عندما نتحدث عن الحشد الشعبي لا يعني أننا نعاديه او بالضد منه لكننا نحاول أن نساهم في تقييم التجربة والمساعدة على تبني الطريق الصحيح لمهمات عسكرية وطنية ولهذا فإن تاريخ الحشد لا يتعدى فتوى السيد علي السيستاني “فتوى الجهاد الكفائي” وهو تاريخ قصير نسبياً، مع ذلك فقد سرت البعض من الاتهامات لبعض فصائل في الجيش الشعبي بقيام عمليات تهجير واعتداءات وسرقات في مناطق غالبيتها من المكون الآخر مثل تكريت والفلوجة ومناطق اخرى إلا ان المتحدث بإسم هيئة الحشد الشعبي يوسف كربلائي ” اعتبرها خروقات فردية” جرى التعامل معها بحزم .. لكن مع شديد الأسف أنها ليست خروقات فردية كما ادعى يوسف الكربلائي لأن الاتهام واضح لفصائل ” الولائية” الموالية لإيران وذكرت بالأسماء وأنها تستغل الحشد الشعبي حتى في الحصول على الأموال وغيرها، ومهما يكن فإن معالجة الأمر ودمج الحشد بالقوات المسلحة سيفوت أي فرصة على كل من يحاول خلق الفتن والانشقاق!
وعندما نتكلم عن الجيش العراقي علينا أن نتذكر مرور ( 100 ) عاماً على التأسيس، واعتبر أقدم جيوش الشرق الأوسط خلال العصر الحديث ، وعلى امتداد تاريخه فقد شارك بعدة انقلابات قبل وبعد ثورة 14 تموز1958، في مقدمتها انقلاب
ـــــ 1941 وسميت بثورة رشيد عالي الكيلاني وساهم فيها العقداء الأربعة ( كامل شبيب الشمري، فهمي سعيد وصلاح الدين الصباغ ومحمود سليمان )
ـــ ثورة 14 تموز /1958 بقياد الزعيم عبد الكريم قاسم وبعض الضباط الاحرار
ـــ انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، انقلاب 18 تشرين / 1963 وانقلاب 17 تموز / 1968 ، جميع هذه الانقلابات قامت بها القوى القومية وحزب البعث وبدعم من الولايات المتحدة وغيرها.
كما أن الجيش العراقي خاض خمس حروب نظامية خارجية وحروب داخلية ضد الحركة الكردية..
الحروب النظامية
1 ــ حرب فلسطين التي خاضها عام 1948 وخيانة الحكام في قضية ” أوامر ماكو “
2 ــ عام 1973 حماية سوريا وإيقاف الهجوم الإسرائيلي على دمشق
3 ــ الحرب العراقية الإيرانية 22 / أيلول / 1980 التي استمرت ثمان سنوات وما صاحبها من خسائر بشرية ومادية هائلة
4 ـــ غزو الكويت عام 1990 وعملية ما يسمى عاصفة الصحراء والخسائر التي مُنيَ بها ، خسائر بشرية ومادية لا تقدر بثمن
5 ـــ عام 2003 وغزو العراق واحتلاله وحل الجيش العراقي الذي أضر البلاد بأفدح الاضرار وأصبحت البلاد بدون جيش يحافظ على استقلالها وسيادتها وفتحت أبواب الجحيم على الشعب العراقي.
6 ـ الحرب الداخلية ضد الحركة الكردية بتواريخ عديدة واستمرار الحرب على الحركة الانصارية في عهد النظام الدكتاتوري السابق
ومر الجيش العراقي بعدة أزمات تحت طائلة أوامر الحكام وحسب مشيئتهم، كل هذه الفترات الصعبة التي خرج منها الجيش وبقى كجيش وطني موحد تقريباً ما عدا الاحتلال الأمريكي عام 2003 الذي حل الجيش بدون أي دراسة عملية وإيجاد طرق مفيدة وفق مخطط علمي للبقاء عليه، ومع ذلك يجب أن نفصل ما بين الحكام والبعض من القادة وما بين مئات الآلاف من الجنود وضباط الصف والضباط الذين هم الجيش الوطني الحقيقي الذي واكب جميع الفترات الزمنية من تاريخ العراق المعاصر، أن فوج الإمام موسى الكاظم اول تشكيل عسكري في الجيش العراقي الذي أسس كنواة في تاريخ 6 / كانون الثاني / سنة 1921في اول حكومة عراقية بعد الاحتلال الإنكليزي للعراق ولقد تألف هذا الجيش من ضباط عراقيين كانوا في الجيش العثماني وقد ذكر العديد من الباحثين عن البعض من المقرات التي أنشئت للجيش ثم البدء في تشكيل أفواج بالتتابع، الجيش العراقي له ما له وما عليه لكنه بقى مهنياً نسبياً ولم يصبغ بصبغة طائفية لا بل بقى بمنأى عن المحاصصة والطائفية وكان يضم جميع العراقيين بدون استثناء وعلى الرغم من استخدامه من قبل الحكام في بعض الأحيان خارج مهنيته او واجباته الوطنية إلا أنه بقى جيشاً لكل العراقيين ، لسنا بصدد التفرقة عندما نتحدث عن مهمات الجيش العراقي الآنية والمستقبلية لأن الجيش من مهماته الدفاع عنة الوطن واعتباره جيش للشعب مهما كلف بمهمات ليس من مهماته الاصلية لأنه يعود في كل مرة لحالته المهنية وللمقارنة فهو يختلف عن مهمات الحشد الشعبي الذي أسس على اساس فتوى “الجهاد الكفائي” أصدرها السيد على السيستاني لمحاربة داعش الذي سيطر على أجزاء واسعة من المنطقة الغربية وغيرها اثناء تولي نوري المالكي لرئاسة الوزارة وهو قائد القوات المسلحة إضافة الى ذلك وجود اربعة فرق عسكرية مدججة بمختلف الأسلحة الحديثة إضافة للشرطة الاتحادية واستغلت الفتوي التي كان الهدف منها قيام الجهاد الكفائي ” ومن هنا فإن على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض” لا نريد الخوض بالتفاصيل لكن الميليشيات والتنظيمات الشيعية المسلحة القديمة والحديثة حولوا الفتوى إلى تشكيل جيشاً رديفاً سميّ بالحشد الشعبي الشيعي ومدوه بأحدث الأسلحة وقدموا له الرواتب وتم إقراره من قبل البرلمان واليوم يعد الحشد قوة مسلحة تضاهي الجيش العراقي وأُعلن عن تجاوز اعداد الجيش الشعبي في العر اق (200) الف مسلح وقال رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في لقاء متلفز ” إن “أعداد عناصر ومقاتلي الحشد الشعبي كانت 170 ألف عنصر حتى إقرار ميزانية عام 2022، التي سميت بالأمن الغذائي، والتي سمحت بإضافة نحو 30 ألف عنصر من المفسوخة عقودهم”. والحبل على الجرار” ومع ذلك فنحن لا نلغي قتاله ضد داعش الإرهاب ومواقفه المشرفة وتضحيات المخلصين الذين ضحوا بحياتهم من أجل التخلص من الإرهاب لكننا في الوقت نفسه نؤشر بدون اتهامات أو كراهية ان البعض من الميليشيات المنظمة للحشد قامت بتجاوزات على المواطنين بحجج مختلفة وتم تهجير البعض من مناطقهم ومنعتهم من الرجوع اليها متهمة إياهم بأنهم إرهابيون أو حواضن للإرهاب ونستطيع أن نذكر العديد من المواقع وفي مقدمتها جرف الصخر ” بدلوا اسمه الى جرف النصر” وبالمناسبة نعيد ما اكدناه نحن لسنا بالضد من الحشد الشعبي الذي قام على أساس التطوع ونفذ بمسؤولية واجباته الوطنية تجاه داعش والإرهاب دون الانسياق نحو الطائفية والاعمال الغير قانونية ونجد ان الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة التي استغلت فتوى الجهاد الكفائي لا تمثل الوجه الحقيقي للحشد الشعبي.
كان القرار الذي اتخذته سلطة الائتلاف المؤقتة الامريكية هو حل الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية العسكرية المرتبطة به كان قرار متسرع غير مدروس، وهو أمر نفذه بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي في 23 / 5 / 2003 ، لكن بعد فترة وضعت خطة لإعادة هيكلية الجيش العراق الذي أولى اهتماماً خاصاً به وتم تغيير عمليات تسليحه التي تعتمد في السابق على روسيا واوربا الشرقية، بينما اصبح التسليح يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة الامريكية إضافة الى روسيا وفرنسا، إلا أن اللجنة المختصة التي كُلفت بإعادة هيكلية الجيش تعرضت الى معوقات كبيرة بسبب تدخلات الأحزاب السياسية الدينية واعتراضها على زيادات التشكيلات في الجيش وقد نهبت ممتلكات المعسكرات بعد الإلغاء وبخاصة بعد عام 2003 ، مع ذلك فقد بذلت جهود خلال السنين السابقة على إعادة تشكيلاته وصنوفه وقد تجاوز تصنيفه من المرتبة السابعة والخمسين عالمياً عام ( 2021) الى المرتبة الرابعة والثلاثين لعام ( 2022 ) من بين أقوى الجيوش في العالم وهو يدل على مدى الاهتمام به ليكون جيشاً نظامياً وطنياً بعيداً عن المحاصصة ، لكن هل ابتعد فعلاً عنها ؟ باعتقادنا لم يكن الابتعاد كلياً فهناك تعيينات وترفيعات خضعت للمحاصصة ومازالت القوى المتنفذة الشيعية تخاف من تطوير الجيش الوطني المهني بعيداً عن الطائفية وخوفها مرده قضية التآمر والانقلاب العسكري، ومع كل ذلك فقد وصلت تكوينات الجيش الى 14 فرقة عسكرية إضافة للقوة الجوية والقوة البحرية والبرية ، والدفاع الجوي تلحقه مديرية الاستخبارات العسكرية ومؤسسات اخرى وقد اشير ان تعداد الجيش ومنتسبيه بلغ( 350) الفاً من الجنود والضباط إضافة الى الشرطة المحلية والبيشمركة و(200) ألف في الحشد الشعبي، أما الوضع الأمني في البلاد فما لازال هشاً وهناك اختراقات عديدة له،، وهذه الاعداد الهائلة تحتاج الى ميزانية كبيرة.
أن الأوضاع السياسية والأمنية تحتاج الى جهود استثنائية من اجل ان يكون الجيش العراقي كقوة عسكرية تتحمل مسؤولية وطنية بدون أي تأثيرات طائفية او حزبية كي يستطيع القيام بمهماته الأساسية وليس استخدامه لأغراض سياسية ضيقة كما يبقى الامل في دمج الحشد الشعبي في القوات المسلحة مشروع لإنهاء الميليشيات والفصائل التي هي خارج القوات المسلحة وبهذا سيكون الجيش جيشاً وطنياً مخلصاً وقد تنجح الجهود من اجل العودة للتجنيد الالزامي لخدمة العلم. وفي آخر المطاف نقول ومن اجل مصلحة العراق والشعب العراقي ان لا رديف للجيش العراقي والقوات المسلحة العراقية!