من وحي المثل الخاطئ: “حشر مع الناس عيد”. تهيئنا للذهاب إلى حدائق (بيليفيلد) لقضاء وقت ممتع في أوّل يوم من عامنا الجديد، رأس السنة الأيزيدية.
ذهبنا يوم أمس الأربعاء 19/4/2023 عصرا، وهو وقت يخالف أوقات الأعياد في شنكال وقراها كما لا يخفى، من حيث النهوض فجرا وزيارة الأحباب ومعايدة الجيران..الخ. والكثير من الالتزامات والروتين والتفاصيل التي نحرص على تنفيذها، وأعتدنا عليها. وبالتأكيد ستجدها منشورة ومكررة مع إضافات ورتوش عن أسماء ومعاني وفلسفة العيد كما في كل عام من قبل بعض المدونين والكتاب، أو الباحثين النصّ ردن.
لست بحاجة إلى أن أوصف لكم الحدائق والأشجار والأماكن الجميلة والمناظر الخضراء. أو الخدمات التي قدمتها المدينة لجاليتنا. يهمني الناس الذين تواجدوا بالمئات، وربما كانوا بضعة آلاف، وكأنهم جميعا مدعوين لحفلة زفاف شنكالية، يتهيأ خلالها المخرج الهندي الشهير (ياش تشوبرا) القيام ببروفة لفلم رومانسي جميل.
قديما، وما تزال الآلة الموسيقية الأكثر شهرة في قرانا هي الطنبور. بل الطنبور آلة معظم الأيزيديين، ونجده في أغلب البيوت، لوجود علاقة روحية ودينية مع الموسيقى، ويؤسفني أن أقول لكم لم أرى الطنبور في هذا العيد. في حين كنا نجده، وبالذات الطنبور الشنكالي المعروف، في أغلب أعيادنا، ويمكن الرجوع حول هذا الموضوع الجميل إلى بحث قيّم ل (الباحث صباح كنجي) تم نشره في (مؤسسة الحوار المتمدن) تحت عنوان: “الموسيقى في الديانة الأيزيدية”. بتاريخ 27/8/2018. كان للطنبور دور رئيس جنبا إلى جنب (المطبك) في إقامة الحفلات والدبكات داخل البيوت في الأمسيات، أو في الخارج في الفسحات والميادين والبيادر، وفي مناسبات زيارة المزارات والقبب، والأعياد والحفلات الاجتماعية.
والدبكة هي رقصة فلكلورية شعبية تعبّر عن روح جماعية بين الراقصين، والمحتفلين. وعادة يكون هناك تناغما بين الحركات وصوت الموسيقى. وهي منتشرة بين معظم الشعوب. ولكل بلد أو شعب أنواع مختلفة من الدبكات. لا يعنينا أنواعها وكيفية أدائها هنا. قرى شنكال كانت تشتهر بعدة أنواع من الدبكات، ولم يكن هناك رقص وهزهزة ونطنطة غير مقبولة وكلمات بذيئة محشورة في أغانينا الجميلة في المناسبات الدينية والاجتماعية المفرحة، كما يحدث الأمر الآن في حفلات الزفاف المقامة داخل القاعات.
أفضل أنواع الدبكة تلك التي تدار من قبل الغجر وتعزف فيها الزرنا ويدق الطبل، وهي أكثرها حركة وإيقاعها يكون أسرع من بقية الأنواع، لا سيما حين يقرفص عازف الزرنا أمام أحدهم ـ العريس مثلا ـ ويرمي له هذا بعض النقود من جيبه، وتهلهل الصبايا، وتطلق الصيحات من قبل بعض رفاقه من الشباب (ورا ورا.. ورا روني) أي تعال وأعزف أمامي أيضا. فتصل الدبكة إلى ذروة أدائها وتضرب الأقدام بقوّة على الأرض. ومن شدّة النشوة قد تكون هناك حركات زائدة من أحدهم، وتهز الأكتاف طربا. أو قد يقفز أحدهم أو يلعب بالمسبحة أو المنديل التي في يده.
لعل ميزة دبكات قرى حوض جبل شنكال تكمن في إنها لا يقودها أوّل الراقصين، فهي في جوهرها لا تتكئ على الرقص، بل على نوع الموسيقى وإيقاعها المستقل، وقلة الحركة ما أمكن ذلك؛ وهذا يؤكد دور الموسيقى في حياتنا، ومنها الحفلة الجماعية التي أقيمت هنا في حدائق (بيليفيلد).
لم تكن هناك أغاني، أو فرق موسيقية، أو مطربين شعبيين من أولئك الذين ساهموا في تشويه ذائقتنا الموسيقية، وتشويه تراثنا الشعبي. كان هناك عند كل مجموعة طبل وزرنا، وعوائل، تدبك، وقد جلبوا طعامهم، وحلواهم، وبيضهم الملوّن؛ لينشروا فرحهم دون أن تميز هذا من ذاك. أيزيديون بملابس الربيع الجميلة، دون رؤساء عشائر. أيزيديون ملتزمون بالأيزيدياتي دون رجال دين، أيزيديون مبدعون في كل مجال دون أمراء. أيزيدون قادرون على تحمل مسؤوليات الحياة دون مسؤولين، دون مدراء، ونواب، ونشطاء.
أيزيديون بسطاء كان فرحهم معديا لرجال خدمات المدينة الألمان، وللبوليس الألماني وللصحفيين الألمان ولسان حالهم يقول:
“لنشاركهم عيدهم، ونأكل من زادهم. فرحهم اليوم هو فرحنا”.
كلّ عام وأنتم بخير.