حان الوقت لكشف الحقائق :- بقلم ( كامل سلمان )

وانا اتطلع الى المجتمعات الهندية ، اشاهد اطفال يفترشون الشوارع ، نساء يستجدن من المارة ، علامات البؤس والحرمان واضحة على وجوه الغالبية من هذا المجتمع ، هذا المجتمع الذي يمتلك حضارة عريقة تمتد لألاف السنين كما يقولون ، فهل هذه الحضارة كانت حضارة الملوك والسلاطين فقط ؟ ولم يكن للشعوب الا بقاء الحال كما هو عليه ، فما نراه على الارض هو واقع المجتمع الهندي منذ القدم ولا أظن ان المجتمع الهندي قبل مئات السنين كان افضل حالاً مما عليه الان ولا أظن ان الحضارات الهندية كانت حضارات الشعوب بل كانت حضارات الحكام والملوك حالها حال حضارات الامم الاخرى ، وبالمقابل اتطلع الى المجتمعات الغربية والامريكية والاسترالية والكندية التي لا تمتلك حضارة وتأريخ كتلك التي عند المجتمعات الهندية ، اشاهد كل شيء مختلف ، اشاهد التطور واشاهد الراحة والصحة والامان ورغد العيش والاطفال كالملائكة في معيشتهم ، وكأنما هؤلاء من كوكب وهؤلاء من كوكب أخر ، وهذه المقارنة لا تسلم منها مجتمعاتنا الاسلامية والعربية والمجتمعات الافريقية والاسيوية وغيرها … حاولت ان اعرف الاسباب الرئيسية التي جعلت هذا الفارق الكبير بين مجتمعات أعطت القدسية للطفل ومجتمعات اعطت البؤس للطفل ، مجتمعات كل يوم تتطور ومجتمعات كل يوم تتراجع ، مجتمعات لا تعرف من حياتها غير البكاء والحزن والالم والمصائب ومجتمعات تضحك للدنيا والدنيا تضحك لها .. لو عدنا تأريخياً الى الوراء لوجدنا هذه المجتمعات الراقية حالياً وأقصد هنا المجتمعات الغربية لم تكن أحسن حالاً من مجتمعات البؤس والحرمان وأقصد هنا المجتمعات الهندية والافريقية والاسلامية وغيرها ولكنها تغيرت بشكل جذري وكذلك لوجدنا مجتمعات البؤس الهندية والعربية والاسلامية في السابق لم تكن أحسن حالاً من وضعها الحالي اي انها لم تتغير وحافظت على بدائيتها رغم ان ما تتناقله كتب التأريخ عن ازدهارها في السابق وهذه كذبة لأن كتب التأريخ فقط تتحدث عن الازدهار في نظام الحكم ولم تتحدث عن اي ازدهار مجتمعي ، فمثلاً اين المدارس والمستشفيات والصناعات والجامعات والاسواق واين اثارها في العهد العثماني في داخل الامبراطورية العثمانية وماهو اوجه التطور في الدولة العباسية والدولة الاموية والدولة الصفوية ، مجرد جيوش تحتل وتعتدي وتسبي النساء ونحن نسميها اليوم عصر الازدهار ، وهذا يدحض الرأي القائل انها مجتمعات كانت متطورة فهي اصلاً لم تكن شيء يذكر سوى حكام وسلاطين بسطوا نفوذهم فسميت حضارات ، بمعنى ان هناك مجتمعات تغيرت ومجتمعات لم تتغير وهذه هي أصل العلة ، لماذا وكيف استطاعت تلك المجتمعات ان تتغير نحو الأحسن ولماذا عجزت مجتمعات أخرى عن التطور نحو الأحسن ؟ فإذا ما أكتشفنا بعض الأسباب التي تمس العقول او المعتقدات او العادات او الدين علينا ان لا نتردد بالاعتراف بأننا بالاساس كنا متخلفين ومازلنا لعلنا نتغير أسوة بالذين تغيروا نحو الاحسن ، هل عقليات افراد مجتمعاتنا اقل شأناً من عقليات افراد المجتمع الغربي ؟ الجواب اكيد لا ، والدليل ان معظم الكوادر العلمية والتقنية والرياضية والادبية والفنية الموجودة في المجتمعات الغربية والتي تقود الحياة هناك هي من اصول هندية او افريقية او شرق اوسطية . وهذا يعني ان العقل يمكن تفعيله عندما تتوفر الاجواء المناسبة وللأسف الاجواء المناسبة غير متوفرة عندنا ، الطفل في المجتمعات الغربية كائن مقدس والطفل في مجتمعاتنا كائن مهان ، ، المقارنة شيء صعب بين الطفل هنا وهناك وبين المرأة هنا وهناك وبين الحياة والقوانين وحتى وضع الحيوانات هنا وهناك ، كل هذه الاختلافات خلقت الفارق الكبير ولكن السبب الرئيس لهذا الفارق يبقى هو الاخر مخفي لأن هذا السبب مرتبط بالشجاعة ومرتبط بالعواطف ومرتبط بالتحدي ومرتبط بالمعتقدات ، منهجية المجتمعات الغربية التعليمية والمدرسية والأسرية وفي العمل وفي الرياضة والعلم والفن والادب هو ان تتحرر من كل ما مضى بعد ان تستفيد بأقصى حد من كل ما مضى ، وهذا الشيء عندنا تماماً بالعكس ، فنحن نرفض ان نتحرر من كل ما مضى ولا نستطيع ان نستفيد من كل ما مضى ، والسبب ليس لأننا عاجزون ان نكون مثل هؤلاء نتحرر ونستفيد من كل ما مضى فذلك مرتبط كما قلت بالشجاعة والعاطفة والتحدي والمعتقد والعادات ، فأنت لا تستطيع ان تتحرر من كابوس الماضي مالم تكن لديك إرادة وقدرة السيطرة على العواطف وشجاعة لمواجهة الواقع ، في مجتمعاتنا قوى خفية تمتلك القوة والسيطرة والدهاء والعدة والعدد ترفض اي تغيير لأنها لو انصاعت لإرادة التغيير سينتهي وجودها وبكل صراحة هذه القوى هي قوى عشائرية وقوى دينية وقوى اقطاعية جثمت على صدور المجتمعات لألاف السنين ولا يمكن ازالتها ، والسؤال الذي يفرض نفسه ألم تكن تلك المجتمعات الغربية تمتلك نفس هذه القوى التي موجودة عندنا الآن ؟ فكيف تخلصت منها ؟ الجواب بكل بساطة في مرحلة القرون الوسطى واثناء الثورة الصناعية برز في المجتمعات الغربية عدد من المفكرين الكبار الذين هم اكبر من زمانهم علماً وقدرة وكأنهم انبياء لهذا الزمان واستطاع هؤلاء المفكرين الكبار من حصر العلة كلها في بؤرة واحدة الا وهي الكنيسة ورجال الكنيسة ، فعملوا على اخراج دور الكنيسة من حياة المجتمع فأوجدوا مفهوم عزل الدين عن الدولة وعندما تم تطبيق هذا المفهوم تلاشت دور قوى الاقطاع والعشائر والمشعوذين فتبين لاحقاً ان جميع هذه القوى المؤثرة سلبياً على حياة المجتمع كانت تحتمي بالكنيسة ورجال الكنيسة ، فمع عزل الكنيسة ورجال الكنيسة جفت منابع التخلف و انفجرت الحياة للثقافة وللعلم ولجميع المعارف فكل شيء بدأ يتغير بشكل مذهل فكانت النتيجة هذا الفارق الكبير الذي نلاحظه ونتحسسه ونتحسر عليه في كل لحظة . هذه هي الحقيقة التي نحاول ان نتجاهلها لأنها موسومة في انفسنا بأنها خط أحمر ويجب ان يقتل كل من سولت له نفسه ان يمس الخط الاحمر مهما كان شكله او عنوانه .
الغربيين عندما ينظرون الى تخلفنا يعرفون العلة اين ويعرفون الاسباب الحقيقية لتخلفنا ، فهم يرونها رؤيا العين ، فهم لا يريدون مجتمعاتنا ان تصبح مثلهم الا اذا مجتمعاتنا قررت ذلك ، فقد تركوا القرار لنا ، لذلك فهم لا يمنعون من تدخل الدين في الدولة في مجتمعاتنا لأن ذلك يعطي انسيابية لبقاء المجتمع متخلف ، فهم يعتقدون اننا راضون بما نعيش ولا نرغب التغيير ، فلا يهمهم حالنا طالما نحن لا نمتلك الارادة للتغيير ، الغربيون يعتقدون ان تجربتهم المريرة امامنا واضحة فلماذا لا نستفيد منها وهذا عيب كبير نخشى البوح به ، فالحال سيبقى كما هو لأنهم دائماً يقولون : ( من اعطانا الارادة والقوة والشجاعة والعواطف الايجابية لنقرر حياتنا هي عقولنا ) ألم نكن نحن من قرر ذلك ؟، فلماذا لا تمتلكون تلك الشجاعة والارادة ؟ التغيير لا يأتي من الخارج ، تغيير العقول والرغبة في العيش الكريم تخلق الارادة الصادقة وهذا فعلاً ينقصنا . ..
ستبقى صورة الافلام الهندية في مخيلتنا وتبقى الحقائق مخفية ويبقى الخوف مصاحبنا والندم ديدننا .