– ادعاءات تركيا وأدواتها على أنهم لا يحاربون الكورد، بل العمال الكوردستاني، والإدارة الذاتية وقسد!
جدلية تستخدمها جميع الأنظمة المغتصبة لحقوق الشعوب، ومن بينهم محتلو كوردستان، خاصة في العصر الحديث، وحيث قوة الإعلام وقدرته على تشويه وتزييف الحقائق. رغم سهولة تعرية الأخبار المغرضة والتي لم تعد تتحكم بها السلطات، يستمر خبثاء السياسة بالتغطية على نفاق بعضهم، وبشائعهم بحق الشعوب.
إذا كان أعداء الكورد قد غيروا جلودهم، وبدأوا ينتهجون إستراتيجية النفاق، وخداع العالم؛ للقضاء على القضية الكوردستانية، بدل القتل الجماعي، كما حدث في قلعة دزه وحلبجة وألا قمشي ومهاباد وشنكال وعفرين ومئات القرى والمدن الكوردستانية، فالحراك الكوردي يتبنى هذا النهج الإنساني الوطني بمصداقية وكمبدأ؛ في الواقعين العملي والنظري منذ نشوئها وحتى اليوم، والشعب الكوردي عندما يطالب بكوردستان، ويناضل وحراكه من أجل الحرية لا يعادون شعوب المنطقة، ونتائج ثوراتهم تشهد عليه، كانت القيم الوطنية والأخوة من ثوابتها، وعلى السوية ذاتها يقول العمال الكوردستاني وقوى الإدارة الذاتية بأنهم لا يعادون الشعب التركي والعربي، بل يطالبون بنظام الأمة الديمقراطية بين الشعوب، لكنهم يحاربون السلطات التركية والعروبية والفارسية العنصرية المحتلة لكوردستان.
شعوب المنطقة أمام وجهي التناقض، المحتلون يستخدمونها كتغطية على جرائمهم، ودعاية لتمويه الرأي العام العالمي، والكورد يطبقونها لأنها جزء من ثقافتهم، بنت عليها حراكهم منهجيتها. فكان ما بين الطرفين، منطق الصدق والخباثة، ليأتي رد فعل الأنظمة المغتصبة، ومن بينها التركية، وتصنف كل حراك كوردي يقدم على تفعيل القضية الكوردستانية، إرهابيا أو حراك لا ينتمي إلى الكورد، وبالتالي يتوجب محاربتهم.
فعلى بنية هذه السياسة، يحاولون تكريه الشعب الكوردي لحراكه، وأن كل نضال قومي لا علاقة للشعب به، بل ويتمادون في أحكامهم إلى درجة تبرئة الذات من جرائمهم بحق المدنيين الذين تم قتلهم طوال العقود الماضية، وفي حربهم الجارية ضد الكورد، ويعفون ذاتهم من وزر تلك الجرائم، بل وعلاوة على التدمير يقومون بتجريم الحراك، واتهام بعضهم بالإرهاب.
على بنية هذه الجدلية الخبيثة تعاملت جميع السلطات التركية، منذ أتاتورك إلى أردوغان، مع الثورات الكوردية المتعددة بغض النظر عن انتماءاتهم ومفاهيمها.
وتحت غطاء هذه الدعاية تمكن أردوغان من الحصول على السكوت الأمريكي والروسي في قصفها للبقية الباقية من البنية التحتية لغربي كوردستان، وتدمير المنشآت المدنية وقتل العديد من الناس العزل. وفعل مثله وقبله الأنظمة التركية السابقة في شمال كوردستان، هجروا سكان أكثر من 4500 قرية كوردية وقتلوا الآلاف من الناس جلهم مدنيون. جرى كل ذلك تحت دعاية الدفاع عن الكورد، واعتبروا عمليات التهجير القسري إنقاذ لهم من الموت، عرضوها كمنة على الشعب الكوردي، وطلبوا الشكر مقابلها، المسيرة هي ذاتها ما يحدث اليوم في منطقة عفرين والباب وسري كانيه وكري سبي، ويراد أردوغان أن يمتد إلى عمق 30 كيلومتر في غربي كوردستان.
المتناقضة السياسية-العسكرية التي يتبعها، مع قوى التحالف المتعاملة مع الإدارة الذاتية كبعد كوردي قبل أن تكون سوري، مشابهة لمنهجيته مع الحراك الكوردي، رغم معاداته لتحالف الدول الأوروبية وأمريكا مع الإدارة الذاتية، يصرح أردوغان على أنه لا يعادي الإستراتيجية الأمريكية لكنه يحارب الإدارة الذاتية وقوات قسد، وهي لحماية أمن تركيا.
التكتيك التركي بشكله العام واضح لدول التحالف، لأنها تحمل الوجه الساذج في الجهة الأخرى، والتي تطالبهم بالتخلي عن قوات الـ ي ب ك، وقسد وبالتالي عن الإدارة الذاتية، وهذه تعني خروجهم من المنطقة، بل ومن سوريا، وبالتالي تسليمها لروسيا، أو لأدواتها التكفيرية تحت إدارتها. وتجربة احتلالها لمنطقة الباب ومن ثم عفرين وسري كانيه وكري سبي خير مثال، العمليات التي أدت إلى التغيير الديموغرافي للشعب الكوردي، وحظرت على دول التحالف محاربة داعش فيها، الذين هربوا من مناطق قوات قسد، وانضموا إلى القوى الموالية لتركيا كما وتم توطين العديد منهم في عفرين وغيرها، المناطق التي حرم على الحراك الكوردي، كالمجلس الوطني الكوردي ليس فقط من إدارتها، بل وحتى دخولها.
الإشكالية ليست في عملية التغطية على هذا التضارب، بل في مدى قدرة أردوغان على تكرار المعادلة الشاذة أمام الدول الكبرى دون أي رد فعل، كالتنديد بجرائمه بحق الشعب السوري عامة والكوردي خاصة، حتى عندما صرح وبكل عنجهية، على أنه لا يحتاج إلى موافقة أحد لحماية أمن تركيا القومي، وسيجتاح غربي كوردستان، مع أو بدون الموافقة الأمريكية، وعلى خلفيتها قتل العديد من المدنيين المسالمين في غربي كوردستان.
لا شك ما دامت أمريكا معارضة للمنهجية التركية في غربي كوردستان، فمصالح روسيا ستكون معرضة للخطر في حال أقدمت تركيا على الاجتياح، تحت حجة محاربة الإرهاب الكوردي، وهذه تعني، في الوجه الأخر للمعادلة، تقوية المعارضة السورية وتقسيم سوريا مذهبيا، ومن ثم ضعف الوجود الروسي أمام الأمريكي.
لذا من المحتمل أن تزيد روسيا من ضغطها على تركيا للتخلي عن المعارضة السورية كشرط قبول التناقض الأردوغاني؛ أو تبيان موقفها من الإدارة الذاتية ومن القوات الكوردية أو من قسد، وبالتالي من وجود الشعب الكوردي كقومية ثانية في سوريا كوطن لن يكون لها مستقبل دون الشراكة الكوردية، والمصلحة الأمريكية تستند على هذه المنهجية، حتى اللحظة، وعلى خلفيتها يكمن التضارب بينها وبين تركيا على مستقبل المنطقة الكوردية بشعبه الكوردي وحراكه، مع أو دون وحدة سوريا، وهذا ما يرعب أردوغان وإيران والنظام وروسيا.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
7/1/2023م