المقاييس ولها نفوذ سياسي عالمي لا يقل عن اية دولة عظمى بالاضافة الى نفوذها الاقتصادي والعلمي والعسكري . في الوقت الذي يدفعون بنا لرفع الشعارات القومية والدينية ضد اسرائيل لمنعنا من الاقتراب من اي تحالف مستقبلي مع الغرب .
نحن نسمع بوجود قادة غير ناجحين في قيادة بلدانهم ولكن رغم ذلك فهم يضعون او يحاولون ان يضعوا مصلحة بلدانهم فوق كل شيء ، اما في الحالة العراقية حالة غريبة فالقادة يضعون مصالحهم الشخصية نصب أعينهم اما البلد ومصلحة البلد وكيف يصبح مصيره ومصالحه لا يضر ان كان ذلك يؤدي الى الاضرار بمصالحهم الشخصية والعائلية ، وفوق المصالح الشخصية هناك مصالح الاخرين عن طريق المذهب او الدين او القومية ، يعني مصالح البلد اخر شيء .
جميع القادة الذين حكموا هذا البلد فشلوا بشكل او بأخر وبعض منهم سلم بلده الى عدوه ، وهذا الكلام ينطبق على تأريخ مئات السنين ومازال يتكرر ، وفي كل مرة يضيع العراق لعشرات او لمئات السنين تتلاقفه الايادي المعادية الغادرة ثم يعود مشلولا وحتى ان هذا السيناريو تكرر في القرن الاخير ثلاثة مرات واليوم نفس الشيء سيضيع العراق مادامت عقول القيادة هي نفس سابقتها تبحث عن قضايا قومية او دينية او مذهبية وتبحث عن مبادىء دخيلة ولا يهمها مصلحة العراق . . . . . يعرفون حق المعرفة بإن المبادىء الدينية او القومية هي بالاساس تخدم اطراف اخرى ورغم ذلك يصرون عليها ويقدمون العراق على طبق من ذهب للأعداء مع دماء ابناءهم الزكية للدفاع عن من سيحتضن هذه الهدية المقدمة على طبق من ذهب … وإذا نادينا وتحدثنا عن مصلحة الوطن قالوا إنما انت مفتري وتخدم الاجنبي وعميل لهم فتصبح انت خائن وتتعالى الاصوات ضدك ومن اقرب الناس اليك ولكن بعد ضياع الوطن سيتذكرك من طعنك بالامس ، سيتذكرك مجبرا لإنك وغيرك القليلون قد شخصوا الحالة قبل حدوثها .
اليوم العراق بين فكي عدوين ومع ذلك فهو يبصق على من يمد له يد العون ، يرفس القوى الغربية ويرفس جيرانه واخوانه العرب ويرفس اسرائيل القوية ويرفس دول الغرب العظمى ويظن انه سيبقى بلدا أمنا مثلما ظن من قبلهم صدام ، فكلهم يظنون انهم قادة عظماء وكلهم مصيرهم ينتهي بيد اعداءهم ، ماهذه المصيبة التي يعيشها هذا الشعب مع قادته ، فكيف يصبح هؤلاء المتخلفون قادة يبيدون شعبهم في هذا البلد قبل ان يبيدوا نفر قليل من اعداءهم . ونفس السيناريو يعاد علينا .
في التأريخ الحديث والقديم ، أية دولة من دول الشرق الاوسط تعلن الفتوحات الدينية او القومية او توسعة الامبراطوريات فأنها تبدأ من العراق واكثر المعارك دموية تدور رحاها في ارض العراق وعلى حساب شعب العراق وعملية شحن المواطن العراقي عملية سهلة جدا وحتى الحروب العالمية في جانبها الشرق اوسطي بدأت من خلال العراق فالعراق معبر لكل الدول لذلك كان لزاما ان يكون الشعب العراقي مع هذه التجارب المتكررة اكثر شعوب العالم وعيا وادراكا لكيد ومكيدة دول الجوار لا ان يكون اكثر طوعا واستجابة لهم ، والله إنها لحالة غريبة ان تجد شعبا يجاهد ويقاتل في سبيل دول اخرى ولا يصفى له الا المضرة والالم وهو يعلم ذلك وهو مازال مصرا على ذلك . هكذا حدث لنا عندما دافعنا عن الدولة العثمانية وهكذا حدث لنا عندما دافعنا عن الامة العربية وهكذا يحدث لنا في دفاعنا عن الامة الفارسية وغدا سيحصل لنا المثل عندما ندافع عن الامة الصينية ، نفعل هذا ونقنع انفسنا بإننا ندافع عن المبادىء والقيم والدين والمذهب . ماذا سيحدث لو فكرنا قليلا مثلما يفكر الشعب الفنلندي ؟ هل ستنقلب السماوات ام ان دول الجوار ستقلب السماوات علينا ؟ إذا كان كذلك فأين نحن من الاستقلالية ؟