في احدى حلقات المسلسل التلفزيوني الشهير ( تحت موس الحلاق )الذي كان يعرض في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، يدخل المعلم الى الصف ويجد الفوضى ، فيطلب المعلم من مراقب الصف اسماء التلاميذ الذين سببوا كل هذه الفوضى في مدرسة محو الامية للكبار ، فيقوم الطالب المراقب بتقديم اسم ( عبوسي ) كسبب رئيس للفوضى والعبث وخراب الصف الدراسي ، فهنا يتعجب المعلم من ان سبب كل هذه الفوضى هو شخص واحد اسمه عبوسي ، والاغرب من ذلك ان عبوسي لم يكن حاضراً الى الصف في ذلك اليوم ، وهكذا يعيد التأريخ نفسه ، مشاكل العراق وسبب تأخره وسبب هبوط الدينار العراقي وسبب السرقات المليارديرية وسبب سوء الخدمات تتحملها مجموعة اشخاص ذات المحتوى الهابط في طروحاتهم على وسائل التواصل ، تم القبض عليهم ومن حقنا كعراقيين ان نحتفل ونرقص للصبح بعد ان عانينا سنين عجاف لنصل الى اللغز المحير ، وستكون الايام القادمة فاتحة خير بهذا التحول التأريخي ، فهؤلاء اصحاب المحتوى الهابط سينالون الجزاء العادل لما سببوا من دمار وتخلف للعراق ، ومن حق المحكمة الاتحادية ان تتقبل دعاوى كل العراقيين الذين اصابهم الظلم والجور والحيف خلال العشرين سنة الماضية من هؤلاء المجرمين .
لم يكن يتصور احدنا ان هذه الاسماء المغمورة النكرة قادرة على تدمير بلد بحجم العراق ، وقد تكون هذه الاسماء اصحاب المحتوى الهابط وراء سقوط الموصل او وراء جفاف نهري دجلة والفرات ، او وراء الاقتتال العشائري في الجنوب . واكيد سيعترفون امام الادلة الدامغة بتهريب المخدرات والكريستال ، وسيعترفون بأذن الله عن القاتل الحقيقي لثوار تشرين … كم هي فرحتنا ان نرى هذا الانتصار التأريخي ، ، ، مشاكل وخراب العراق يتحملها عبوسي وحده رغم ان عبوسي لم يحضر الدرس . . .
مجموعة اسماء لم أكن لأسمع بها من قبل ولم اكن اعرفها من قبل استطاعت ان تخترق الحجب وتتحمل مسؤولية مشاكل دولة ومجتمع وربما مشاكل دول اقليمية . .
ان لعبة ابو طبر ولعبة عدنان القيسي ولعبة الحنطة المسمومة نفسها تعاد علينا ولكن بأسلوب حضاري . الحكومة القديمة او ما كانت تسمى بالدكتاتورية كانت تبحث عن كل ما تستطيع من خلاله نشر الاعذار لفشلها او تحويل الانتباه لسياساتها او لمشاغلة الناس مع تحريك للغيرة العراقية خاصة ان كان الموضوع يخص خدش الحياء وخدش الذوق العام كانت تلتجأ الى هذه الاساليب . . وقد لا يتذكر معظم العراقيون شرطة الاداب في سبعينيات القرن الماضي التي كانت تنزل الى الشوارع لتحاسب الشابات والشباب الذين يرتدون الزي المتداول لذلك الزمان وذلك الجيل ويفعلون بهم ما يثير السخرية حفاظاً على الذوق العام واحتراماً للعائلة العراقية كما كانوا يدعون ويدعي وزيرهم انذاك صالح مهدي عماش .
انا لست مدافعا عن اي شيء سيء ولا راغباً به ، ولكنني ارى ان تحميل مجموعة من المنحرفين او الفاشلين مسؤولية مشاكل مجتمع كبير فهذا عيب أكبر يجب تصحيحه ، لأن معظم مواقع التواصل بكل مسمياتها هي ولدت هابطة وستبقى هابطة بل وتهبط اكثر ، وهي بالمئات ولا يتابعها الا من كان عاطلاً عن العمل او اصحاب الفراغ الكبير ، او الفاشلين ، وهؤلاء سيجدون ضالتهم في مواقع اخرى وهي كما قلنا مواقع كثيرة في انحاء العالم وخاصة في الوطن العربي . إذاً ماهو العذر القانوني لمقاضاة مثل هؤلاء الهابطين اساساً ؟ اغلقوا القنوات التي تروج لهم وانتهى الموضوع . وكذلك من حق العائلة العراقية ان تقاضي الدولة على قنوات ومواقع تبث الفتنة الطائفية والتفرقة العنصرية فهذه مضرتها وسلبياتها على العائلة العراقية اشد وقعاً من تلك الهابطة اجتماعياً واخلاقياً ، فما هو الفرق بين الهابط اخلاقياً والهابط اجتماعياً والهابط فكرياً والهابط سلوكياً ، فكل هذه المحتويات تؤدي الى نتيجة واحدة هي هبوط في شخصية الإنسان المحترم .
الا ترون مثل هذه المهاترات الحكومية والشعبية الكبيرة مع نفر من التعبانين نفسياً واخلاقياً ولا قيمة لهم عند الطبقة المحترمة من المجتمع ، لا يمكن حدوثه في بلد محترم وشعب محترم كالعراق ، تعطوهم الحرية ثم تمنعونها منهم ، تروجون لهم ثم تتبرون منهم ، تعظمون من شأنهم ثم تشمتون بهم ! مالكم كيف تحكمون ! ما علاقة الدولة بهؤلاء وما علاقة الدولة بمواقع التواصل ، مواقع التواصل اصبحت كسوق الهرج كل شخص يعرض فيه بضاعته بما يشاء وكيفما يشاء وهي بالاساس تابعة لجهات لها قوة مالية واعلامية كبيرة جداً وتسكن في دول كبيرة و تسندهم مؤسسات دولية معتبرة رسمت لهم الحرية ويعرفون القانون جيداً . لا يمكن ان نتصور دولة بمؤسساتها تنزل الى هذا المستوى وكأن مشاكلها انتهت ولم يتبقى الا الفلان الهابط وغيره .