هناك اسباب النجاح وهناك اسباب الفشل ، اسباب النجاح يتم تأكيدها وتطويرها واسباب الفشل يتم تجنبها وعدم تكرارها ، وهذه القاعدة تطبق في كل مجال من مجالات الحياة العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها بالنسبة للإنسان العاقل ، لا يستطيع اي منا عد اسباب الفشل التي صاحبت الانظمة التي حكمت العراق منذ فجر التأريخ حتى يومنا هذا ولكن هناك تكرار لخطأ قد يكون هو العامل الاساس للفشل . العراق شعوب مختلفة ثقافياً وايدلوجياً وعرقياً وقومياً ودينياً ومذهبياً حتى وان كان تعداد بعض هذه الشعوب بضعة الاف فهم جزء من هذا الواقع ، فكل شعب من هذه الشعوب يريد التعبير عن نفسه بثقافته او بدينه او بوجوده ، هذه حقيقة لا يمكن نكرانها ، انا اتحدث من الواقع ، لا يستطيع اي نظام حكم النجاح مالم يلبي هذا الجانب عند الشعوب العراقية وهو احترام المكون او الشعب بكل ما يحمل من عادات وتقاليد وايدلوجية وتوجه حتى وان كان مخالفاً للأخرين على ان لا تكون حرية هذه النشاطات فيها ضرر واضح للأخرين ، تدخل انظمة الحكم في هذا الجانب يعني الاضطهاد وتخلي انظمة الحكم عن هذا الجانب يعني الفوضى ، فما بين الفوضى والاضطهاد تفشل الانظمة الحاكمة ، قمة الاضطهاد يحصل عندما يكون نظام الحكم يمثل شعب من هذه الشعوب في العراق ويتدخل في الشؤون الثقافية والقومية والدينية والايدلوجية للشعوب الاخرى ، وقمة الفوضى تحدث عندما يتخلى الايقاع الحكومي عن التدخل في نشاطات الشعوب التي قد تكون مؤذية وتجاوزاً لبعضها البعض مما يعني ان النظام الحكومي ترك الباب مفتوحاً لمن يريد العبث بأستقرار البلد وترك المجال للدول المعادية واجهزتها المخابراتية التدخل بشكل سلبي في وضع البلد . هذه هي الحقيقة المطلقة لما حدث ويحدث في هذا البلد وقد تكررت الحالة نفسها منذ العهد الملكي حتى يومنا هذا اي منذ تأسيس العراق الحديث وكذلك كان الحال قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة اي خلال المراحل التأريخية التي مرت على هذا البلد ولكن ما كان يميز المراحل التأريخية القديمة هو فقط الاضطهاد ، اما الفوضى لم يشهده تأريخ العراق الا في العهد الملكي وعهد مابعد سقوط نظام حزب البعث ، ان عدم استيعاب تركيبة الوضع العراقي هو سبب الفشل .
فلنضع امامنا مثال واحد للاضطهاد ، نظام حزب البعث اضطهد الكورد وخاصة الكورد الفيلية لأنه نظام ايدلوجي قومي عربي كان يريد فرض ايدلوجيته القومية واضطهد الشيعة ايضاً بشكل عام لأن الشيعة فكر ديني وليس مذهب مخالف للمذاهب السنية وهناك فرق بين المذهب والفكر مما فتح الباب واسعاً لتدخل الاجهزة المخابراتية للدول الاخرى حتى اسقطت هذا النظام والسبب هو تمرد النظام على الواقع ، انت من السهل جداً تضطهد شريحة او مكون في البلد ولكن عندما تلجأ هذه الشريحة لمد يدها بيد العدو الاجنبي لرد الاعتبار والانتقام هنا المعادلة تتغير فتصبح هذه الشريحة المضطهدة غصة في فم النظام الحاكم وقد تسقط النظام الحاكم ، الغباء وحده دفع نظام حكم البعث الى اضطهاد الكورد والشيعة مهما اختلفوا معه . رفع قومية او دين او مذهب او شريحة على حساب القوميات والديانات والمذاهب الاخرى هو عين الاضطهاد لذلك ما نشاهده في نظام الحكم الحالي هو اضطهاد وفوضى اجتمعتا سوية في آن واحد بسبب رفع الشيعة على حساب السنة والكورد وباقي مكونات العراق بعذر ان الديمقراطية هو نظام حكم الاغلبية وبنفس الوقت اطلاق يد العنان لبعض الكورد ولبعض السنة من الذين لا يخدمون الكورد والسنة وغيرهم لينتشر الفساد وتنتشر الفوضى فقط لإظهار الشكل الديمقراطي للنظام الحاكم . الديمقراطية ليست نظام حكم فاشل لأن الديمقراطية بمفهومها الحقيقي تعني نظام حكم الاغلبية . والقانون هو الحاكم الحقيقي للجميع وليس القانون للشيعة فقط او للقوي فقط ، القانون يعني حقوق المواطنة يعني العدالة يعني وجود العقاب لمن يخالف دون استثناء يعني ان القانون والدستور هو الحاكم الحقيق في الانظمة الديمقراطية وليس المذهب بغالبيته او القومية بغالبيتها ، الفهم الخاطىء للديمقراطية او تحريف الديمقراطية هي مشكلة نظام الحكم ما بعد سقوط نظام حزب البعث وأكثر الظن هو التحريف المتعمد للديمقراطية هو الذي حصل بسبب تعارض الديمقراطية الحقيقية مع الفكر الديني الايدلوجي . هذه تجارب عشناها وتذوقنا مرارة الفشل فيها ولا يصح تكرارها فأنه غباء متكرر لا يفعله الا من لا يفقه الواقع .
فلنخوض أكثر في اسباب فشل الانظمة التي حكمت هذا البلد ، المعروف عن الاحزاب الدينية والاحزاب القومية أنها تستند على ايدلوجية منذ تأسيسها ولها اهداف معلنة ، فعندما تدور دائرة الزمان وتستطيع هذه الاحزاب من كسب طيف واسع من المجتمع وتتسلق سلم الحكم فأنها ستعمل على تفعيل ايدلوجيتها وتحقيق اهدافها ، وبما ان الاحزاب عندنا لا تمثل جميع الشعوب العراقية وهذا يعني ان ايدلوجيتها وافكارها واهدافها لا تمثل طموحات جميع مكونات البلد ، هنا ستصطدم الاحزاب بالواقع فيصبح وجوباً عليها اما تطبيق ايدلوجيتها وتحقيق اهدافها بالقوة والعنف اي انها تكرر مفهوم الاضطهاد او انها تتخلى عن ايدلوجيتها وعن اهدافها ، والتخلي يعني ان الحزب اصبح بلا ايدلوجية وبلا اهداف ، فالفساد يصبح هو البديل الوحيد الذي يسد الفراغ الايدلوجي والتخلي عن الاهداف وهذا ما حصل فعلاً مع حزب الدعوة الذي تسلم الحكم فوجد نفسه امام فشل تحقيق الاهداف فأنشطر الحزب بسرعة الى احزاب ريعية فاشلة كل هم اعضاءها الوحيد السرقة والفساد والاستحواذ على السلطة لأنهم مبدئياً اعترفوا بالفشل الايدلوجي والمنفعة الشخصية اصبحت البديل عن كل الافكار التي قاتلوا وجاهدوا من اجلها لعشرات السنين . والفوضى هنا تصبح تحصيل حاصل لفشل نظام الحكم لأن الفراغ وعدم وضوح الرؤيا تجعل جميع الاطراف تتسارع لملىء الفراغ والحصول على المكاسب الشخصية والحزبية ففي هذه الحالة يضطر نظام الحكم ان يتحول الى نظام بوليسي عنيف شعاره فقط استمرارية البقاء بدون اهداف . هذا هو حال العراق ، ولم يحدث الشيء نفسه في كوردستان لأن الاحزاب الكوردية في كوردستان مازالت تعمل بأيدلوجيتها وتسعى لتحقيق اهدافها ورغم ذلك فقد عانت كوردستان من بعض انعكاسات الواقع العراقي لإنها مازالت جزء من العراق ، هذه هي الصورة المختصرة للواقع العراقي الذي يجهله اصحاب الشأن واصحاب القرار .