تتعرض المدن والقصبات التأريخية التي تضم عصارة (التراث البنائي) الى شتى صنوف التجاوز ، في عالم يتزايد فيه السكان ، وإشتداد الحاجة الى إيجاد منافذ لامتصاص أزمة السكن ٠ فالتخطيط غيرالمدروس ينتج توسعا عشوائيا للمدينة أو القصبة وغالبا ما تتعرض الاحياء التأريخية الى الزوال والاندثار ، هنا يعد التفكير في المحافظة على التراث البنائي الأصيل مسألة بالغة الأهمية والمساعي تقوى وتشتد للوصول الى الحلول الكفيلة بالحفاظ على طابع المدينة هويتها أجوائها من حيث تعدد مراحل قدمها وقيمتها التراثية ٠ كون هذه القصبات التأريخية التراثية بأزقتها ومبانيها الشامخة تشبع النظر والوجدان بتلك المؤثرات والرموزالفنية التأريخية بحيث يصعب الانفصال عنها ٠ وبالقلة مدينة تفتقر لهذه المظاهر٠ وهذا التراث بالأساس ينقل روح الامة وهويتها ٠ فالتوسع العمراني يلزم أن يشغل الأراضي الخالية وليس على حساب المدينة العتيقة ٠ وعلى هذا الأساس أصبحت المدن والقصبات التأريخية في العالم تضم صنفين من الأبنية ، ماهو محفوظ ومصان في المدينة القديمة ، وما هو حديث متطور في المدينة الجديدة وهذا مالاحظته في مدينة هانوفر المدينة القديمة التي كنا من سكنتها في البدايات و تسمى Alt-Münden أي هانوفر القديمة و Neu—Münden هانوفرالجديدة وكان الجسر القديم على نهر الفولكا يربط الجزئين ، كنا نميز بين الجزئين من حيث العمران ، الازقة والشوارع و أبنية تراثية ، كتردائيات ، ساحات ، واللكنة الجديدة في الجزء الثاني ٠
ويعالج هذا الموضوع الإجراءات والخطوات المنهجية التي يستوجب إتباعها في حماية ، صيانة وأحياء المدن والقصبات القديمة ٠ و نحن بصدد دولة اجنبية ، لكن هذه التجربة تعد من الاعمال الرائدة يمكن تطبيقها بما يلائم أحوال وظروف أي بلد في العالم كونها تعالج الكثيرمن المشاكل التي تعاني منها المدينة التأريخية وعلى هذا الأساس يمكن إعتمادها كدليل عمل المختصين من مخططي المدن والمعماريين والهيئات المعنية بشؤون المحافظة على الآثار والتراث٠
إن حماية واحياء مركز تأريخي ، أو بيئة قديمة أو موقع يجب أن يعتبر جزءا متمما لعملية تخطيط المدينة ٠ الإجراءات المنهجية لترميم المواقع الحضرية القديمة يجب أن تحددها الأسس التي رسختها منهج تخطيط المدن ضمن القواعد التي تضمن حماية الممتلكات الثقافية ٠ والتعاون المباشرالوثيق والمستمر بين المؤسسات المعنية والمنظمات والاختصاصيين من مختلف الحقول العلمية ٠ رغم ان العملية اتخذت منحنى حديث لعملية الاحياء للمراكز التأريخية ، فان عددا لايستهان به من المواقع القديمة معظمها المدن الاوربية قد أخضعت لاهذا الاجراء ، الذي أثبت أنه مفيد للغاية وهذا ضروري لاسباب مختلفة ، الممتلكات التأريخية والمعمارية للنسيج الحضري في المواقع القديمة قد تدهورت بسرعة في العقود الأخيرة ، وفي نفس الوقت ظروف العيش ساءت تدريجيا ، بحيث أن بعض المواقع الثمينة جدا مثقلة بمشاكل السكن والظروف الصحية والتأسيسات غير كافية ، وحركة المرور … الخ
لذا بدات العديد من المدن نشاطات منظمة لاحياء هذه المواقع وفق إجراءات منهجية ٠ والذي يستند على خصائص الموقع المراد أحياءه واعتماد بعض القواعد العامة لتلائم مختلف المدن ، التي يمكن تشخيصها بوضوح مقارنة مع العمل المنفذ في أماكن أخرى٠ على سبيل المثال : تم معالجة الموضوع منذ البداية عن طريق دراسة المظاهر المختلفة للأحوال العامة في بلد ما من حيث تعدد القوميات ، غزارة التراث الثقافي ، التنمية النشيطة الحالية للمواقع الحضرية وما ترافقها من مشاكل ونتائج معينة تحققت في هذا الحقل فيما يخص الهيكل التنظيمي والموارد المالية والأساليب التي تم تطبيقها ٠
ودول في الشرق الأوسط لاتقل أهمية في هذا المجال للارتقاء بممارسة حفظ وإدارة مواقع التراث الثقافي والتاريخي وكذلك لاثراء المكتبة العلمية عامة بالمعارف والمراجع المختصة في هذا المجال ٠ إزدادت البحوث وأضحت في متناول يد العاملين في مختلف مجالات حفظ وإدارة التراث الثقافي التأريخي في منطقة الشرق الأوسط ٠ ومن المثيرالاهتمام الذي تتلقاه من هذه المواقع من جهود الحفاظ والترميم التي نفذت فيها إعتمادا على خبرة البنائين والمرممين أصحاب الخبرة والممارسة وذوي الاختصاص على ضوء المعايير الدولية ، باتباع طريقة منهجية تنسجم مع أسس ومبادئ الحفاظ عليها ومن خلال التحاليل المختبرية اللازمة عبر تشخيص مواد البناء المستخدمة في الأبنية التقليدية القديمة ، سواء (الحجارة ، الاخشاب ، ومواد أخرى) خلال الطرق العلمية الحديثة مع التعرف على تقنيات البناء المستخدمة في تشييد المباني التأريخية ، عن طريق وصف العناصر الانشائية والمعمارية والزخرفية لهذه المباني وذلك بعد دراسة وتشخيص عوامل ومظاهر تلف مواد البناء فيها ثم إقتراح الأساليب المناسبة التي يمكن استخدامها لعلاج المشاكل التي تتعرض لها البناية ٠وبالتقدم المستمر للبحوث بالخصوص تحسين ممارسات عملية الحفاظ على ضوء المنهجيات والمواثيق الدولية في حفظ وترميم الممتلكات التراثية للأجيال القادمة ٠
مميزات المواقع ذات الأهمية التأريخية
إن استمرار الحياة الحضرية لفترة طويلة قد تزيد عن الفي سنة مثلا ، يخلف تراثا بنائيا متنوعا وفقا لميزة الأهمية التأريخية ، وبهذا يمكن تبويبها في أصناف مختلفة :
١-مدن قديمة صغيرة ذات قيمة جوهرية كبيرة
مثل مدينة دهوك إحدى الوجهات السياحية المتميزة بطبيعتها الخلابة وجوها المعتدل والاهم انها تحتضن١٥٠ موقع تأريخي حضري خلفتها الحضارات المتعاقبة دلالة على قيمتها التراثية منها ١- (جسر دلال ) بقضاء زاخو الذي يعود للعهد البيزنطي كهف (چوار ستوین) الكهف ذو الاعمدة الأربعة ٣- (شکەفتا هەلامەتا) کهف التماثيل ٤- قلعة عمادية إحدى القلاع الاثرية الحصينة التي لعبت دورا متميزا في تأريخ منطقة كردستان عبر الأجيال
٢-كيانات حضرية تضم مناطق ذات قيمة معمارية عالية :
الكثير من المدن حول العالم تحمل هذه القيمة مثل أهرامات مصر ، اسبانيا ، (سراييفو ، سپلت ) یوغوسلافيا …الخ
٣-مدن ذات قيمة بيئية هامة : وهذه تشكل فئة واسعة مثل منتنيغرو ، وأستريا
٤- كيانات ريفية ذات قيمة بيئية عالية التي بالرغم من خلوها من الآثار الثقافية الهامة تعتبر بارزة بسبب طوبوغرافيتها وأهميتها البيئية ٠ مثل منطقة جبل (هلگرد محمية طبيعية)…الخ
٥-مبان منفردة ومجمعات ذات قيمة تأريخية ، ثقافية وبيئية خارج المدن والمواقع : كهف ئینشکێ ، مدرسة قبهان (قوبەهان) فی وادي بهدينان العمادية (روبار عمادية)٠
٦- وتتضمن هذه الفئة عددا كبيرا من النصب الثقافية والتأريخية ووحدات تقع خارج الأماكن الحضرية والريفية ، وتمثل الكثير من المواقع الاثرية ، الحصون والقلاع ، الكنائس والجوامع والاديرة ، الخدمات التحتية (بقايا الطرق القديمة ، الجسور وشبكة اسالة الماء ) ومنشآت أخرى ٠ يجب استخدام معالجة خاصة لكل فئة من هذه الفئات عندما يخطط لتطورها ٠ مثل تمثال الحرية (نيويورك) ، قلعة أربيل فوق مستوى المدينة التي تعتبر من أقدم القلاع المسكونة على مدى التأريخ٠
ان التراث المعماري يظهر تنوعا كبيرا نتيجة للظروف الطبيعية ، التأريخية الخاصة حول العالم ، تطورت في ظلها جمهوريات وأقاليم معينة منذ عهود مبكرة حتى الوقت الحاضر ٠
مشاكل المناطق التأريخية :
١-تهدم المباني التأريخية
العديد من المباني التأريخية والمباني المنفردة تتعرض الى خراب مستمر بسبب التداعي والتهديم ، لاسباب
لها علاقة بالموقع أو البناء ، أسباب تأريخية وإقتصادية ، التنمية الاجتماعية أو النشاط البشري والأموال المخصصة لإجراءات الحماية ، تصرف فقط لعدد قليل من المباني التأريخية ذات الأهمية البالغة وتترك الأغلبية بدون عمليات صيانة وترميم ٠
٢- السكن غير الملائم والظروف الصحية
غالبية المدن القديمة والقصبات أماكن يصعب العيش فيها ٠ البيوت المهملة المتداعية المرطبة على الدوام وإفتقارها تأسيسات الماء والمجاري ٠
٣- الاستعمال الغير الكفوء لمحلات الاعمال
حالة الإهمال السائدة في المدن القديمة والمناطق الريفية نتيجة الاستعمال الغير كفوء فبدلا ان تكون المراكز القديمة المهملة أماكن صالحة للعيش ، فانها غالبا قد إستخدمت لغايات ميتة كإستخدامها مخازن أو محلات وغايات تفتقر لنبض الحياة ٠
٤- مشاكل المرور
تستفحل مشاكل المرور في المناطق التأريخية فمرور المركبات يهدد المباني التأريخية في المدن من حيث الشكل والتركيب الحضري ٠
٥- تجاوز مشاريع التنمية الجديدة غير المدروسة على المراكز القديمة داخل وخارج حدود المناطق التأريخية
أدى التوسع الحضري المكثف في السنوات الأخيرة الى تخريب المواقع الاثرية التأريخية الحضرية والريفية إضافة الى المباني المنفردة خارج حدود المدن ٠ فان أية عملية تطوير جديدة في خلفية موقع تأريخي يشوه تناسق الموقع القديم ٠
المعالجة المنهجية
ينبغي أن ينظر للمراكز التأريخية ككيان بحاجة الى معالجة مشاكل الصيانة المرتبطة بالاحوال السكنية والصحية وحركة المرور وإقتصاديات المنطقة ٠
صيانة وتنظيم مركزأومناطق تأريخية بصفتها جزء من المدينة ، وينبغي أن ينفذ وفق أسس التخطيط الحضري المستند على التوثيق المتوفر والدراسات التحليلية المفصلة مع الاهتمام الخاص بالقيم التأريخية ضمن المنطقة ٠
كل خطوة في الحماية والتجديد وإعادة تنظيم بيئة تأريخية يجب ان يسبقها دراسة يشرح العمل المنجز بأكملها في تقرير مفصل٠
أفضل طريقة لحماية النصب والمباني إشراك هذا العمل ضمن الوظائف المعاصرة والحيوية في المنطقة بحيث يؤدي الى تخطيط التوقعات المالية والتقنية من أجل تنظيم وأحياء هذه الممتلكات ٠
احترام جميع الفترات التأريخية من حيث المبدأ اثناء صيانة وأحياء المباني التاريخية في عملية أحياء الأجزاء القديمة من المدينة الحلول المعمارية المبدعة مقبولة وضرورية مع أخذ التناسق الكلي للبيئة التأريخية بنظرالاعتبار
من أجل حماية وأحياء المراكز التأريخية يجب أن يكون هناك تعاون مستمر بين دائرة تخطيط المدن والدائرة
المعنية بصيانة المباني التأريخية في جميع مراحل العمل إبتداء من التحليل الاولي حتى مراحل التنفيذ والانجاز٠
مادام من أهم متطلبات الأساسية لحماية المواقع التأريخية بشكل كفوء وفعال ، هو التنظيم الناجح للعمل في هذا
الحقل٠هناك جهات تتمتع بأهمية أساسية في عملية حماية وتنظيم الأماكن التأريخية ، وهي : مؤسسات حماية
النصب التأريخية مسؤولة عن كافة المباني والمواقع التأريخية ، دوائر تخطيط المدن ومؤسسات الإسكان ٠
بعض البلدان مثل يوغوسلافيا طبقت نظام اللامركزية في الإدارات المسؤولة عن حماية المباني التأريخية عندما
كلفت المؤسسات البلدية بحماية المباني التأريخية في كافة أنحاء البلاد٠إضافة الى المعاهد البلدية ، هناك أيضا
معاهد أقليمية ومعاهد مركزية لحماية المباني ٠المؤسسات السياحية والسياسية ينبغي أن تساهم في حماية المواقع
التأريخية ٠وأخيرا أثبت التعاون بين المدن بأنه مفيد جدا وقد تحقق المشاورات حول أهم القضايا الملحة التي
تخص المناطق التأريخية ٠
ومن الأمثلة الحية على موضوعنا هذا :
دراسة مستفيضة لاحد أهم الصروح التأريخية للمدرسة الجامعة قوبهان ( قوبەهان) الواقعة في وادي روبار
عمادية وجولة في قلعة عمادية وآثارها الخالدة (للدكتور مسعود كتاني ) الجزء الثاني