خطوة وتعليق – بيار روباري

 

لأول مرة في تاريخ الإدارات الأمريكية، تم تشكيل وفتح مكتب خاص في الخارجية الأمريكية مسؤول مسؤولية مباشرة عن الشأن الكردي، دون من المرور بالدول المحتلة لكردستان (تركيا، ايران، العراق، سوريا)، كما كان الحال في السابق وهذا يعني أمرين:

الأمر الأول:

إزدياد الإهتمام الأمريكي بالشأن الكردي وقضية هذه الأمة المظلومة، ولم تعد قضيتها رهينة سياسات ورغبات الدول المحتلة لكردستان، وتحولت القضية إلى قضية دولية، بعدما كانت شأن داخلي لكل دولة من الدول الأربعة. وهذه خطوة مهمة جدآ ولم تحدث مجانآ، بل جاءت نتيجة تضحيات شعبنا الكردي الجمة وخاصة في جنوب وغرب كردستان وتلاقي مصالح الطرفين الكردي والأمريكي.

الأمر الثاني:

أن هذا المكتب لا يستمد معلوماته عن الشعب الكردي من حكومات الدول المحتلة لكردستان وأنظمتها الإجرامية كما كانت تفعل الخارجية الأمريكية في السابق وبقية الوزرات، بل باتت تستمد معلوماتها من القيادات الكردية والأحزاب السياسية وفي مقدمتها تلك الموجودة في جنوب وغرب كردستان. وهذه التواصل المباشر بين الطرف الأمريكي والأطراف الكردية في غاية الأهمية، ويعني ذلك لم تعد القضية الكردية قضية إنسانية. وخير دليل على ذلك هو تدخل أمريكا وحمايتها للشعب الكردي من إجرام جحافل تنظيم داعش الإرهابي في كل من غرب وجنوب كردستان، وقبل ذلك من أنياب المجرم صدام حسين في العام (1991) بعد الإنتفاضة المباركة. ولو الحماية الأمريكية للشعب الكردي لما كان هناك اليوم: إقليم جنوب كردستان، ولا الإدارة الذاتية لغرب كردستان وقوات “قسد”. وهم أيضآ تدخلوا لإنقاذ أهلنا في شنكال بعد تعرضها لهجوم الدواعش الإرهابيين. ما أنجزه الأمريكيين للشعب الكردي لم تفعله أي دولة أخرى، رغم خزلانهم لنا في عدد من المحطات.

 

علينا كشعب كردي وقوى سياسية، أن نوثق علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، ويجب أن نستوعب أن أمريكا دولة عظمة ولها مصالحها كونية، ومن الطبيعي أن تختلف الرؤى والمصالحها بيننا في بعض القضايا وهذا أمر طبيعي، وليس هناك طرف أفضل من الطرف الأمريكي للشعب الكردي وأقدر والتجربة خير دليل. مثلآ لولا الحماية لكان المجرم والإرهابي اردوغان وعصابته القاتلة وعصابة الأسد الإجرامية قضوا على الإدارة الذاتية من زمان. وهذه الإدارة رغم نواقصها وعيوبها وعدم إكتمالها، هي مكسب مهم وكبير جدآ حققه شعبنا الكردي في غرب كردستان في ظرف خمسة أعوام، بفضل الدماء الذكية التي قدمها شعبنا الكردي وبفضل الدعم الأمريكي وحمايته لنا دون شك.

إلى ما قبل سبعة سنوات لم يكن يعترف أحد بوجد الشعب الكردي في سوريا وهذا ما عشته بنفسي أثناء تواجدي في أوروبا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. إخوتنا في جنوب كردستان ناضلوا على مدى مئة عام تقريبآ، وقدموا مليون شهيد ومثلهم جرى ومفقودين، ولم يستطيعوا إنجاز أي مكاسب حقيقة بينما نحن في غرب كردستان حققنا كل ما ترونه في ظرف (5) سنوات وبأقل عدد من الشهداء والتضحايات. وها اليوم بات لدينا كيان حقيقي على الأرض وإن غير معترف به سياسيآ لحد الأن لأسباب موضوعية، وبتنا نحكم أنفسنا بأنفسنا لأول مرة في التاريخ، ونمتلك قوة عسكرية يحسب لها الحساب فعلآ لا قولآ. وبات الإنسان الكردي لأول مرة يحس بكرامته وأدميته منذ نشأة هذا الكيان اللقيط الذي يسمونه (سوريا) ويستفيد من خيرات وطنه كردستان، التي ظلت تنهب على مدى مئة عام من قبل العربان محتلي وطننا كردستان.

برأي ما قدمه الشعب الكردي في كردستان من تضحيات، وخاصة المرأة الكردية لعبت دورآ مهمآ في إعطاء صورة ناصعة عن الشعب الكردي في كل العالم وخاصة أمريكا وأوروبا الغربية. وعلينا الإبتعاد كليآ عن التطرف الإسلامي، وأي نوع أخر من التطرف القومي أو غير ذلك ونقدم نموذج جيدآ للحكم وديمقراطي ونظيف بعكس العصابات الفاسدة، نهبت كل شيئ وتستعبد المرأة الكردية بشكل مقزز ومهين. ويجب نحترم حقوق الإنسان وحرية الكلمة والتجمع ونقبل المشاركة ونتداول على الحكم بطريقة سلمية وحضارية كي يحترمنا الأخرين ونحترم ذاتنا، ولأجل هذه القيم قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ناضلنا ونناضل.

هناك بون واسع بين تجربة غرب وجنوب كردستان والحالة الإجتماعية، ففي غرب كردستان لا دور للدين ولا للعشيرة، والمرأة تتقدم على الرجل في كافة المجالات ونحن فخورين بهن وشعرهن وقيادتهن للإدارة الذاتية والقوات العسكرية. ومن الجهة الأخرى مهم جدآ تشبيك المصالح الإقتصادية والنفطية والغازية مع أمريكا. المصالح هي مفتاح كل صالح في عالمنا وسيبقى كذلك.

علينا كشعب كردي وقوى سياسية تكوين لوبي قوي في أمريكا تحديدآ وإقامة علاقات مع مراز البحوث، الكونغريس، الإعلام، اصحاب الرأي، البيت الأبيض، الشركات النفطية، ونفس الشيئ ينطبق على دول الإتحاد الأوروبي الغربية منها على وجه الخصوص، والعمل على فتح مكتب رسمي لغرب كردستان أو الإقليمين (باشور وروزأفا) معآ في واشنطن، والأمم المتحدة وهذا في غاية الأهمية.

 

وفي الختام، علينا أن لا ننسى ولو للحظة، بأن جهات عديدة ومؤثرة تعمل ليل نهار على ضرب العلاقة الخاصة بين الدولة الأمريكية والشعب في كل من غرب وجنوب كردستان، وخاصة العلاقة المميزة بين وزارة الدفاع الأمريكية “بينتغون” وقوات سوريا الديمقراطية، وخير دليل على إنزعاج كل من النظام الأردوغاني والأسدي والبوتيني والملالي هو تعرض القوات الأمريكية المتواجدة في مناطق الإدارة الذاتية من قبل عصابات الأسد وملالي طهران وداعش واردوغان، والجنون الذي أصاب هذا الأخير عندما زار رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال “مارك ميلي” لشرق الفرات ولقائه الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية قبل شهر، ومحاولة إغتيال قائد قسد قبل أيام في مطار السليمانية الدولي بطائرة درون من النظام الأردوغاني المجرم.

هذا عدا عن الحملة الإعلامية الشرسة التي تتعرضها لها كل من الإدارة الذاتية لغرب كردستان وقوات قسد، ومعهم الشعب الكردي بأسره بأنهم تحولوا إلى عملاء للأمريكان، وهذا ما نسمعه يوميآ من رأس النظام الأسدي المجرم والطائفي ووزير خارجيته وأبواقه الإعلامية الذين نسوا أنهم باعوا مؤخرتهم للروسي والفارسي، وويشارك في هذه الحملة قادة المعارضة السوركية وإعلامهم المفلس وعصابة اردوغان عملائه من جماعة المكنسة. مع أن هؤلاء  يتمنون أن يزورهم “فراش” أمريكي وليس رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال “مارك ميلي” الذي يحسب العالم بأسره الف حساب له بدءً من الروس إلى الصينين وبقية القرطة العفنة.

 

13 – 04 – 2023