دائماً اسباب الفشل نكتشفها بعد الفشل وليس قبل او اثناء الفشل ، واحياناً نواجه صعوبات كبيرة كي نكتشف اسباب الفشل وقد تستغرق ايام واشهر وسنين ، وربما لم يعد معرفة اسباب الفشل ذا قيمة إذا كانت فرص النجاح قد انتهت ، ولكن بوجود العلم والبحوث العلمية المستمرة تغيرت الامور بنسبة كبيرة واصبح العلم يتدخل في كل شؤون الحياة اصبح العلم قادراً ان يساعدنا على أكتشاف بعض اسباب الفشل قبل وقوع الفشل فتعطينا هذه المعرفة فرص اكبر للنجاح و للنجاة ، وضع الخطوات واللمسات الصحيحة تتبعها الجدية والحرص ومن ثم الاصرار تجعلك تقطع نصف المسافة للنجاح وتجنب الفشل او السقوط ، وكلنا يعرف مبدأ الوقاية خير من العلاج ، والوقاية بمعنى تجنب الفشل الصحي وغير الصحي مقدماً ، مثلا التحليلات الطبية المبكرة تكشف عن الكثير من الامراض المتوقعة قبل وقوعها او بداية حدوثها ، وكذلك الخبير في مجال معين يستطيع معرفة نسبة احتمال الفشل عند احد العاملين في نفس المجال ، المدرس الذكي يستطيع تحديد الطالب الذي سيفشل والذي سينجح ، بعض اصحاب الخبرة يستطيعون تحديد احتمالية كبيرة لعطلات المركبات او اجزاء من المركبة قبل حدوث العطل ، تجارب الحياة والدراسات العلمية مكنت الإنسان من كشف اسباب الفشل قبل وقوع الفشل بفضل المعرفة من خلال تدوين ودراسة حالات الفشل السابقة وتعميمها ثم ادخالها في المناهج الدراسية او التدريبية كل حسب الاختصاص ، لذلك فأن خريج هذه الدراسات تصبح عقليته علمية اي لا يفعل شيء الا ضمن المقاييس العلمية المعمولة بها كي يقلل من احتماليات الفشل ويزيد من احتمالية النجاح ، هذا الاسلوب التربوي يتم زراعته في عقول الاطفال منذ المراحل الابتدائية اي ان يكون عقل الطفل علمي في المجتمعات التي تتطلع لمستقبل مشرق ، لكن للأسف في مجتمعاتنا التي مازالت نائمة مازلنا نرفض الاستنتاجات المبكرة وكشف مكامن الفشل المحتمل بل ننتظر ان يقع الفأس على الرأس بعدها نبحث عن اسباب الفشل لأن الكشف المبكر يعني الكشف عن الغيب حسب التصورات الموروثة في ثقافتنا وعاداتنا . . . بعض انواع الفشل يصعب كشفها مهما ازدادت الخبرة والمعرفة الا بعد وقوع الفشل وهذه اضحت حالات قليلة جداً مقارنة مع الحالات التي يتم فيها ايجاد اسباب الفشل قبل حدوث الفشل . . . العلم يسعى دائماً عن الكشف المبكر لكل انواع الفشل المحتمل وفي جميع المجالات العلمية والرياضية والفنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها ، لذلك تجد المجتمعات التي حازت على قدر أكبر من التفكير العلمي حازت على مكانة مرموقة عالمياً علمياً ورياضياً و عسكرياً واقتصادياً وغيرها بفضل هذا الفارق الذي لا نعير له نحن أهمية كبيرة وشعارنا الدائم ( ذبها على الله ) وكأنما الله يمنعك ان ( تذبها) على العلم . لذلك فحياتنا في كل شيء عبارة عن تجارب تصيب و تخيب ، طبعاً نتائج التجارب لا ندونها ولا نحتفظ بها للمراجعة وهذا الشيء واضح من خلال اعادة نفس الاخطاء في حياتنا السياسية بالخصوص والاجتماعية والرياضية والتاريخية وغيرها . واذا حاججنا بها احد سنضطر ان نُدّخل الدين والمذهب والعادات والتقاليد والعشائر وندخل الخطباء والعلماء واخيراً ندخل العنف والقوة لأن هذا هو مدى معرفتنا ، نفعل كل ذلك لكي لا نمنع الوقوع بنفس الخطأ ولا نمنع الفشل ، لأن الفشل هو جزء مهم من ديمومة الحياة بالنسبة لمجتمعاتنا فلا يصح ان نحاربه او نكشفه قبل حدوثه .
انا استغرب عندما اسمع احدنا يتحدث عن تأريخنا العريق الذي يُقدّر عمره بالاف السنين ، طيب اين ذهبت نتائج الكشف عن اسباب المئات من حالات الفشل التي مررنا بها في تأريخنا الطويل؟ اتدرون لو كنا ندون ونوثق كل حالات الفشل التي حدثت في تأريخنا و نعممها ونورثها للأجيال جيل بعد جيل لكنا الان ارقى الامم ، ، من العار ان نتحدث عن تأريخنا العريق ونحن عاجزون ان ندون اسباب فشل واحدة في التأريخ ونستفيد من نتائجها ، هذا يعني ان عمرنا الحضاري الحقيقي ليس الاف السنين بل نحن لم نولد بعد ، مازلنا في الاصلاب ! مازلنا نطفة بالقياسات الحضارية ، اينما تُدير وجهك تراها ( سودة مصخمة ) لا نحتفظ بنتائج الفشل بل نستحي ان ندونها فالحياء عندنا يشمل العلم ولا يشمل المصائب ، فالمصائب بما حوت نترك لها حيز في عقولنا ونتمتع بأستذكارها ولا نريدها ان تفارق مخيلتنا ، وكذلك نستذكر بكل دقة ما قاله فلان وذكره فلان ورواه فلان ، فمكتباتنا بهم عامرة وحديثنا بهم مفخرة ، لأن هذا مانحتاجه للفتنة والقتل والفوضى ، بينما نتائج واسباب الفشل لا نحتاجها لأنها تقضي على الفتنة والفوضى وتبني لنا الإنسان الصحيح وهذا محرم علينا . . . تعالوا أبين لكم اين تكمن العلة .. كل فرد فينا يتعرض للفشل في حياته ، المجتمع معرض للفشل وكذلك السياسي والرياضي وحتى العالم ولكن العقلاء يكتسبون الخبرة من الفشل فتخزنها ذاكرتهم والاغبياء لا يستطيعون كسب الخبرة ولا الحفظ والتذكر ، وبما ان العقلاء هم الاقلية في جميع المجتمعات فيعمل هؤلاء العقلاء القليلون على تدوين نتاجات الفشل واسباب الفشل وافضل الحلول التي توصلوا اليها لكي لا يتكرر الفشل فلكل حالة يتم اختيار الحل الامثل وتدوينه وهكذا يتناقل الناس الخبرة ويبدأ التعلم وانتشار المعرفة ، هذا الكلام غير موجود في شخصيتنا التأريخية ولا الحالية والا لما وصلنا الى أسوأ مرحلة وكأننا تحت الصفر ، هذه واحدة من مشاكلنا المتوارثة وغيرها العشرات فهل تظنون تسلّق العلا ضربة حظ ؟
احببت ان اذكر واحدة من تجاربنا المعاصرة وهو دليل على عدم الاستفادة من الفشل ولا من نتائج الفشل لكي لا نقارن انفسنا مستقبلاً مع المجتمعات التي تفوقت علينا ، وهذه التجربة تبدأ عندما تسابقنا لانتخاب رئيس حكومة وحكومة لقيادتنا في البلد من كوكتيل الاحزاب الاسلامية او القومية او المذهبية او اي تسمية تريدها فأكتشفنا فيما بعد ان هذا الشخص الذي انتخبناه بعد ان رشحه حزبه المناضل ، ان هذا الشخص لص ماكر مجرم مخادع قذر ، وهو فاشل حد العظم ، إذاً اسباب الفشل التي اصابت حكومتنا تبدأ من هذا الحزب الذي رشح لنا احد ابرز شخصياته ، هذا الحزب الذي اختار لنا افضل شخصية في الحزب ، ونحن نكن كل الحب لهذا الحزب ، وهذه الشخصية ظهر معدنها الحقيقي اثناء وجودها في الحكم فهو بالحقيقة أسوأ إنسان ، فهل نحتاج ان نجرب شخص اخر من نفس الحزب ؟ اكيد لا عقلاً ، فالواقع اثبت ان افضل شخص في هذا الحزب هو سيء جداً فكيف يكون الاعضاء الاخرون ؟ ، ولكن عندنا نعم والدليل وجود هذه الاحزاب التي زودتنا بأقذر النماذج مازالت تسرح وتمرح وتتسلط وقياداتنا الدينية والعشائرية والسياسية تطالبنا ان نجرب غيرهم ولكن من نفس الاحزاب ، اما مفهوم المجرب لا يجرب لا يشمل الحزب بل يشمل ذات الفرد الذي يبقى حراً طليقاً بعد خراب البلاد . اي بمعنى ان المجرب لا يجرب اعطى الحياة لهذه الاحزاب بتزويدنا بعناصر فاسدة لتستمر حياتنا بهذا الشكل . هذا هو واقعنا بأختصار ، فلا نلومن اجدادنا انهم فشلوا ولم يدونوا او يوثقوا اسباب فشلهم لأننا وفي عصر العلم نفعل الاسوأ .