الطائفية هي الأكثر رجعية وعدوانية مهما أدعى أصحابها ادعاءات تنافي حقيقتها ونهجها المبني على الباطنية والتفرقة وهذا ما اثبتته التجارب العديدة ، ولهذا فإن الطائفية تعتبر نهجاً معادياً للوطنية بما تحمله من أسس انعزالية والاعتماد على نظرية الأحسن والأتقى والأفضل من الآخرين ثم التوجه للهيمنة على السلطة وفرض الأمر الواقع فما تذهب إليه من أوهام تعتمد اللاهوت والغيب وتكفير الآخرين فهي أصولية متطرفة في المنهاج وكذلك في المقابل وجود سلفية متطرفة في الادعاء والتكفير، العراق على الرغم من التعددية الدينية والمذهبية بقى سنين طويلة بمنأى عن التطرف الطائفي والتقسيم الطائفي في نصوص دستورية وقانونية لا تشير إلى التقاسم والمحاصصة في الحكم والسلطة، ولا ننفي وجود الطائفية بشكلها الجنيني أو جماعات تؤمن بالطائفية، النهج الطائفي الذي انتشر في العراق بعد عام 2003 تتوج بالمحاصصة الطائفية البغيضة حيث اصبحت حجر عثرة أمام إجراء إصلاحات أو تغييرات على نهج المحاصصة الطائفية والحزبية لعدة أسباب منها
ـــــ كتل وأحزاب وميليشيات طائفية مسلحة تقف أمام أي تغيير
ــــ قوى خارجية لها مصلحة حقيقية في إبقاء المحاصصة كي تستثمرها لمصالحها الخاصة
إن الإصرار على استمرار نهج المحاصصة خطط لها مثلما اشرنا داخلياً التنظيمات الشيعية وأول توجه طائفي كان بداية نشاطات احمد الجلبي في حينها من أجل قيام الكتلة الشيعية بمباركة إيرانية والهدف الانتخابات البرلمانية من اجل الهيمنة والسيطرة على البرلمان، مراجعة بسيطة لسنوات ما بعد 2003 ومجيء الحكومات وبخاصة بعد الانتخابات التشريعية الأولى وما نتج عنها من نتائج اعتبرت أول خطوة نحو تكريس الطائفية والمحاصصة البغيضة على حساب النهج الوطني، ولم تبخل القوى الخارجية وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية في قيام مجلس الحكم بقيادة الحاكم الأمريكي المدني بريمر ثم قيام إيران بالتدخل بالاعتماد على المساندة والتسهيلات من قبل البعض من القوى الشيعية التابعة، ثم خلال المسيرة السياسية المتعثرة بالعراقيل والاخفاقات نجحت هذه القوى في الهيمنة والتسلط على السلطة وعلى البرلمان هذه السيطرة مكنت من تمرير قوانين تكرس المحاصصة الطائفية في مقدمتها قانون انتخابي جائر ساهم في الاستيلاء على الأصوات الانتخابية ولعبت القوى الشيعية المهيمنة دوراً غير قليل في التمسك بالمحاصصة كما لعبت مفوضية للانتخابات دوراً سلبياً كونها غير مستقلة تقع تحت تأثيرات القوى المتنفذة ، ونتج عن ذلك وبسبب المحاصصة الطائفية والفساد المالي والإداري وما صحبها من عمليات اغتيال وقتل وتهجير طائفي قامت بها الميليشيات المسلحة التابعة وفق مخطط مرسوم ولهذا اصطدمت جميع محاولات الإصلاح والتغيير بقوى شيعية لها تأثيرات طائفية سياسية وعلاقات خارجية وبخاصة مع طهران، وظهرت هذه العلاقات بشكل جلي في تحركات البعض من هذه القوى وبخاصة نوري المالكي وليس من الخطأ نذكر تصريحاته “منو يكدر احد يأخذها حتى ننطيها بعد” قول صريح عن مدى تمسك عقلية الاستحواذ والتفرقة بالفكر الطائفي والوقوف ضد أي محاولة للإصلاح والتغيير والاستمرار في الخلافات السياسية وللخلافات الطائفية والتقسيم الطائفي على الرغم من التصريحات للمالكي وغيره من زعماء التنظيمات الشيعية الظاهرية التمسك بالوطنية وهؤلاء هم الذين أصروا ويصرون على بقاء الدوامة الطائفية ونهج المحاصصة، منذ البدء تعرت اساليبهم وتحركاتهم ومخططاتهم في تكوين الميليشيات الجديدة ودعم القديمة وتسليحها بأحدث الأسلحة وخلق أزمات وخلافات وإتباع سياسة الاقصاء ومحاولات تغيير التوجه لبناء جيش وطني له مهمات وطنية واستبداله بالميليشيات التابعة لتصفية الحسابات والخلافات حتى الشخصية بين التنظيمات والأحزاب الشيعية ثم لتحويل هذه الميليشيات إلى قوة عسكرية ممكن أن تحتل مكان الجيش مثلما هو الحال بالنسبة للحرس الثوري الإيراني.
ان الرفض الواسع للنهج الطائفي والموقف الصارم منه أفشل الكثير من التحركات التي كانت تروم التوسع أكثر، ونحن نشاهد الرفض في استمرار الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات والموقف من الانتخابات الأخيرة التي أصبحت يومياً تقريبا ضد ما أنتج عن سياسة القوى الطائفية والميليشيات الطائفية المسلحة التابعة وجعل هذا النهج من المسلمات كي لا يجري التغيير، ونشير إلى تأكيد الحزب الشيوعي العراقي في 19 / 1 / 2023 ” إن موضوعة الانتخابات هي جزء من صراع كبير بين قوى المحاصصة والقوى السياسية والجماهير المتطلعة للتغيير”.
أن الصراع من أجل انهاء المحاصصة الطائفية مر بمراحل عدة وفي كل مرة عندما تقترب بعض الحلول للخروج إلى فضاء الوطنية نجد أن القوى الرافضة والتي تختبئ تحت شعارات الوطنية تخلق الازمات والمشاكل لا بل تحرك البعض من الميليشيات المسلحة للواجهة واستخدامها مثلما حدث لانتفاضة تشرين وما نتج عن إرهاب الميليشيات التابعة من اعتداءات واغتيالات حتى تسنى لهذه القوى وميليشياتها تحييد الانتفاضة وحصرها وتفريقها إلى عدة أماكن، وعندما اشتد الضغط وتطور الاتجاه نحو الاستفادة من الانتخابات التشريعية الأخيرة وما لحق بها من خسائر للقوى المتنفذة وفوز الكتلة الصدرية بـ 73 مقعداً ودعوتها لحكومة الأغلبية السياسية حتى تصاعدة الخلافات واشتد الصراع بين الكتل الشيعية مما أدى تشكيل نوع من التحالف الشيعي اطلق عليه “الإطار التنسيقي” أنفرد بالساحة بعد أن استقالت الكتلة الصدرية من البرلمان فتسنى للإطار التنسيقي ( على ما يظهر أن المخطط نجح لإبقاء المحاصصة ) وكلف الإطار التنسيقي مرشح نوري المالكي محمد شياع السوداني بتشكيل الوزارة وهذا ما حصل، وعلى ما نعتقد أن المشكلة ليست في تشكيل حكومة إنما المشكلة أن الحكومة قامت على نهج المحاصصة الطائفية والحزبية وهذا مؤشر على بقاء المشاكل والصعوبات السياسية والاقتصادية والمعيشية على حالها، أما أزمة الدولار فلها تأثيراتها على الاقتصاد العراقي حيث تساهم شبكات التهريب بدور كبير لتهريب الدولار إلى إيران، واشار مستشاران لبنوك عراقية يحضران اجتماعات البنك المركزي طلبا عدم الكشف عن هويتهما ” إن إيران تتلقى حوالي 100 مليون دولار شهريا من تجار عراقيين” وفي هذا السياق أكد مسؤولون في إدارة رئيس الوزراء السوداني أن لديمهم ادلة دامغة ” على أن هناك مهربين يشترون كميات كبيرة من الدولارات من أسواق العملة في بغداد ويهربونها عبر المعابر الحدودية إلى إيران” اما إدارة شرطة الحدود العراقية في معبر الشلامجة قرب مدينة البصرة ” إن عشرات المهربين يشترون الدولارات من أسواق العملة في بغداد ويستخدمون حقائب مدرسية لنقلها قبل تعبئتها في سيارات رباعية الدفع إلى الحدود، تحت حماية حراس مسلحين” ومن حق شعبنا وقواه الوطنية ان يسألوا
ـــــ من هم هؤلاء المسلحين ولمن ينتمون؟ بالتأكيد ليسوا من المريخ ، وبالتأكيد هم معروفين
ومثلما أشرنا وأكد الكثيرون ستكون المصاعب والمشاكل بدون حلول صحيحة لأن حكومة محمد شياع السوداني قامت على أساس المصالح والتوافقات حول الحصص التي استحصلت بالنسبة للقوى السنية والقوى الشيعية والكرد وغيرهم ولهذا ينطلق المثل الشعبي على هذه الوضعية ” تيتي تيتي مثلما رحت جيتي “وأكد محمد اكرم ( سياسي مستقل) ” القوى السياسية المسيطرة على النظام السياسي منذ سنوات طوال المطالبة بالإيفاء بالتزاماتها امام الشعب كما شكلوا الحكومات وفق رغباتهم”
ـــــ فهل تستطيع حكومة التيار التنسيقي الإيفاء بالتزاماتها ؟ نعتقد أن ذلك لن يتحقق لأنه مبني على التمني كما قال المتنبي
“ مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ .. تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ”
ويرى نظير الكندوري الكاتب والمحلل السياسي أن برنامج حكومة محمد السوداني ” أقرب للأماني من كونه خطوات قابلة للتنفيذ” وهكذا وللمرة المليون تثبت الحياة والواقع الملموس في العراق ” أن حكومة المحاصصة ليس بإمكانها أن تنجح في تحقيق حاجات الشعب ومطالبه المشروعة ولن تستطيع مهما وعدت أن تنقل البلاد من واقعها المزري إلى واقع افضل تتحقق فيه العدالة الاجتماعية ومطالب الجماهير الشعبية التي أعلنت عنها في انتفاضة تشرين وما أكدت عليه القوى الوطنية والديمقراطية بضرورة التغيير وإنهاء نظام المحاصصة الطائفية البغيض لأنه كما أظهرت الاحداث أن المحاصصة امتدت اكثر وشملت المؤسسة العسكرية والأمنية ” الجيش ” وأشارت جريدة ( العالم الجديد المحلية ) أن ” الشهرين الماضيين شهدا تغييرات كثيرة في وزارة الدفاع، على مستوى القادة العسكريين، جميعها نفذت على أساس تقاسم الحصص بين الكتل السياسية” إذن ان القوى المتنفذة والميليشيات الشيعية المسلحة المختلفة تعشعش في عمق الدولة وهو ترابط من الصعب حله من قبل الإطار التنسيقي وحكومة السوداني التي لا يمكن أن تتخذ أي خطوة أو إجراء يكون بالضد من مصالحها السياسية وأهدافها الطائفية ولا يمكن أن تفعل أي شيء من أجل تقويض مكتسباتها وهيمنتها على الدولة، أما المطالب الملحة التي تتعلق بشؤون المواطن العراقي وظروفه المعيشية واوضاعه المأساوية فسوف تبقى كما هي وليس بمقدور أي طرف إيجاد حلول منطقية إلا الدولة وبخاصة اذا تحررت من المحاصصة وأصبحت دولة مدنية ديمقراطية، وكما أشار رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ” فطالما الدولة تمتلك الدولار فهي قادرة على الاستيراد، خاصة للمواد الاساسية التي تدخل ضمن استهلاك الأُسر ضعيفة الحال، وتعزز من جهة أخرى البطاقة التموينية ومفرداتها وتوفيرها”
امامنا النتائج المأساوية التي تسود الوضع العام والخاص في البلاد والتي تعود لنهج المحاصصة واستئثار القوى الطائفية المتنفذة وهي نتائج اذا استمرت ستكون اكثر دماراً وكارثية ستخلق بدل الازمة العديد من الازمات وعلى ما يبدو ان القوى الطائفية لا تعبأ بهذه الكارثة وهي مستمرة وتسابق الزمن للبقاء على هر م السلطة، من منطلق المسؤولية والحرص الوطني انطلق الحزب الشيوعي العراقي 21/11 / 2022″إن الازمات المتتالية المصاحبة لحكم منظومة المحاصصة تطحن شعبنا، ومعها ترتفع معدلات الفقر والبطالة والمرض، ويتواصل عجز المتنفذين عن إيجاد الحلول والمعالجات. وليس متوقعا اليوم، بعد تجربة حكمهم المستمرة طيلة 19 عاما”
ــــ نعم أكثر من 19 عاماً من سيء الى أسوأ ومن ازمة الى ازمة مستفحلة، لقد حان الوقت للخلاص من المحاصصة والتبعية واعتماد نهج الوطنية لإنقاذ العراق قبل فوات الأوان!