القطيع هذه المفردة التي اصبحت تتردد على ألسن المتحدثين وكتابات معظم المثقفين والكتاب المنتقدين لما يجري في البلد من تعبئة وتجييش الملايين من البسطاء المحرومين ليتصرفوا ضد انفسهم وضد من يحاول مد يد العون لهم وانتشالهم من هذه الدوامة التي تحركها ايادي خفية من داخل و خارج الحدود ، ، ، أصل كلمة القطيع تعني المجاميع من الاغنام او البقر او النعاج او اي نوع من انواع الانعام او البهائم تنقاد وتتحرك بشكل جمعي دون ارادة او اختيار ، وباستطاعة شخص واحد ان يقودها بمساعدة كلب او مجموعة كلاب او حتى بمفرده وغالبا ما تتبع مجاميع القطيع كبيرهم من البهائم او اضخمهم حجما ولا يستطيع اي فرد او مفردة من القطيع الخروج عن التحرك الجمعي والمشي بمفرده خوفا من الحيوانات المفترسة التي تتربص به وخوفا من الراعي وكلبه او كلابه او حتى وان كانت في البراري فهي على نفس النسق الجمعي ، ولطالما تحاول هذه الانعام تجنب البقاء في الخلف لذلك تراها تتدافع وتتسارع لتكون اقرب الى القائد كي لا تبقى في المؤخرة ولكي تشعر بالامان ، لأن الخلف دائما تصبح فريسة سهلة للحيوانات المفترسة ، وبشكل عام فأن ما يجمع القطيع سوية ويوحدهم في السير والطاعة وفي المأكل والاستجابة الجماعية هو الخوف والطبيعة الفطرية لهذه الدواب ان لا تعيش او تعتاش او تتنقل بمفردها الا ضمن القطيع ، لذلك فهي تحتمي بعضها ببعض ، هذه الصفة او هذه الحالة تم تشبيهها بالقطيع البشري الذين لا يختلف سلوكهم الجمعي عن القطيع الحيواني سوى انها ليست طبيعة فطرية عند البشر ولكنها تطبع ارادي اختياري ، تتحرك المجاميع وتحت امرة راعي وبغياب الوعي و لينفذوا اهداف كبيرة للراعي دون الحصول على اهداف لأنفسهم او لعوائلهم ولا شيء مقابل عملهم واستجابتهم العجيبة لأوامر الاسياد ، وحتى مصاريفهم تدفع من جيوبهم ، بمعنى هنا هم اقل اهمية من القطيع الحيواني .
السؤال هنا لماذا يستذوق بعض الناس ان يكونوا جزءا من القطيع ؟ و للجواب على هذا السؤال : اولا و قبل كل شيء يجب معرفة معلومة مسبقة وهي ان افراد القطيع البشري دوما هم من المحرومين ومن اصحاب التعليم الواطىء او المتخلف ، وهم جيوش بشرية تتكدس معيشيا في اماكن سكنية تفتقر الى أبسط انواع الخدمات وفي احياء فقيرة حتى الهواء فيها لا يحوي على نسبة جيدة من الاوكسجين . هذا الصنف من البشر يعيش الخيال والاحلام وأهم الاحلام والخيال بالنسبة لهم الحصول على امتيازات ترفع عنهم الحرمان وتوفر لهم الملذات … الراعي لذكائه و لمعرفته بهذه العلة يضع اصبعه على الجرح ويستطيع ان يداعب مشاعر القطيع ولكن ليس بشكل حقيقي بل يبقى الامر في خانة الخيال والاوهام والوعد والاحلام التي يعيشها افراد القطيع ، لأن القضية تحتاج الى قدرة عالية من الخداع والاقناع ، ولا يستطيع الإنسان المتعلم النظيف المثقف ان يقوم بهذا السلوك ، خداع الناس عمل قبيح وقذر ، ولكن هناك من يجيد هذا العمل بحرفية عالية .. وايضا هو ما نسميه الراعي فيضع هذا الراعي اصبعه على الجرح ويعلن قدرته على تحقيق جميع احلام ومتطلبات القطيع ولكن بعد ان يقدموا انفسهم قرابين لهذا الراعي ، وهذه مقايضة مقبولة بالنسبة للإنسان الجاهل خاصة وانه امام راعي محترف والراعي هنا اما دجال او مشعوذ او رجل منابر ومواعظ ماكر او متوارث السيادة على القطيع ، فيقع افراد القطيع في الخديعة تحت تأثير الخطب والكلمات الساحرة للراعي ، وبعدها يجد افراد القطيع انفسهم في الظلام ولا مخرج لهم الا اتباع سيدهم الراعي الى النهاية لأنه الأمل الوحيد الذي تبقى لهم … الراعي يستطيع ان يستفرد بالقطيع في ظروف مناسبة جدا لا يمكن توفرها دائما ، فهي فرص قليلا ما تتكرر وهذه الفرص تأتي في ظل غياب السلطة القوية وغياب الرادع وغياب القانون بالاضافة الى الفوضى التي تعم المجتمع فهذه فرصة تأريخية لا تتكرر .
الإنسان الحر لا يؤمن بحياة القطيع ، نعم هو يؤمن بالعمل الجمعي وبالانضباط ويؤمن بالترابط المجتمعي والانتماء للوطن والتجمع ، والحرية لا تعني الانفصال عن المجتمع . ولكنها تعني ان تعرف موقعك ودورك وحقوقك وواجباتك لأنك إنسان وليس دابة ، حتى الحياة العسكرية هو تنفيذ للتعاليم والاوامر التي لا تعرف ما وراءها ولكنك تعرف اهدافها ومبرراتها ، اما في حياة القطيع فأنك لا تعرف غير انك تركض وتصرخ وتضحي فقط ولا غير ذلك . . . صناعة القطيع ، صناعة ازدهرت في المجتمعات المتخلفة المحرومة البائسة وهي تتوسع بشكل غريب بحيث في ليلة وضحاها الاعداد تتحول من المئات الى الملايين ، وكلما ازدادت اعدادهم كلما ازداد ارتباطهم العاطفي بالراعي . . . نظرية القطيع هذه اعطت ثمارها مع توفر ظروف ما يسمى بالديمقراطية عند القطيع ، فقد اعطت للراعي مكانة ومنزلة كبيرة ، جعلته يتحول من مشعوذ دجال الى معالي السيد المشعوذ او سمو السيد الدجال مع الاموال والممتلكات والنساء والمقاتلين الصناديد ذوي البأس الشديد وكل ذلك بفضل الاعداد الكبيرة للقطيع …. ان أكثر فئات المجتمع تضررا من القطيع هم المثقفون الذين حتما سينعزلون وقد يصبحون منبوذين فلا أحد يعير لهم الاهتمام ولا يجدون أذان صاغية لأحاديثهم لأن افراد القطيع تغلق أذانها ، فقط تكون مفتحة لأسيادهم وتختم بالشمع الاحمر لغيرهم . هذه هي اكبر محنة يواجهها صاحب العقل الواعي وهو يرى نفسه عاجز عن تحريك ساكن …..
لا يمكن لهؤلاء الدجالين الحصول على شرعية وتخويل التحرك داخل المجتمع الا من خلال طريق سالك مرغوب عند الناس الا وهو طريق الدين ، هذا الطريق الذي يمكن اختراقه بسهولة بسبب ما يملك من فراغات فقهية غائبة عن الناس وهذا الشيء او هذه العلة ليس لها علاج دائم وستبقى ورم سرطاني ينخر عقول الناس الى يوم القيامة او ان الدين يصبح بكل مكوناته معزولا هو و رجال الدين عن الدولة وعن السياسة عندها فقط ستسكت افواه الدجل وتنكمش على نفسها ، حينها لن نرى القطيع في الشوارع والساحات ثانية ، و عندها يعم الخير والهدوء والأمان حياة الناس . . . . ظاهرة القطيع تتكون في اي مجتمع بمساعدة العوامل الاساسية وهي ( الفقر والحرمان ، فقدان التعليم ، العقائد الفاسدة ، الخوف ) هذه العوامل الاربعة هي القاسم المشترك بين اي قطيع في اي مكان في العالم ، فمتى افاق المجتمع من سباته وقام بتشخيص هذه العوامل الاربعة فقد استطاع معرفة العلة ، عندها يصبح العلاج تحت متناول اليد ، وطبعا العلاج يبدأ بتوفير معيشة طيبة ، وتوفير تعليم صحيح ، ومحاربة واستئصال العقائد الفاسدة ، ثم واخيرا وهو الشيء المهم جدا ازالة الخوف الذي تربى عليه الناس ، الخوف من الاقوياء والخوف من الاغنياء والخوف من المستقبل والخوف من الشيخ والمسؤول والحاكم والمجنون والمتهور ومن افكار الخرافة كلها … ويجب ان يعلم افراد القطيع ان السير في سلوك القطيع تزيد العوامل الاربعة تطرفا وتعمقا ولا تقل كلما طال امدها ، لأنهم تحت رحمة الراعي الدجال الذي لا رحمة له ….