الإنتخابات التركية بين أمال اردوغان وطموحات المعارضة – بيار روباري

 

لم يعد يفصل بيننا وبين موعد الإنتخابات العامة التركية (البرلمانية والرئاسية) سوى شهر واحد، ولهذا

نرى المنافسة بين الفريقن فريق اردوغان والمتحالفين معه، وفريق كمال كليجدار أوغلو والمتحالفين معه على أشده، ويمكن القول بأن المنافسة بينهما هي الأشد والأشرس من نوعها في تاريخ الإنتخابات التركية هذا الكيان المصطنع واللقيط.

لماذا إنتخابات تركيا القادمة التي ستجرى في (14) أيار القادم مهمة لنا كشعب كردي ودول الإقليم والعالم؟؟

إن أهمية الإنتخابات القادمة في تركيا ينبع أهميتها بالنسبة للشعب الكردي، من تأثير هذه الدولة السلبي على القضية الكردية سواءً على الصعيد الداخلي التركي أو على غرب كردستان وجنوبها وأيضآ على الصعيد العالمي حيث تمنع الدول الأخرى من قبول دولة كردية وتحاول منعهم من التعامل المباشر مع الشعب الكردي وممثليه.

وبالنسبة للغرب الإنتخابات مهمة، نظرآ لكون تركيا دولة في الناتو ولها ثقل إقليمي وخاصة في الواضع الراهن بسبب حرب الروس على اوكرانيا ودور تركيا التخريبي في كل من سوريا، ليبيا، القوقاز جنوب كردستان وإبتزاز الأوروبيين بقضية اللاجئين السوريين، ولولا ذلك لما إلتفت أحد إلى صحنة المجرم اردوغان وعصابته.

وللمعلومات إن اردوغان قانونيآ لا يحق له الترشح للإنتخابات بعد أن تولى منصب الرئاسة مرتين وعدم إمتلالكه شهادة جامعية، ولكن لجنة الإنتخابات التي عينها هو بنفسه، دسات على القانون وأبوه وسمحت للطاغية بالترشح للمرة الثالثة لمنصب رئيس الجمهورية!!! تركيا في عهد العاهرة اردوغان تحولت إلى مزرعة خاصة قولآ وفعلآ على الطريقة البرزانية النقشبندية والأسدية الجملوكية. كان لا بد من ذكر ذلك قبل أن ندخل في صلب الموضوع كخلفية للموضوع.

في الواقع الصراع بين الطرفين يدور حاليآ على كسب الأصوات المستقلة والصوت الكردي وكسب ود الأحزاب الصغيرة، أي كلآ منهما يسعى إلى إستمالة هذه الأصوات إلى طرفه وتخطي عتبة (50%) من الجولة الأولى. لأن القانون الإنتخابي التركي ينص على أن المرشح الرئاسي، الذي يحصل على نسبة (51%) من الجولة الأولى يفوز بالمنصب ومن هنا هذا التنافس الشرس، الذي يستخدم فيه كل الأسلحة الوسخة. وأردوغان يعلم أن الذهاب للجولة الثانية ليست في مصلحته لعلمه بأن الناخب الكردي سيرجح كفة المعارضة والمرشح “كمال كليجدار أوغلو” ليس حبآ فيه ولا بحزبه الكمالي العفن، ولا موقفه من قضية الشعب الكردي، الذي لا يختلف عن موقف الطاغية اردوغان مع العلم أن “أوغلو” كردي علوي ولكنه باع نفسه هذا الرخيص للتتار مقابل المال والجاه مثله مثل المقبور عصمت إينونو زميل أتاتورك.

السؤال الهام الذي يشغل المراقبين والمحللين هو التالي:

هل يتخطى اردوغان عتبة (50%) من الجولة ويستمر في الحكم (5) سنوات أخرى؟

للإجابة على هذا التساؤل علينا أن نحدد التحديات التي يواجها حزب العدالة والتنمية ومعه اردغان وبناءً عليه يمكن تقدير الإجابة على هذا التساؤل. هناك تحديات كثيرة يواجهها حزب العدالة وزعيمه ومن هذه التحديات:

أولآ، الفساد والإستبداد الذي طغى على حكم اردوغان:

بسبب طول المدة التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية، إنتشر الفساد والمحسوبية في صفوفه ودوائر الدولة ومؤسساتها بشكل رهيب وشمل كبار قادة الحزب وعلى رأسهم اروغان نفسه وأفراد عائلته. وثانيآ تركيز اردغان كافة السلطات في يديه، بعد تحويل نظام الحكم إلى نظام رئاسي، وشن عملة أمنية شرسة ضد كل معارضيه السياسيين ومن كافة التوجهات وفي مقدمتهم المعارضين الكرد وجماعة فتح الله غولن والمثقفين والكتاب والصحفيين المستقلين. وهذا ولد غضبآ كبير في نفوس المواطنين، وهذا سيكون له برأي تكلفة إنتخابية دون شك.

ثانيآ، الأوضاع الإقتصادية المزرية والتضخم الهائل وتدني سعر الليرة:

لا يخفى على أحد الوضع الإقتصادي المزري في تركيا وموجة الغلاء التي تجتاح البلاد، وحالة التضخم التي يعاني منها الإقتصاد التركي الذي تعدى نسبة (60%) بحسب الإحصائيات الرسمية، وتدهور سعر الليرة التركية التي وصلت إلى (22) ليرة مقابل الدولار الواحد، هذا بحسب السعر الرسمي في البنوك والمصارف التركية، فما بالكم في السوق الموازية (السوق السوداء). هذا أيضآ سيكون له ثمن برأي في صناديق الإقتراع بعد شهر، فالناس تنتخب وفق محفظتها وفرص العمل والسكن وأسعار المواد الغذائية ولا تنتخب الشعارات الطنانة المخادعة. والناس ملت لا بل قرفت اردوغان وتسلطه على رقاب الناس وأكاذيبه التي لا تنتهي بعد عشرين عامآ من حكم هذا الوغد.

ثالثآ، كارثة الزلزال:

إن تقاعس أجهزة اردوغان في تقديم يد المساعدة بشكل فوري للمنكوبين، وعدم تأمين مساكن للناجين لليوم وعدم تقديم مساعدات مالية لهم، وتساهل موظفي اردوغان مع أصحاب شركات البناء النصابين من حيث عدم الإلتزام بمعاير وشروط البناء الخاصة بالزالزل وفقدان أكثر من (50.000) خمسين الف إنسان حياتهم في الزلزال وجلهم من أبناء الشعب الكردي، سيكون له ثمن في صناديق الإقتراع دون شك في (14) من شهر أيار القادم.

رابعآ، أزمة اللاجئين السوريين:

رغم هرولة اردوغان نحو النظام الأسدي المجرم مثله، لإعطاء إنطباع أن أزمة اللاجئين السوريين في طريقها للحل، إلا أنه فشل في إقناع الشريحة التركية الرافضة للوجود السوري في تركيا، بغض النظر عن صوابية هذه النظرة من عدمها. كل هدف أردوغان كان ولا يزال هو سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة وبتقديري فشل في ذلك، وخاصة المجرم بشار رفض منح هذا الكرت لأردوغان الذي حاول تنصيب إخواني مكانه في قصر المهاجرين طوال عشرة سنوات الماضية.

خامسآ، الصوت الكردي:

بسبب تحالف اردوغان مع الحركة القومية الفاشية (م ه ب) والمجازر التي إرتكبها بحق الشعب الكردي فغرب كردستان وإحتلاله خمسة مناطق كردية، وسجن القيادات الكردية الرئيسية في شمال كردستان، تدنت شعبية اردوغان في صفوف الكرد المتأسلمين، إضافة لإنهيار الآمال التي كانت معقودة على عملية السلام لحل القضية الكردية التي أطلقها أردوغان في الفترة (2013-2015)، كل ذلك أدى إلى إنفضاض نسبة كبيرة من الناخبين الكرد عنه وعن حزبه المجرم.

وكل هذا ترافق مع ظهور ملامح تفاهم بين حزب الشعوب الديمقراطية وحزب الشعب الجمهوري، لهذا يحاول اردوغان وبكل السبل والأساليب القذرة إضعاف هذا التحالف الناشئ من خلال:

1-  الربط بين حزب الشعوب الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيآ في تركيا.

2-  التحالف مع حزب “الهدى بار” الكردي ذو التوجه الإسلامي والذي تتراوح نسبة أصواته ما بين (1.5-2%).

3- ترشيح اردوغان شخصيات ذات تأثير كردية على لائحة حزبه للبرلمان، للحصول على نتائج أفضل في أوساط الشعب الكردي، والتقليل من حصة حزب الشعوب الديمقراطية.

سادسآ، العلاقات مع أمريكا والإتحاد الأوروبي:

لا يخفى على أحد الخلافات العميقة بين اردوغان والولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي وخاصة الغربية منها، بسبب سياسات اردوغات العدوانية ضد الشعب الكردي في غرب كردستان وقوات قسد والقوات الأمريكية المتواجدة هناك. وأخرها قصف مواقع للجيش الأمريكي بمنطقة شرق الفرات ولكن دون إحداث إصابات مباشرة بهدف تخويف الأمريكان والضغط عليهم. وثانيآ عملية إستهداف قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال “مظلوم عبدي” في مطار السليمانية الدولي برفقة ضباط أمريكيين!!!

هذا إضافة إلى تحالف اردوغان مع بوتين وخامنئي ووقوفه ضد المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة وتهديد اليونان وتعريض أمن المنطقة للخطر.

والكل يتذكر علاقته المتوترة مع مصر، السعودية، اسرائيل، اليونان، الشعب الكردي، الإمارات، الكويت والبحرين وتدخله في الشأن الليبي، ودعمه المستمرللتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش، جبهة النصرة والإخوان المسلمين، والجماعات السلفية، ….. إلخ، وكل هذا كان له أثر كبير على المصالح الغربية، إلى جانب تأثيرها على الوضع الإقتصادي التركي نفسه. وبرأي سيكون لكل هذا ثمن في صناديق الإنتخابات القادمة.

سابعآ، توحد المعارضة وتقديمهم مرشح واحد لمنافسة اردوغان:

بسبب أفعال اردوغان الإستبدادية في الداخل والإجرامية في الخارج وملاحقة الخصوم السياسيين وتلفيق التهم لهم وسجنهم، وطرد عشرات ألاف الناس (مدنيين وعسكريين وأمنيين) من وظائفهم، بأعذار واهية خلق له أعداء كثر، لا بل وحدهم ضده. حيث لا يجمع أحزاب المعارضة التركية سوى العداء لأردوغان والعودة للنظام البرلماني فقط. اردوغان يتقن مهنة خلق الأعدام والخصوم، ولا أظن هناك شخص مثله يتقن هذا العمل.

الثعلب “اردوغان” يتفوق على “أوغلو” في الجانب الشخصي، فهو خطيب مفوه وصاحب كريزمة ويتقن مداعبة مشاعر الأتراك القومية والدينية وتهيجهم وتحشيدهم، وفي المقابل خصمه شخص عديم الكريزمة وغير إجتماعي ولديه نوع من التعالي، ولا يملك برنامج يستقطب به الناخب التركي والكردي وخاصة الشباب منهم، لا على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي، ولا على صعيد القضية الكردية الساخنة والمؤثرة في الداخل التركي.

وبحسب أحدث استطلاعات للرأي التي نشرتها الصحافة التركية قبل أيام، فإن كليتشدار أوغلو سيحصل على 50.9% في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، مقابل %42.3 في المائة لإردوغان، و4.8% في المائة للمرشح “محرم إينجه”، و2% في المائة للمرشح “سنان أوغان”. ولحسم الانتخابات من الجولة الأولى على المرشح الحصول على نسبة %50 في المائة (+1). لا أدري مدى صوابية هذا الإستطلاع ولكن قريب من الواقع، ولكن علينا الإنتظار إلى يوم الإنتخابات وإعلان النتائج الرسمية أي ساعة الحقيقة.

في الختام، هناك أمل في هزيمة الطاغية اردوغان وإنهاء حكم عصابته هو و”فيدان حقان” هذا الوغد الكردي. ولا شك أن ذلك في مصلحة الشعب الكردي، أولآ في تركيا نفسها، وثانيآ في غرب كردستان وثالثآ في جنوب كردستان.

هذا لا يعني أن أوغلو وحلفائه سيمنحون الشعب الكردي حقوقه القومية ويحلون قضيته كما نتمنى نحن الكرد هذا غير وارد. علينا أن لا نخدع أنفسنا نحن الكرد فالدولة التركية العميقة (العسكر والأمن) وأصحابي رؤوس الأموال ولوبي السلاح، يقفون ضد منح الشعب الكردي حقوقه القومية والسياسية والدستورية. لربما كان اوغلو وجماعته كانوا أقل سوءً وشراسة ودموية من اردوغان وعصابته القاتلة. ثانيآ، الحقوق تنتزع ولا تمنح مثلما فعلنا في غرب كردستان بمساعدة الأمريكيين، هذا لا يعني أن لا نجرب طريق المفاوضات السلمية، ولكن حتى المفاوضات السلمية تحتاج إلى قوة عسكرية تدعمها على طاولة المفاوضات كما فعل الفيتناميين بذكاء أثناء مفاوضاتهم مع الأمريكان ونجحوا، بعكس المغفل ياسر عرفات الذي كان كل همه الظهور في الإعلام والجعجعة. الدول لا تحترم الضعيف ولهذا على حزب العمال الكردستاني أن لا يتنازال عن سلاحه تحت أي ذريعة كانت، لا بل العكس عليه تقوية نفسه من كل النواحي العسكري، الإعلامي، الدبلوماسي والمالية وتحرك الحرية لحزب الشعوب الديمقراطية ليلعب اللعبة الساسية وفق الشروط التركية والإستفادة من نجاحاته ونجاحات غرب كردستان بشكل غير مباشر.

وعلى أبناء شعبنا الكردي وقواه السياسية الحية في شمال كردستان خوض الإنتخابات البرلمانية القادمة في تركيا بقوة والمشاركة بفعالية لإيصال أكبر عدد ممكن من النواب الكرد للبرلمان على الأقل (100) مئة عضوا كي نشكل كتلة وازانة داخل البرلمان التركي، ولا نبقى خارج اللعبة السياسية، وعلينا أن نشارك في حكومة إئتلافية ندعوا إليها، ولا نرتكب الحماقة السابقة عندما رفض حزب (ه د ب) الدخول في حكومة إئتلافية مع حزب العدالة والتنمية بضغط من قيادة حزب العمال ودفعنا ثمنآ باهظآ لذلك في شمال كردستان وغربها وجنوبها على حدٍ سواء، نتيجة تحكم قادة قنديل بقرار حزب (ه د ب) وزعيمه

“صلاح الدين دميرتاش” الي يقبع الأن في السجن بدلآ من أن يكون وزيرآ اليوم في الحكومة!!

14 – 04 – 2023