الفكر الوثني هو اقدم فكر عرفه الإنسان ، وبدأ معه منذ ان كان الإنسان البدائي يعيش حياة الكهوف والخوف ، وهو أشبه بالفايروس المتحور يتجدد بأشكال مختلفة حسب البيئة وحسب الزمان ، لا تجد مجتمعا ما يخلو من الفكر الوثني بغض النظر عن المسميات ولكنه في بعض المجتمعات يتخذ طابعا دينيا معتبرا مقدسا وفي مجتمعات اخرى يتخذ طابعا عاطفيا اخلاقيا راقيا او تجده احيانا تنظيما ثوريا دمويا حسب الظروف ولو اطلق العنان للفكر الوثني في اي مجتمع سيكون شبيها لبعضهم البعض والاصل فيه هو فكر تدميري بالنسبة لقدرات الإنسان الفكرية . .. الفكر الوثني ابتلاء فهو في الظاهر جميل وله طقوس تداعب الأحاسيس والمشاعر ، لكن عفونته تحت السطح تزكم الأنوف ، لأن القوة المحركة لهذا الفكر في كل مكان يتواجد فيه هم مجاميع جشعة دموية همها ان تنال الملذات و الاموال بأية صورة كانت وهذه المجاميع تورث سيادة الفكر الوثني لأبناءها ( سادن الروضة الوثنية ) وهكذا يستمر هذا الفكر يتسيد العقول. . أصل الوثنية عبادة الأصنام او الأوثان وقد تتحول الى عبادة الرمز او اي عبادة من شأنها إخضاع عقل الإنسان الى مجموعة تعاليم محددة وجامدة وغير قابلة للتغيير او التطوير ترهب العقل وتتركه يخشى التمرد على تلك التعاليم لأنه سيتعرض للإنتقام والعذاب المهين من قبل الرمز الوثن او اشباحه او حتى من الرب الذي يراعي ذلك الوثن فهو قوة روحية مطلقة ، هذه واحدة من علامات الفكر الوثني الا وهي الحساب القاسي المرعب لمن سولت له نفسه ان يتمرد على الفكر الوثني ، و بنفس الوقت فإن الوثنية تحارب الأفكار المتجددة الخلاقة المبدعة التي تدحض الوثنية ، تلك الافكار التي تستطيع اعطاء الوثنية حجمها الواقعي ، وهنا نتكلم عن الوثنية كفكر ، فالوثنية جمود فكري يضطر اتباعها الى استخدام مختلف الأساليب لتثبيتها وقد تصل هذه الاساليب الى القتل دون رحمة للأبرياء مع الشعور والإحساس بإن الله معهم فإن لم يفعلوا فلا عذر لهم امام الوثن المقدس او امام الله كما يظنون ، وليس شرطا ان يكون الفكر الوثني مخالفا للدين ، قد يخرج هذا الفكر من رحم الدين تحت اي مسمى وتحت عباءة الدين .. ويمكن تصنيف الفكر البشري الى فكر وثني وفكر إنساني ، فكل ما يقف حجر عثرة في طريق سمو الإنسان ورفعته وحرية أفكاره هو فكر وثني . في السابق كان الانبياء او العظماء او الفلاسفة ينتفضون ضد الوثنية وعند انتصارهم وبعد عشرات او مئات السنين يتحولون هم انفسهم الى رموز أو الى أوثان لتابعيهم او مريديهم فتعاد دورة حياة الوثنية من جديد ، ولكن في العصر الحديث اصبح الامر كالوباء ينتشر بشكل لا يصدق بسبب توفر وسائل الاتصالات السريعة ووسائل النشر المذهلة فأصبحت الوثنية يتداولها الناس برغبة عالية ولها روادها ومثقفيها وكتابها لأحتواءها على مكملات النجاح الاعلاني ولها عناصر متفننة في الترويج بسبب المكاسب المادية والاجتماعية المهولة لتلك العناصر على حساب البسطاء ، وهذا يعني ان الفكر الوثني اصبح وباستحقاق فكر يلعب بقوة في الساحة ، وهذا ما دعا الى خلق دور للمثقفين والمفكرين بتحمل عبء المسؤولية لمواجهة الوثنية وتحجيمها وتقزيمها خوفا من انتشارها بعد ان أصبحت جميع الافكار والفلسفات غير فاعلة بسبب ان الوثنية الحديثة بدأت بمتحور جديد يولد من رحم الافكار المتحررة ومن رحم الديانات الواسعة المتغرسة ومن رحم الأفكار الثورية ، فأصبحت قريبة جدا الى نفوس العامة ، هنا دور المثقف التقليدي يكاد يكون معدوما ، وهذا أصعب فايروس يواجهه الإنسان على الإطلاق ويحتاج الى قدرات فكرية هائلة لمعالجته او على الأقل ايقاف مده ، ويمكن تشبيهه بالمتحور المتولد من ذات الدواء . لا يمكن ان نسمي اي فكر يخالف تطلعات الإنسان بغير اسم الفكر الوثني ، إذا الصراع بين الوثنية بكل اشكالها ضد الثقافة والعلم والإنسانية هو صراع ليس بالهين والبسيط لإن اتباع الوثنية يمتازون بالدموية والقسوة والسرعة في الانتشار كالنار في الهشيم .
الثقافة الكلاسيكية لم يعد لها مكان في هذا النوع من الصراع ، فعلى اصحاب الثقافة الكلاسيكية التنحي والركون جانبا ، فهناك اختصاصات جديدة بالثقافة هي الثقافة العلمية التي ستتولى المواجهة ونستطيع تسميتها بالثقافة المحصنة ، والعقول الثقافية المحصنة هي وحدها قادرة على ابداع اساليب جديدة في المواجهة ، المفرح بالوثنية انها تسمي الابداع بدعة لذلك لا تجد في الفكر الوثني ما يربك الحسابات . فالمعركة لا تتقبل الاحتمالات ولابد للوثنية ان تداس ويصبح وجودها هامشي في الحياة فالكلمة الحاسمة فقط للعلم والمعرفة وللفكر الإنساني .
ولمعرفة المزيد عن الوثنية لابد ان نطرح التساؤل التالي لماذا يستخدم الوثنيون اسلوب التخويف والترهيب الروحي والنهايات المآساوية التي ستحل بالمتمردين على الوثنية وبمن يقف بالضد من الوثنية او عدم تلبية متطلبات ما يمليه عليهم الفكر الوثني ؟ الحقيقة ان الجواب على هذا السؤال هو مفتاح الحل لنقاط الضعف في الفكر الوثني ، والجواب بكل وضوح ان التخويف هي المادة الوحيدة المثمرة التي تجعل الإنسان الفارغ لا ينفصل عن الوثنية لإن الفكر الوثني ليس لديه من طرح جديد يواكب به حركة الحياة غير الخرافة والخزعبلات المرعبة وهي من وحي الخيال بكل تأكيد . فلا تستغرب ان ترى اتباع الوثنية لا تزيغ قلوبهم عن جادة المعتقد لإنهم يخشون عواقب الامور ( اي الخوف ).
والسؤال الثاني لماذا يقف خلف الوثنية عوائل متوارثة وليس افراد منتخبون ؟ والجواب ان تلك العوائل لا تجيد اية مهنة سوى مهنة الدجل وتثبيت الوثنية في عقول الاتباع وقد اعتاشوا عليها من جيل الى جيل ولايصح التفريط بهذه المغانم التي اعطتهم حياة البذخ والتفوق في النسب والانتماء .
والسؤال الثالث لماذا الفكر الوثني لديه مؤلفات على شكل مجلدات ضخمة واعدادها بالالاف ولو اردنا جمعها جميعها فيمكن ان تكون محتوى كل هذه المجلدات لا يتعدى كتيب صغير ولكنهم يفعلون ذلك لتضخيم مكانتهم في نظر اتباعهم وكتبهم تكون ذات زخرفة وطباعة راقية قد تكون الافضل وعدد الطبعات لا تعد ولا تحصى ومعروضة بأسعار زهيدة ويضعون لأصحاب المؤلفات مكانة خاصة والقاب فريدة لا ينالها افضل العلماء ، والسؤال الاهم لماذا الوثنية لها تركيز على الشهوات والجنس والنساء واعطاءها صفة شرعية ؟ والجواب بوضوح هذه هي المادة الاساسية لعقلية اصحاب الفكر الوثني ومن اجلها يحاولون الحفاظ على الوثنية . هذه هي الوثنية ولا تظنوها اكبر حجما مما نقول ولنا حديث أخر عن الممارسات المنحرفة في داخل كيان تلك العوائل التي تقف خلف الوثنية ، فالشذوذ الاخلاقي والعقد النفسية علامة فارقة في تركيبة تلك العوائل ولا يصح الخوض فيها لأنها ذا رائحة نتنة .
هكذا هو الطريق الصحيح في تحطيم الوثنية التي لا تمتلك مؤهلات البقاء الا إذا نحن من يسمح لها بالبقاء فإن بناءها الداخلي أشبه ببيت العنكبوت لا يمكن لها الصمود امام الثقافة الحقيقية المحطمة لهذا البيت الوهن . .. الجرأة مطلوبة في مناقشة جميع مفردات هذا الفكر وفهمه بشكل جذري كي يمكن اظهاره للسطح وتبيان حقيقته التي طالما جعلت الناس في خشية منها والاستسلام اليها طوعا بسبب الجهالة عند البسطاء .
دمتم سالمين على هذه الرساله العلميه والتي تنير عقل كل من لديه عقل
شكرا على اراءك الرائعة استاذ خدر ، دمتم