لا يوجد مجتمع قادر على النهوض والانطلاق نحو الاحسن بدون وجود المنافس ووجود المخالف ، المنافس يحفز المرء والمجتمع على تقديم الافضل ، والمخالف يكون السبب في تبيان العيوب وتصحيحها ، وهذا الكلام ينطبق أيضا على الفرد داخل المجتمع وينطبق على جميع مجالات الحياة العلمية والسياسية والرياضية والاجتماعية والعسكرية وغيرها ، لذلك ارتأت المجتمعات المتقدمة ان تجعل المنافس والمخالف لهم حضور في كل نشاطاتها اليومية وعلى مختلف الصعد ، بمعنى اخر وجود الفريقان المختصمان ضرورة من ضرورات البناء والتقدم ، وعندما تحاول إلغاء المنافس او المخالف فقد كتبت على نفسك القبول بالتخلف وغلقت منافذ الصعود الى العلا …. عندما تنظر الى حال مجتمعاتنا تجد التخلف واضح في جميع المجالات الحياتية وأولها السياسية والسبب دائما عندنا حكومات وقادة يلغون دور المنافس او المخالف بل و يستئصلونهم من الاساس ويمسحون وجودهم ، وهكذا يفعل بعض الاباء في العوائل عندما يتسلطون على جميع افراد العائلة دون اعطاء حق الرد او ابداء الرأي لأي فرد في العائلة او إلغاء دور الأم في البيت او الشخص التربوي الذي يفرض دكتاتورية في التعليم او في العمل او غيرها ، نحن جميعا نعتز بأفكارنا وآراءنا ونحاول ان نعززها بالادلة ولكن يبقى للرأي الاخر المخالف حتى وان كان عديم القيمة له أهمية ، وأهميته تنبع من وجود أناس يعتقدونه ويؤمنون به ومن وجود سبب لظهور هذا الرأي المخالف ، ، ، وجود الفريقان المختلفان لابد وان يؤدي اختلافهما الى الخصام كما جاء في القرآن الكريم ( إذا هم فريقان يختصمون ) والخصام عند العقلاء يؤدي الى البناء و التطور كما نشاهد ذلك في المجتمعات المتقدمة لأن أصل الخصام تنازع بالرأي و ليس تنازع بالسيف ، وعند الجهلاء يؤدي الخصام الى الاقتتال وإباحة الحرمات كما نعيش ذلك في مجتمعاتنا ، فنحن بحاجة الى الخصام غير العدائي إذا كنا فعلا نسعى لبناء اوطاننا ومجتمعاتنا ،،،، الفكر الديني والفكر الشمولي والفكر الاستبدادي وفكر التنظيمات المسلحة والافكار ذات المبادىء والشعارات الثورية كلها ترفض الرأي المخالف جملة وتفصيلا ، لذلك الرأي المخالف عندها عدو مبين وصاحبها يستحق القتل ، فما ان تستطيع أحدى هذه الافكار من قيادة المجتمع حتى تجعل المجتمع في اسفل سافلين ، وانا هنا اتحدث عن مجتمع مثل مجتمعنا يريد ان يتنفس الصعداء و يبحث عن موطىء قدم ومكانة بين المجتمعات وبين الامم …..
في أدبياتنا التاريخية والاجتماعية والدينية لا توجد مفردة احترام الرأي المخالف بل يوجد عندنا الطعن بالرأي المخالف و محاولة فضحه و تسقيطه ، أدبيات احترام وقبول الرأي المخالف هذه جاءت مع الثقافة الليبرالية والديمقراطية فنمت وترعرعت في المجتمعات التي ابتدعتها وأقصد المجتمعات الغربية ، وأثمرت عندهم بشكل سريع ، أما في مجتمعاتنا فهي اساسا لم يكن لها وجود وعملية تقبلها ثقيل وصعب لأن واقعنا يرفض كل شيء جديد يمس القديم المقدس مهما كان الجديد جميلا . فلا غرابة ان تفشل عندنا الديمقراطية .
الغريب في الامر اننا مجتمع يرفض قبول الرأي المخالف وفي نفس الوقت نجد في المرافعات القضائية عندنا يعتبر الاصغاء والاستماع للرأي المخالف من قبل القاضي شرط من شروط العدالة بالنسبة للقضاة ، كثير من الحقائق المخفية تبرز الى السطح مع الرأي المخالف ، فلماذا نؤمن بأهمية الرأي المخالف في المحاكم وننكر أهمية الرأي المخالف في مواقع أخرى ، مع العلم ان مجالات الحياة ابتداءا من القضاء الى السياسة الى الشؤون العامة مكملة بعضها لبعض ، أي أننا نقر بأن العدالة لا تتحقق الا بوجود الرأي المخالف .
رفض المخالف يعني رفض نصف المجتمع او اكثر ، تعطيل نصف طاقة المجتمع أو أكثر ، انظروا الى المجتمعات التي ترفض المخالف ، قد يكون لها بعض التطور في جانب او اكثر ولكن جوانب الحياة الاخرى مشلولة ، فمهما فعلوا ستبقى معظم جوانب الحياة متخلفة او معطلة ، وهذا رهان فاشل يجب إدراك خطورته وتأثيراته السلبية . . . الفرق بين ان تقاتل بعقلية واحدة او عقليات مختلفة ففي حالة العقلية الواحدة قد يتمكن منك العدو اما في حالة تعدد العقليات تصبح صعب المنال بالنسبة للأعداء ، ولنا مثال حي عن الدول التي فيها تنافس سياسي مختلف ومتناقض فأن حكوماتها قد دوخت العالم وخاصة أعداءها بسبب تنوع العقلية السياسية النابعة من تنوع و أختلاف القيادات السياسية . لا تجد بلداً متطوراً الا وتجد فيه المخالف والمعترض يتلقى نفس الدعم والاحترام من القانون والدستور والشعب .
أننا بحاجة الى قدر عالي من الوعي والشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية لكي نستوعب هذه الحقائق التي أصبحت من البديهيات عند بعض الشعوب .