أنت تستطيع رؤية و إدراك خضوع عقول الناس للعبودية والخرافة ولكن هؤلاء الخاضعين العبيد لا يستطيعون رؤية و إدراك ما أنت مدركه عنهم ، لأنهم يظنون بأنفسهم حسنا بل ويسخرون من تصوراتك المنحرفة حسب ما يعتقدون .. وهذا يعني أنك أمام مهمة شبه مستحيلة لتحرير تلك العقول الملوثة بمفاهيم العبودية والخاضعة خضوعا مطلقا بشكل لا إرادي للخرافة والدجل ، وعندما أقول خرافة ودجل لأنه من الصعب بمكان ان تكون هنالك عبودية دون ادواتها وأهم أدواتها هي الخرافة والدجل ، والامور تصبح أكثر تعقيدا وصعوبة في تحرير العقول الخاضعة عندما تكون تلك العقول صاحبة تحصيل علمي او مركز أجتماعي او وجاهة في المجتمع او مناصب ادارية ، فهنا قد ندخل المنطقة المحرمة تماما وقد نتعرض للإزدراء والتنكيل لأننا نريد مالا يريده الناس . لماذا ؟ لأن الصنف المتعلم يملىء نفسه بما ينقصه نفسياً بغض النظر عن قيمة ذلك الشيء .
لا تستطيع فصل شيء عن شيء أخر مالم تستخدم طاقة هائلة تفوق الطاقة التي تربط الأشياء فيما بينها وقد يؤدي فصل الشيء عن الشيء المرتبط به الى أنفجار او الى عدم السيطرة على الجزء المفصول او أحتمالات أخرى غير محسوبة وهذا الكلام كلام فيزيائي المفهوم ولكن لو تم تطبيقه على الوضع الإنساني والاجتماعي لأصبحت الصورة متطابقة تماما ، لأن الذين تعودوا العبودية وتشابكت خيوط عقولهم مع خيوط العبودية الفكرية فأن الصعوبات التي ستواجهها عند محاولة تحرير تلك العقول وفك ارتباطها من العبودية هي بنفس قوة الفصل الفيزيائي المعروفة علميا . . وعلميا في حالة الفصل الفيزيائي تحتاج الى طاقة هائلة ، كذلك إجتماعيا تحتاج الى طاقة هائلة ولكن هذه المرة طاقة هائلة في المعرفة والطريقة المثلى والثقة والإرادة ويجب التذكر دائما ان تحرير العقول الراضية بالذلة تكون مكلفة وأحيانا تصاحبها الندم الشديد لأن تلك العقول الراضية بالعبودية والذلة ستبقى تواقة الى الأيام الذليلة ولا تستطيع ان تغادر مخيلتها فقد أصبحت العبودية هي الأصل بالنسبة لها بعد ان كانت الحرية هي الاصل . . قد يتساءل أحدنا كيف يمكن للعقول ان ترضى لنفسها الذلة ؟ أقولها بصراحة ان هذه العقول نشأت وترعرعت على المفاهيم الذليلة ولم تتذوق في يوم من الايام حلاوة مفهوم الحرية فهي قد أدمنت العبودية وترى فيها وجودها وطعمها في الحياة والمؤثرات المصاحبة للعبودية هي التي لها دور فاعل في عشق العبودية والسكون اليها ومنها على سبيل المثال معيشة القطيع ، العيش مع القطيع يوفر جو آمن ومريح وإشغال للفكر وعواطف دافئة ، لأن الأفضل غير موجود في مخيلتهم ، والدليل على ذلك لو أنك قمت بفصل الفرد عن المجموع فقد يذبل او يموت هذا العبد . ومثال أخر الحاجة الى التغذية الفكرية المستمرة وهذه تأتي عن كثرة المناسبات التي يصطنعها المستعبدون لأجل الحفاظ على مستوى ثابت لأفكار الناس والتغذية الفكرية تتحمل المزيد من الخرافة والدجل والبدع كحاجة ضرورية لديمومة الحال .
… سيكرهوك ، سيحتقروك ، سيلعنوك ، وقد يقتلوك لإنك تجرأت أن تسلب منهم أعز شيء في الحياة بالنسبة لهم وهي العبودية التي لم تتشابك خيوطها بليلة وضحاها ، كل هذا يجب ان تحسب له حساب وليكن خوفك الاول من العبيد أنفسهم قبل ان تخشى المستعبد لأن المستعبد يعرف حجمك وقوتك وإرادتك فيتجنب المواجهة او الاقتراب منك ولكنه يراهن على العبيد أنفسهم فيقوم بضخ كم هائل من الخرافة والبدع الحماسية للعبيد لشحنهم ضدك ……
مشكلة الإنسان الواعي العاقل هو انه لا يرضى بالحرية لنفسه فقط وانما لا يمل ولا يتعب لجعل الحرية في متناول اليد عند الاخرين حتى وان لم يريد الاخرين الحرية . التأريخ يحدثنا عن قدرات أستثنائية أمتلكها مفكرون قلائل استطاعوا تهشيم عقول المستعبدين وتحرير عقول العبيد دون الحاجة الى مواجهات دموية ، وطريقتهم هي كيف ومن أين يبدأون ضرب اللحام القوي بين المستعبد والعبيد وهذه تجربة قد فشل فيها الكثير من مثقفينا وما زالوا يفشلون في تنفيذها وما نراه على أرض الواقع إزدياد رقعة العبيد وشملت حتى اساتذة كبار ، عاجزون حتى ان يعطوا لأنفسهم فرصة للتفكير بالحرية ، ، من هنا يجب علينا جميعا ان نعرف ان المستعبد ليس ضعيفا وبيته ليس كبيت العنكبوت وكيده ليس وهناً ، ولكن بالإمكان ان يصبح وهناً وضعيفا وكبيت العنكبوت عندما يكون الطرح الثقافي والفكري ذات مستوى عال وفيه درجة اقناع قريب من الواقع . . . . من الخطأ أعتبار جميع العبيد على شاكلة واحدة ، فمنهم من دخل مع القطيع ضعيفا يائسا من حياته ويفتقر الى إرادة التحرر رغم علمه بفضل التحرر وأهميته ، ومنهم من هو محاط بالخوف الشديد وذلك لشراسة وبطش المستعبد الذي يستخدم جنوده الفاسدين اصحاب القلوب القاسية لإيذاء من تسول له نفسه الخروج عن الطاعة ، ومنهم من وجد نفسه تم خداعه ودفع ثمنا غاليا لهذا الخداع فأصبح مطيعا خشية كشف اوراقه ، ولكن أسوأهم من ورث العبودية من البيت والمجتمع . بشكل عام يظهرون أمامنا كقطعة واحدة وكلهم يساعد على زيادة الظلام في الحياة . وكل منهم يحتاج المساعدة للتحرر من نفسه اولا والتحرر من جنوح عقله في بحر الظلمات ثانيا والتحرر من الطباع والسلوكيات المصاحبة للذلة التي أصبحت واقع حال لا يمكن الانفكاك منها بسهولة .
تحرير العقول أعظم عمل يمكن ان يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان ولا يقوم به الا من هو إنسان عظيم وهو قبل كل شيء إنسان حر ، حر من كل شيء ولم تدنسه الملوثات . وترى هموم هذا الإنسان الحر تذوب امام هموم الناس وتصغر همومه ويتكابر على نفسه ، لا يتعب ولا يمل وكأن الدنيا أرسلته رسولا بالحق لينقذ الناس ويعيد لهم حريتهم التي هي قابلة للفقدان في أية لحظة امام مكر المستعبدين.
من المفارقات الكبيرة التي يجهلها الكثيرون هو ان الفرق بين ترويض الحيوان وترويض الإنسان للعبودية هو ان ترويض الحيوان يتم على يد أصحاب العقول الكبيرة المتعلمة لتصنع منها فائدة عظيمة للإنسانية من خلال تسخير الحيوان لخدمة الإنسان ، بينما ترويض الإنسان للعبودية يتم على يد فقط الدجالين وأصحاب الخرافة والشعوذة ، فالفريق الاول يضيف للإنسان خدمة جديدة والفريق الثاني يسلب من الإنسان خدمة أصيلة . فالصقر او الكلب مثال قريب على ذلك يبدع هذا الحيوان في عمله بعد ترويضه وهو خاضع لسلطة الإنسان ويصبح ذات قيمة كبيرة ويضيف الكثير لحياة الإنسان وخدمة الإنسان ، والإنسان العبد الخاضع لسلطة الدجل يفقد قيمته بالتمام وفائدته تنحصر لسيده دون مقابل ويسلب الكثير من حياة البشر ، وهذا شيء مؤلم ان نخسر من صنفنا البشري بما يضر الجميع …
هذه الحقائق عندما نضعها أمامنا ستكون لنا ملكة فرز الاوليات ومعرفة بواطن الاشياء التي نحتاجها لأن هدفنا الاساس هو الإنسان وتحرير الإنسان ، فما نراه على الارض عبودية مقيتة للإنسان وهذه العبودية تتوسع في بقع كبيرة من الأرض وهذا مالا يليق بنا ان نسمح به وعلينا جميعا تحمل المسؤولية .