لو يعلم الإنسان ان جميع الصفات السلوكية التي يحملها هي صفات مكتسبة من عالم الحيوانات ، تلك الكائنات التي هي اقل مرتبة من الإنسان ولكن بحكم التلاقي لمدد زمنية تجاوزت الملايين من السنين انتقلت الصفات الحيوانية الى الإنسان بشكل مقصود او غير مقصود ، فهذا الإنسان الذي يشعر بالزهو والعظمة لكنه لو راقب بعض سلوكيات الحيوانات لوصلت قناعاته بأن الإنسان كائن مكتسب للصفات وليست هذه الصفات التي يحملها من تركيبته الطبيعية ، وعندها سيدرك انه من المخجل ان يتكابر ويتعاظم في سلوكه الاجتماعي الذي هو بالاساس تقليد حيواني ولما عرف بعدها التكبر والغرور ولما عرف الظلم ولما عرف العدوانية . فلننظر الى بعض من هذه الصفات المكتسبة .
فمنهم من يلدغك إذا أقتربت منه فهو مكتسب هذه الصفة من الافاعي ولدغته أسوأ من لدغة الافاعي ولكن لدغات الإنسان لا تترك جروحاً في الجسد وانما جروحها بالنفس ، ، ومنهم من يتودد اليك فهو مكتسب هذه الصفة من نعومة القطط و توددها الى الإنسان ، ، ومنهم من يحمل الوفاء معه ولا يؤذيك فهو مكتسب هذه الصفة من الكلاب وما أجمل الكلاب التي رافقت حياة الإنسان بوفاء مثالي لا يمكن تقليده ، ، ومنهم من يتحمل ازعاجات الناس وعدوانيتهم فهو مكتسب صفة التحمل من الحمير ، هذه الحيوانات الخادمة والطيعة للإنسان في جميع الظروف ، ، ومنهم من يسعدك و يسليك فهو مكتسب هذه الصفة من البلابل والطيور التي بتغريداتها تبعث السعادة في النفوس ، ، ومنهم من ينهش لحمك وانت حي ترزق ولكنه يفعله بغيابك فهو مكتسب هذه الصفة من الضباع التي تنهش لحوم الحيوانات الحية ، تنهشها وتستمتع بصريخ الفريسة من شدة الالم ، ، ومنهم من إذا عضك عضة واحدة تنهيك عضته فهو مكتسب هذه الصفة من الاسود ، ، ومنهم من يغدر بك وغدره يأتي مع ظلام الليل فهو مكتسب هذه الصفة من الذئاب ، ، ومنهم من ينطحك إذا أذيته فهو مكتسب هذه الصفة من الثيران ، ، ومنهم من هو إنسان مسالم غير عدواني لا تتوقع منه الشر فهو مكتسب هذه الصفة من النعاج ، ، ومنهم من يسبب لك الإزعاج فهو مكتسب هذه الصفة من الحشرات ، ، ومنهم من يقلد غيره بالسلوك والافعال فهو مكتسب هذه الصفة من الببغاء ، ، ومنهم من طبعه الهدوء والبطء فهو مكتسب هذه الصفة من السلحفاة ، ، كثير من الحيوانات تحمل معها السم للدفاع عن نفسها وكثير من الناس يحملون السم في ألسنتهم وفي نظراتهم وفي سلوكهم ولكن ليس للدفاع عن النفس بل لإيذاء الاخرين ، ، فلا نستغرب من هذه المقارنات لأننا أمم متعايشة سوية على الارض والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يكتسب الصفات السلوكية من الكائنات الاخرى بحكم التجاور لملايين السنين ، ولكن جميع اصناف الحيوانات لا يمكن ان تقلد بعضها بعضاً ولا تكتسب الصفات من البعض الاخر ، فلكل صنف خصوصياته التي لا يمكن تقليدها ، اما الإنسان بالرغم من خصوصياته فإنه قادر على تقليد غيره وقادر على الابداع في التقليد ، ورغم تشابه البشر فأن البشر أنقسموا الى أمم مختلفة في كل شيء بينما الحيونات كل صنف تقريباً امة قائمة بذاتها تصديقاً لقوله تعالى ( وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ) ولا ننسى الحيوانات هي المعلم الاول للإنسان عندما جاء الغراب ليعلم الإنسان كيف يدفن اخيه الميت في قصة هابيل وقابيل الواردة في الكتب السماوية . . التعلم وكسب الصفات من الحيوانات والنباتات وحتى الاحجار ومن الطبيعة لا تحط من قيمة الإنسان لو عرف بدايتها الحقيقية ، فنحن اليوم نتناول بعض العقاقير المستخرجة من فضلات الحيوانات ، فهذه هي الطبيعة تكمل بعضها بعضاً ، ولكن العيب ان يتكابر الإنسان على هذه الحقائق ويعطي لنفسه العظمة والمزايا على حساب أخيه الإنسان دون وجه حق ، فالبعض يدعي سيادته بالانتماء والنسب العائلي والمكانة على الناس ، وبعضهم يسخر من الاصناف البشرية والعرقية واللون ويعطي لنفسه العلو والزهو وقد تكون صفاته المكتسبة التي تلبست به قد جاءت من اقذر الحيوانات واكثرها نتانة .
الإنسان هو الكائن الوحيد بين الكائنات الموجودة على سطح الارض يستطيع ان يجمع التناقضات السلوكية ويكتسب الصفات المتناقضة دون ان تكن احداها على حساب الاخرى ، فيستطيع ان يتعامل بوجوه مختلفة حسب الظروف ، فهو تارة شديد العقاب وتارة غفور رحيم وتارة مارد عملاق وتارة مسكين يرجو العطف . لذلك فإن الإنسان هو الكائن الوحيد بحاجة الى التهذيب والتعديل في السلوك او ما يسمى بالتربية لئلا تتحكم به العواطف او الانحرافات او النوازع الداخلية فيسبب الويلات والمصائب للناس لأن اي سوء يتلبس به الإنسان اول ما ينعكس على اخيه الإنسان قبل ان ينعكس على باقي الكائنات !