صدر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر- الطبعة الأولى 2022
:تمهيد *
لعل وراء التطرق لوباء كورونا مواضيعاً سياسية اقتصادية تكون عادة من دواعي الوقوف عندها حينما يتم الحديث عن الوباء، كما رواية خفافيش كورونا للكاتب العراقي ابراهيم رسول، حيث راحت تنقد الوضع السياسي العراقي وحالة الفساد والجهل السائدتين، أما ابراهيم اليوسف في روايته هذه جرس إنذار ، أخذ يعاين بادئ ذي بدء ردة الفعل العالمية لمواجهة الوباء والضحايا الذين كابدوا المرض ولقيوا حتوفهم ، مسنون أطباء ورجال في مقتبل شبابهم، حيث ركز الروائي كثيراً على الجوانب الإنسانية وعلاقة الناس ببعضهم بعضاً والتغييرات التي رافقت حياة الناس منذ بداية انتشار كورونا وتوسع نطاقه وأثر ذلك على المجتمع ، حيث نجد أن كورونا غزت السينما
: فراح فيلم
Stuk together
يجسد المأساة الإنسانية في شوارع مدينة باريس الفرنسية والتي باتت خاوية من الناس نتيجة الفزع
. والصدمة
:العزلة والخوف–
في ص321 : „تصور : أمس لم أنم لأسباب كثيرة أنباء عن إصابة صيادلة وأطباء من الوطن، صديقتي الدكتورة ناهد ابنة السويداء ماتت أمس بسبب التقاطها فيروس كورونا، حزنت عليها كثيراً ، والدها استشهد برصاص أزلام النظام نتيجة الفتنة التي سببها بين أهلها في البلد، شقيق لها اختطف من قبل الراديكاليين،
” ولا أثر له، زوجها مصاب بفيروس كورونا وهو في حالة غيبوبة
السرد طغى وتجبّر واستطرد وراح يشير إلى حيث تمتد ذهن وأفكار ومخيلة الروائي إلى الحياة في زمن طغيان العلة على النفس الإنسانية والجسد الإنساني معاً، وحياة الإنسان إن في المنفى أو في الوطن، وطرق المواجهة لهذا الألم اللاهب، بتلك الإمكانات الضئيلة والمتاحة وكذلك حالة التردي السياسي الذي ضاعف الأعباء على الكاهل وباتت أثقاله جمة إلى جانب شح الموارد والإمكانات وجنون النظام السياسي القائم وهيمنته على الإنسان ، جعل ذلك من الوباء سيفاً مسلطاً فالموت ، الاغتيال، الاعتقال، التعذيب إلى جانب العدوى وجهل مواجهته جعل ما تبقى من المجتمع السوري مشروع موت مؤجل، حيث نرى على الطرف المقابل الكاتبة الأمريكية إلما والتز البالغة من العمر 91 عاماً تتحدث عبر مجموعتها القصصية تحت عنوان : هذا اليوم امرأة أصابها الجنون في السوبر ماركت تعرض أحداثاً متصلة بالوباء الذي اكتسح العالم، ولعلها في ذلك تشارك هواجس الكاتب ابراهيم اليوسف في أن الكتابة متنفس ووسيلة للخروج من الحزن، حيث الهرب للانشغال بتفاصيل حيوات الناس الصغيرة، ذلك مثّل ديدن الكاتب في كتابته لهذه الرواية وعلائق البطل بما حوله، وتأثير تصرفاته عليهم، بل وحثهم على الأمل على الرغم من أخبار الموت والنعوات هنا
. وهناك، لهذا لم يكن السرد مملاً أو رتيباً، ظل يرسم المكان والزمان، والناس من منظار ضمير المتكلم
: كورونا والسياسة –
:نتأمل هنا ص 295
العالم كله وقف عاجزاً أمام فيروس غير مرئي، أصغر من رأس الدبوس بآلاف المرات، تعلق زوجتي „
بصوت يكاد يكون غير مسموع، بطر وغرور ولا مبالاة تجاه الآخرين، لقد أرسل الله الفيروس كي يعلم كل
” منا أنه ضعيف أمام إرادة خالقه
لقد أصاب الفيروس أكثر من 67 مليون شخص، وبالتالي فإن تأويلات بعض الناس عن أسباب انتشار الفيروس كثيرة لا حد لها سواء من دعاة نظرية المؤامرة أو من عامة الناس ، إذ قال بعضهم أن الفيروس غضب إلهي، فالوباء حال بين الناس واحتفالاتها، انتخاباتها، ومناسباتها، فباتت العزلة مطلباً صحياً وقائياً
. ودونه يعني زيادة العدوى وانتشارها بكثرة
حيث تنطوي الرواية على كون وجداني تأملي، يطرح التساؤلات بعين مجهرية تارة وبعين التواردات الفكرية المنبعثة من الناس إزاء معايشتها للظروف والمستجدات الجديدة، والتي دفعتها لخيارات متعددة المغزى منها التفاعل مع الجديد بطريقة ممكنة دون أن تصطدم النفس المعلولة بعائق الفناء، والفناء يمثل التحدي الأكبر بالنسبة لتلك النفس ، فوراء كل رغبة في الإبداع رغبة للحياة، وفي ذلك رؤية لممارسة التشافي عبر الكتابة حيث يعتبر ذلك خلوداً ما إلى جانب الجنوح نحو التكاثر الجنسي، فالإبداع وممارسة الخلق مطلب نفسي رفيع وتعبير عن الذود والإيثار والمحافظة على قيمة البقاء الفردي، إزاء مواجهته لكافة الأدران
. والتشوهات المعترضة طريق المعرفي الطامح
:العلاقة بين الرجل والمرأة في زمن كورونا–
الحالة الإنسانية هنا طافحة في متن السرد، البطل وهو يمد جسوره مع الجميع ، آلا ، مهاباد ، روهلات، لكل منهن قصة، ذات تتوجع على حدة، آلا الطبيبة الطموحة المحاولة اكتشاف مصل أو لقاح لكورونا، وهي الأكثر قرباً وسطوعاً في حياة بطل الرواية، الذي يسرد الحكايا والمواجع على نحو ذاتي، يؤرقه في ذلك شعور الموت، ومعاناة الآخر، فالبطل يمارس اغترابه الفردي عبر حلول ذاته في الجماعة بيد أن إحساسه ومجاورته للأنثى يبعث في نفسه شعوراً صاعداً بالذين يعانون حيث نقرأ هنا : „شعرت بحرج جد شديد، لم أقل يوماً مثل هذا الكلام لأحد، قبل زمن كورونا، لاسيما مع أنثى استثنائية، وفية عالمة ، مخلصة بيننا ما لا
” أستطيع حتى الآن فك شيفراته وطلاسمه كما ينبغي؟
حيث يميل البطل هنا للحب المتشح بالكتمان والكثير من الإعجاب بعبقرية وطموح الأنثى في زمن الوباء ونلحظ إشادته المتكررة لتلك الوثبات والطفرات الفكرية للمرأة إلى جانب الرجل، هذا الكفاح العصيب برهن حالة التشاركية الجنسوية حين تواجه الملمات والظروف وقد مثل ذلك التصالح الروحي مسلكاً واضحاً في
. هذه الرواية عبر مواجهة تلك العزلة الصعبة
:خلاصة –
إن الانتقال بين المشاهد والأمكنة وحيوات الناس جعل المرء يحس أنه أمام عالمه الخاص هو، ذلك العالم المليئ بالشغب والمشير إلى اكتظاظ هذا الكون بكل معضلات وفضلات البشر وصراعاتهم على مدى الدهور، الماكثين على سطحه والعالمين بفناءهم المرتقب، لكنهم يزرعون الكثير من الرغبات على شكل صراعات ويزاولون التدمير الذاتي وهكذا يمكن فهم البناء الإبداعي كردة فعل مسؤولة على التصحر والانتحار ، ونجد الرواية بمثابة النبتة سريعة النمو والتفرع، جرس إنذار راح الكاتب فيه قارعاً ناقوسه موغلاً في الوجدان عميقاً وموقداً نار التساؤل تحت قِرب الظن والتخوف من الآتي، حيث الموت وخبر توارده وذلك الفقدان المستمر قض المضجع وجعل البشر في حالة تأهب قصوى لموت راح يفتك بلا حسيب أو رقيب بكل الذين لهم معضلات صحية أو مناعة أقل، ولا شك أن الرحلة على صعوبتها وتشعبها مثّ لت بعداً آخر لفن الكتابة لتنبثق عن سرد مشرع الأفق على صنوف الأساليب وهنا أعطى الكاتب مساحة رحبة للمتلقي ليبحث فيها عن معنى ، أو مغنى بين أسطر ممتلئة بأصوات وعذابات أناس لا ينفكون عن الدوران كالأرض في سبيل مداراة
. لحقيقة واضحة تحيطهم إحاطة السوار بالمعصم