أفضلية الدولة المدنية على الدولة الدينية .- بقلم ( كامل سلمان )

قد يكون هذا العنوان فيه تحدي من نوع أخر ، تحدي يأتي من داخل الدولة الدينية لقبول الدولة المدنية كبديل حضاري لها الافضلية على الدولة الدينية ….. من خلال هذا الطرح أرى من الضرورة بمكان التعمق في فهم واستيعاب اهمية الدولة المدنية من وجهة نظر دينية فهذه تصبح حجة ملزمة على كل إنسان ان يؤمن بإن الدولة المدنية هي افضل من الدولة الدينية عندما تكون هنالك ادلة عقلية ودينية دامغة وعندما تكون هنالك شهادات ملموسة على ارض الواقع ، انا حينما اقول كل إنسان اعني بذلك على وجه الخصوص الرافضين لفكرة الدولة المدنية وتحديدا المتدينين واولهم رجال الدين حسب الادلة التي سنذكرها . .

لو اعتقدنا بأن كل دين جاء بتشريع سماوي لمنفعة الناس وتنظيم حياة الناس وجب علينا الاعتراف بأن كل دين هو قانون دولة لزمان محدد ، وعندما يحل الدين الجديد فأنه يكون البديل عن الدين القديم اي يستنسخه لزمان أخر غير زمان الدين الاول ، فالدين الجديد تكون تشريعاته اقرب الى الواقع وقوانينه اكثر تقبلا لمستجدات الحياة ، فالامر الالهي هنا أوجب التخلي عن الدين القديم والانضمام الى الدين الجديد كبديل افضل و كتشريع افضل لأن التشريع السماوي و قوانين الدين التي ترتبط بمستجدات الواقع هي التي تتغير مع تغير الواقع وهذا هو السر وراء تغير الاديان ، والا مامعنى ان ينزل الله الدين الاسلامي كبديل نهائي للأديان التي سبقته اذا كان التشريع هو نفسه والقوانين هي نفسها في الديانات السابقة يعاد تكرارها في الدين الجديد ، والاية القرآنية التالية تؤكد ما نقول ( الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، ) اي ان الرسول الجديد قد جاء بتشريعات مختلفة مهمة جديدة تساعد الناس للعيش بحياة افضل لذا استوجب الأيمان به وبدينه الجديد ، أي بمعنى التخلي عن الدين القديم ، وهذا الكلام موجه لأتباع الديانات السابقة ….. الدولة الدينية كانت لمئات السنين هي الوحيدة في الساحة التي تطرح القوانين التي تخص الناس وحقوق الناس والمعاملات وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان وعلاقة الإنسان بالحياة إضافة لعلاقة الإنسان بالله ، وحتى المعارضين للدين والملحدين لم يكن لديهم مشروع دولة بهذا المعنى بديلا عن الدين ، اما الدول والامبراطوريات التي تأسست واشتهرت في التأريخ لم تكن سوى ممالك شخصية ، بينما الدولة التي تهتم بالإنسان ودور الإنسان في الحياة هي فقط الدولة الدينية في التأريخ هذا إذا سلمنا بأن الدين دولة رغم عدم قناعتي بأن الدين كان في يوم من الايام دولة ولكن تماشيا للرأي الشائع بأن الدين دولة ، فكانت الديانات هي التي تنقض بعضها بعضا بسبب التغيرات التي تأتي على حياة الناس اي بمعنى ان الدولة الدينية قابلة للإلغاء ، والإلغاء يأتي عندما تهرم الدولة الدينية لتحل محلها ديانة اخرى بقوانين جديدة ، والعقل البشري لم يكن بمستوى الجهوزية لطرح البديل الذي يناقض مشروع الدولة الدينية التي بطبيعتها تهرم وتتآكل وتصبح عاجزة عن التواصل مع تطورات الحياة ، تلك الحياة التي كانت بطيئة جدا مقارنة مع الحياة في الوقت الحاضر فكان لزاما على الإنسان انتظار دين جديد من الله ، واستمرت الامور هكذا لعشرات القرون الى ان اصبحت الدولة الدينية مصدر خطر على الانسان وحياة الإنسان وحقوق الإنسان بسبب الاخطاء الكارثية التي وقع بها رجال الدين الذين كانوا يقودون الدولة الدينية وهذه الأخطاء تسببت في سفك دماء الابرياء من ناحية ومن ناحية ثانية عدم قدرة رجال الدين تجديد الدولة الدينية لمواكبة الحياة بسبب ارتباطهم بنصوص دينية ثابتة ، وعدم نزول دين جديد من ناحية ثانية ، فهنا تولدت عند العقلاء مشروع دولة بديلة عن الدولة الدينية لها القدرة ان تجدد نفسها بنفسها مع تطور الحياة ، وهذه الدولة الناشئة تكون قادرة على تغطية عيوب الدولة الدينية المتآكلة . يعني بمعنى اخر لو لم يكن الإنسان جاهزا في طرح البديل عن الدولة الدينية لوجدنا البديل الإلهي وهو دين جديد ينقض ما سبقه من اديان و يستنسخها ولكن استحالة نزول دين جديد هو دافع واضح لتسليم المهمة بيد الإنسان ليقوم هو بنفسه تأسيس الدولة المدنية… يبدو انه قرار إلهي عندما ختم الله الديانات بالدين الاسلامي واعلن انه لا دين بعد الاسلام ، وهذا يعني ان الدولة القادمة بعد الف سنة او مليون سنة ستكون من صنع الإنسان نفسه لأنه لا دين جديد ، فمن سيصنع الدولة التي تواكب مستجدات الحياة السريعة أليس هو الإنسان ؟ وان عملية تسليم شؤون الدولة بيد الإنسان ليس دليل ضعف الرب او عجز الرب بل هو دليل ثقة الرب بالإنسان كما راهن عليه عند بدء الخلقة . وهو تفويض إلهي يبدأ من لحظة القرار الإلهي في قوله تعالى ( اني جاعل في الارض خليفة ) وكلمة خليفة اي انه هو من يقود الحياة على الارض … نشوء الدولة المدنية هي البديل الاصلح عن الدولة الدينية بعد ان اصبحت الدولة الدينية بحاجة الى تجديد مثلما حصل مع الديانات التي سبقت بعضها بعضا ، فلماذا نرضى بالبديل الديني عندما يكون البديل من الله ، ونرفض البديل العقلي والعقل ايضا من الله ؟، والإنسان هو من نفخة روح الله ، ، ، هذا ليس مدعاة انفصال الإنسان عن الله بل العكس تماما هو دليل ان الإنسان لم يخيب ظن الرب وفعل ما يرضي الرب واي عناد او رفض يعني محاربة الله وعدم الاعتراف بألوهيته وعدم الاعتراف بثقة الرب بالإنسان ، على كل مؤمن بالله ان يؤمن بثقة الله بالإنسان من خلال النص القرآني . نحن نلاحظ في الكتب السماوية حالة متشابهة هي ثقة الرب بالإنسان لذلك تجد في كل الديانات ان الرب اعطى التخويل للإنسان في مقارعة الشيطان رغم علم الرب بقدرات الشيطان التي تفوق قدرات الإنسان اضعافا مضاعفة ولكن هذا التخويل هو ثقة الرب بخليفته وممثله في الارض ، ثقته بقوته وثقته بعقله وثقته بإرادته . فهل هذه الثقة لا تسمح للإنسان ان يؤسس نظام حكم نموذجي يديرها بقدراته العقلية التي وهبها الله له . ان المعترضين على ثقة الرب بالإنسان هم الخاضعين لإرادة الشيطان ، إرادة وعقل الإنسان وجدت البديل الاصلح للعيش سوية على الارض لمختلف اصناف البشر ، ولمختلف تركيبات البشر هي الدولة المدنية التي تراعي الحقوق وتعطي الكرامة والعزة للإنسان وتبعده عن الصراعات الدينية والاثنية والعنصرية ، فلماذا نرفضها ؟ مع العلم ان نشوء الدولة المدنية هي نتاج عقل الإنسان وليس نتاج شهوات او هوى الإنسان ، وجدت للحفاظ على كرامة الإنسان ودم الإنسان وقيمة الإنسان . لا يمكن ان نتصور هذا الرب الذي اطلق يد العنان للإنسان ليستعمر الارض حسب النص القرآني ( واستعمركم فيها ) واعطاه العقل وفضله على المخلوقات ثم يمنعه من ان يستخدم عقله ويقود نفسه ويبني نفسه ويمنعه من تطوير نفسه ، مثل هذا الرب مخالف للرب العظيم الذي نعبده . . الدولة المدنية هي افضل نتاج عقلي جعلت الإنسان يقفز الى الأمام مئات السنين بعد ان عجزت الدولة الدينية من مواكبة الحياة ، فأي شيء لا يحض على العلم وعلى التطور فهو نتاج شيطاني مغلف بأسم الدين ، فلقد جرب الإنسان حلاوة الدولة المدنية قبل اكثر من مائتي سنة ومازال ، وشاهد كيف انقلبت حياته رأسا على عقب وبدأ يقفز مئات السنين الى الامام ويتطور علميا وعقليا بشكل مذهل ، فهل هذا يغيض الرب ؟، ام ان الدولة الدينية الظلامية القاتلة للعقل المستبيحة لدماء الناس بحجة انها دولة ربوبية هي التي ترضي الرب ؟ . انا إنسان أؤمن بالله وأؤمن بحب الله للإنسان وأؤمن بأن هذه النعمة الكبيرة ( العقل ) التي وهبها الله للإنسان ليصنع لنفسه وللكائنات حياة افضل لا ليصنع حياة أسوأ ، ولا يمكن للإنسان ان يخطو خطوة للأمام ويحقق انجازات مالم يكون مسددا من قبل الله ، ويبقى الإنسان رهان الله الاول . . ان سبب الرفض للدولة المدنية عند بعض الناس هو عدم قدرتهم على استخدام عقولهم بشكل مستقل والتفكير بشكل علمي لأنهم تعودوا التبعية في التفكير ، لذلك يكون رفضهم بأسلوب عنيف ودموي من اجل بقاء الدولة الدينية المنتهية الصلاحية ، فقد وضعت حواجز في اذهانهم بعلو الجبال وهم عاجزون ان يقفزوا فوقها ، لكننا جميعا نعلم ان الكلمة الاولى و الاخيرة لله سبحانه وان الحكم لله وان الله لم يخذل اصحاب العلم والمعرفة في بناء دولتهم المدنية الحضارية الإنسانية بل خذل اعداءهم المتشبثين بالدولة الدينية وأخزاهم ، وان الله ناصر للعلم . . . بالمختصر المفيد ، سر الافضلية للدولة المدنية على الدولة الدينية ، إنه في حالة الدولة المدنية فإن القانون هو الحاكم الفعلي وهناك رجال ونساء ينفذون القانون ، يعني القانون فوق الجميع بلا أستثناء ، اما في حالة الدولة الدينية فإن الأفراد هم الذين يحكمون فعليا والقانون هو الذي ينفذ اوامر الافراد ، يعني افراد السلطة فوق القانون ، والفرق بينهما هو ان الدولة المدنية تصنع الحرية وتصنع الأنسان والدولة الدينية المنتهية الصلاحية تصنع العبودية وتذل الإنسان وهذا مالا يتقبله الإنسان الحر والتجربة خير دليل …..