إهداء..
الى الصديقة س البغدادي.. نادية شقيقة لك في الإنسانية ومؤمنة بالله مثلك.. كانت تناجيه.. ليحميها وينقذها من محنتها التي فرضها عليها “المؤمنون”..
كان آخر كتاب قرأته في الأيام الأخيرة من السنة الماضية.. (الفتاة الأخيرة.. قصتي مع الأسر ومعركتي ضد تنظيم داعش) لنادية مراد.. الذي أعدته الصحفية الأميركية (جينا كراجسكي) وكتبت مقدمته المحامية اللبنانية أمل كلوني.. وترجمة نادين نصر الله..
اعترف مقدماً انه ليس من الكتب السهلة التي قرأتها.. وعانيت الكثير من الآلام لحين إتمام صفحاته الـ 400 وهي تسرد بشجاعة.. جزء مما مرت به نادية مراد من قصتها.. وأقول جزء لأنني على يقين انّ كل ما مرت به.. وما شاهدته.. لا يمكن تدوينه بغض النظر عن الأسباب والدوافع والأعذار..
كما لا يمكن لاي صحفي او صحفية.. وهنا يمكن أنْ نذكر (جينا كراجسكي) التي كانت في موضع الانصات الصعب لمحدثتها.. وهي تتلقى ما ترويه نادية مما يمكن الإفصاح عنه في مثل هكذا تجربة تتعدى حدود الذات.. وتغوص في الأعماق.. لتنتج كل هذا القبح والألم والغضب.. وتكون المعادلة في مثل هذه اللحظات.. أوسع بكثير مما ترويه الضحية.. وتتحول في مجرى الاستماع والتدوين لحالة وجدانية تنفح بالعواطف والمشاعر.. التي تحلق بك في فضاءات المعرفة ومحطات التاريخ.. وتستوقفك لتصرخ كي يسمع نداؤك من به صممُ..
ـ يا الله..
كل هذا العذاب..
كل هذا العنف..
كل هذا القتل..
كل هذه البشاعة..
كل هذه الضحايا..
كل هذا وكل هؤلاء يجتمعون باسم الدين.. باسم الرب.. وبأسماء وحجج أخرى لينشروا في هذا الزمن العصيب.. راية نفاقهم.. مدعومة براية ذكورتهم العفنة.. راية الموت.. الذبح.. الاذلال.. اذلال البشر.. استعباد الأطفال.. التركيز على اذلال المرأة واغتصابها..
هي بحدود القراءة والادراك المعمق للحالة.. ليس ما حل بنادية فقط.. ولا تتوقف عند حدود أهلها في قرية كوجو.. او منطقة سنجار.. ولا تخص أو تقتصر على اتباع دين يعبدون الله بطريقتهم منذ أنْ بدأت بواكير الفكر الديني تنتشر في أرض الرافدين..
هي في الصورة المرافقة للحدث ليست أول.. ولا آخر جريمة ترتكب في التاريخ حتى هذا العصر.. هي حصيلة تاريخ اجرامي مازال ملتصق بالبشر.. الذين بينهم وبين الإنسانية بون شاسع.. ومازال يورث لهم.. او لبعضهم.. وهمْ كثر في هذا الزمن المغبر.. المتشدق بالتكنولوجيا والتطور.. المزيد من المبررات والذرائع.. الدافعة لهذا الغول الحيواني.. المتمسك بقيم وثقافة الصحراء.. التي ما زالت تنتج المزيد من القتلة والمجرمين المعاصرين.. قتلة ومجرمون “محترمون” توضع تحت تصرفهم.. الأموال.. الأسلحة.. ناقلات حديثة.. ودائع في البنوك.. ينتقلون بأرتال علنية.. مخترقين الحدود الدولية.. ومكتسحين القرى والأرياف.. كأنهم في نزهة سياحية.. رافعين رايات سوداء.. كتب عليها (لا إله الاّ الله.. محمد رسول الله).. يكبرون ويشهرون أسلحتهم الفتاكة.. كأنهم في حماية من يتحكم بهذا العالم.. الذي مازال يستطعم طعم الدم المخلوط برائحة النفط.. سرادق من نفايات بشرية لا تخلو من العلماء.. الشعراء.. المثقفين.. الفنانين.. الاطباء.. المهندسين المستخدمين لشبكات الانترنيت.. ناهيك عن العسكريين لا بل حتى طوابير النساء.. ممن انخرطوا وانخرطن في سياق هذه الموجة السافلة.. من المجرمين القتلة.. الذين قرروا نشر كل هذا الخراب.. وفق مخطط يستند الى ارث فكري ـ ثقافي ـ ميثولوجي.. يبرر العنف ويبجل القتل.. يفتك بالبشر.. كأننا في حظيرة توحش يتحكم بمصيرها الدجل.. وتقرر القوة مستقبلها.. قوة التوحش التي تتغذى بصرعات الدين المنفلت.. المبارك من إله متخفي مختفي عن الوجود.. إله شارد مذعور.. سابح في ارجاء الكون.. قرر الهروب والابتعاد عن البشر.. خوفاً من جحيم الدواعش المنفلتين الملاحقين له.. ليشركوه في وزر جرائمهم البشعة.. إله ما زال يسعى لنفض الغبار عن نفسه.. ودحض المنسوب له زوراً وبهتاناً.. مؤكداً براءته من كل هذا القبح البشري المشين..
وهي نادية التي تذكرنا من خلال سردها.. لما حل بها.. ومناجاتها له.. للرب.. ليخلصها من عذاب الدواعش.. انها ابنته.. ابنة الله.. ومن معها في الأسر هم اتباعه من المؤمنين به.. ما زالوا يتشبثون بإيمانهم.. ولا يتقبلون الاّ الطريقة التي عرفوا بها الله.. الله المنقذ.. الذي كانت تناجيه نادية.. في اوج لحظات القسوة.. وهي مجبرة على الخضوع لإرادة مغتصبيها..
هؤلاء الذين اشكلوا عليها.. ولم تعد تفرق بينهم فلجأت.. لمقاييس الطول والعرض.. حينما أراد غول بشري ضخم.. أنْ يستعبدها.. ولم يكن لها خيار.. الاّ أنْ تتوهم بالآخر.. ضئيل الجسد.. ليأخذها وينقذها فتكتشف بعد ساعات.. ساعات فقط ليس الاّ.. ويا للأسف.. إنه قاض موصلي.. وغد قاسي القلب.. معفن الروح.. مشبع بالحقد والكراهية.. أوسخ من ذلك الأمير الضخم التافه..
ومع سردها للتفاصيل نكتشف وجود.. الأطباء ممن شخصوا لتحديد عذرية الفتيات.. وحالات اغتصاب متكررة تجمع بين فعل فاحش في سيارة تابعة للدواعش.. ونقطة تنفيش في سيطرة تودع فيها الضحية.. ليقوم كل من في الموقع بأداء دوره المطلوب في الاغتصاب الجماعي.. كعقوبة لها بسبب محاولتها للهروب في المرة الأولى.. ومن ثم تعدد بيعها.. وتكرار شرائها.. من قبل منْ جمعت بينهم الغايات الدنيئة.. وقرروا استعباد البشر.. والتلذذ بعذاباتهم..
هذه العذابات التي لا حدود لها.. تبدأ بالأسر.. السبي.. من ثم التفريق بين الأهل.. ناهيك عن.. التجويع.. الإذلال.. ومن ثم المعاقبة والظرب المبرح.. هي قسوة يتماهى فيها الجنس مع التعذيب.. من قبل عناصر داعش.. الذين تختلف دوافعهم وفقاً لتصنيفاتهم في مجال علم النفس.. بين شواذ.. وساديين ومصابين بالانفصام.. الحاملين للعقد المرضية.. ممن فقدوا الضمائر.. ولا يحسون بعذابات وآلام ضحاياهم.. لا بل هناك من يتلذذ بتفاصيلها المقرفة..
ماذا نقول عن أمير داعشي.. قذر.. زنخ.. تعط منه الروائح الكريهة.. يجبر ضحيته على لطع العسل الذي يضعه على أصابع قدميه الوسخة.. في تلك الساعات الملتبسة!!
ماذا وماذا ثمة الكثير من التساؤلات.. التي يحملها الكتاب.. تحتاج للتفسير والتحليل.. أسئلة تقض مضاجعنا.. وتدفعنا للتفكير من جديد..
هل ما زلنا بشراً؟
هل ما زال هناك إله؟
هل ما زال هناك أديان؟
هل.. هل.. آلاف الأسئلة تتواصل.. وبين كل هذه الأسئلة.. السؤال الأول:
ـ من المسؤول عن كل هذا القرف؟
ـ ومن يعتقد انه بريء امام نادية؟
لذلك تساءلت.. حينما كتبت عن نادية في تلك الأجواء المريرة من عام 2016..
أين الله يا نادية؟!
ها أنا اعود ثانية للسؤال.. وانا اقرأ وانزف مع ما ورد في كتابها المؤلم من جديد..
أين الله يا نادية؟!
ـــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
6/2/2023
ـ رابط عنوان أين الله يا نادية؟
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=501525
ـ الفتاة الأخيرة.. قصتي مع الأسر ومعركتي مع تنظيم داعش.. نادية مراد.. تقديم أمل كلوني.. ترجمة نادين نصر الله..
ـ عدد الصفحات 400 صفحة
ـ الترقيم الدولي 5ـ016ـ 472ـ 614ـ 978
ـ الطبعة الأولى 2019
ـ دار التنوير للطباعة والنشر
ـ التوزيع في العراق مكتبة نابو