صاحب قضيّة ولم يجعل من الآخرين شمّاعة يعلّق عليها أخطائه أو كبواته، فقد وعى عمق قضية أهله وثقلها وارثها وقيمتها وأهميتها للمستقبل. مستقبل عموم حوض جبل شنكال، وفهم تاريخه الممتد من بابل إلى شنكال عبر الفرامين المتكررة.
يقول هرمان هسه في احدى أساطيره:
“كان سجين يرسم على جدار زنزانته صورة قطار بالغ الصغر يدخل نفقا. وعندما أتى سجانوه ليأخذوه طلب بأدب أن ينتظروا لحظة ليتأكد من شيء ما في القطار. وكالمعتاد أخذوا يضحكون لأنهم كانوا يعتبروه مجنونا؛ والمفاجأة جعل نفسه صغيرا، ودخل اللوحة، ثم، ركب القطار الصغير الذي أخذ يتحرك واختفى في ظلمة النفق. وبعد بضع ثوان شوهد بعض الدخان يخرج من ثقب في الحائط. ثم، تلاشى ذلك الدخان، ومعه تلاشت اللوحة، واختفى السجين”.
تماما مثل ذلك السجين يا صديقي. دخلت سجن الفرمان دون إرادتك. ويوم رأيت قطار (يزدا) ركبته باعتباره قطار الشرق الأيزيدي السريع الوحيد الذي يمكن أن يقوم بتهريب الأيزيديين من سجنهم.
عاونتك في رسم القطار على جدار السجن لبضعة أشهر، فكان مشروع رائع للطلبة، ولكنني قيراني عصبي لا أصبر على جكجكة القطار ووقوفه في كل محطة. كنت أرغب في بساط طائر من ليالي شهرزاد، أو مصباح علاء الدين ويخرج الجني منه ليحقق أمنياتنا الثلاث برمشة عين؛ لذلك ترجلت من قطار (يزدا) بناء على أوامر القسم الثاني للفرقة الأمريكية المتجحفلة مع الفرمان.
كنت محظوظا برفقتك وتأكدت بأنك الإداري الوحيد الذي أثبت إن (إدارة الأزمة) توازي إيجاد الحلول لها، أو الكتابة عنها.
خلال رحلتك وجدت أشياء تعوضك عن حزن الفقدان، وأشياء كانت تستحق تشغل تفكيرك طيلة الوقت؛ رضا ناسك وأهلك التي كنت تخطفها من فم غول الفرمان. وجدت المعنى السرّي لبقاء الأيزيديين، تلمست قوس النصر المرسوم في عيون أطفال المخيمات. أعجبت بالنقوش التي تتركها الأمهات على سواعد أبنائها ليتذكروا تربيتها النابعة من الأيزيدياتي لهم. استندت ظهرك على شجاعة الأرامل. هكذا أمضيت وقتك بيننا.
سوف أفتقد رسائلك (على الماسنجر) أبو سليمان. سوف أفتقد تعليقاتك على سرياليتي التي تطير في خيمة الصداقة. بالتأكيد سأفتقد قراءتك وتعليقك على هذه الرحلة. على القطار الأخير.
كنت أحن على جرحنا من البلسم
كنت ألطف من قصائدي
كنت كنسخة من أمنية على شجرة
أكتب لك ومن أجلك وأنا بعيد وأسمع أغنية (في أمان الله يا مسافرين)
في أمان الله يا مسافر.