ان الذين عاشوا عن قرب لإحداث التسفيرات والتهجير لعوائل الكورد الفيلية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي يتذكرون جيداً الحالة النفسية السيئة جداً التي عاشتها تلك العوائل ، وخاصة الفتيات والاطفال الذين كانوا يعيشون حياة العز والكرامة ، في لحظة كل هذا العز يصبح هباءاً منثورا ، ومما زاد من الامور مآساوية في تلك الفترة المظلمة من تأريخ الكورد الفيلية هي الاخبار المتداولة بين الناس من قرارات متتالية لمجلس قيادة الثورة أنذاك منها منح مبالغ من المال للمتزوج من كوردية فيلية إذا قرر طلاقها ليتم تسفيرها مع عائلتها او لوحدها وكذلك بالنسبة لغير المرأة الكوردية المتزوجة من رجل كوردي فيلي إذا طلقت زوجها تنال مبالغ المكرمة من الدولة وكذلك التشجيع والضغط على العوائل الكوردية التي تمتلك كافة الوثائق الرسمية القديمة من جنسية وشهادة الجنسية بالانضمام الى احدى العشائر العربية وقرارات واخبار بالجملة الهدف منها تحطيم نفسية العوائل الكوردية وتدميرها ، حتى ان بعض الفتيات الكورديات اضطررن بقبول الزواج من رجال ليسوا كفؤاً لهن ولكنهن رضين بهم مخافة الاعتداء عليهن من قبل رجالات السلطة ، تخيلوا ان فتاة جميلة ومثقفة وناجحة دراسياً واجتماعياً وتعيش حياة محترمة عزيزة عند قومها في ليلة وضحاها تجد نفسها زوجة لرجل غير كفؤ لها واخوتها اختفوا ووالديها ضاعوا لا لذنب الا لأنها كوردية فيلية كيف عاشت هذه المرأة ما تبقى من سنين عمرها وكيف كانت حالتها النفسية؟ او ان فتاة أخرى تربت على ثقافة بغدادية في مجتمع بغدادي ولم تجيد غير اللغة العربية وقليل من اللهجة الفيلية وكانت تحلم بالحصول على اعلى الشهادات الجامعية ومكانة علمية لقدرتها على تحقيق ذلك فتجد نفسها مرمية في مخيمات اللاجئين في بلد أخر بعيداً عن ثقافتها وتربيتها وعزها وكرامتها ، او ان شاباً هرب في ليلة ظلماء للنجاة بحياته هرب الى دول الغربة بعد أعتقال أقرانه في بلده وأختفاء أثرهم فتنقطع عنه اخبار عائلته ، يعيش الغربة بأضعاف مضاعفة من مرارة وألم ، وبعد سنين عجاف يكتشف ان والديه قد فارقا الحياة حزناً عليه وعلى اخوه الذي اختفى أثره وعلى أخته التي اصبحت زوجة لرجل لا ضمير له مجبرة على ذلك لكي لا يعتدي عليها احد ، كل هذه الحالات ومئات الحالات الاخرى مازال جرحها لم يندمل ، ومازالت أثارها النفسية تفعل فعلتها بالقلوب الموجعة المفجوعة . بعض الصور التي مازالت شاخصة امام أعين العراقيين والتي لم ولن ينساها الشرفاء الاحرار وهذه الصور وصمة عار في جبين كل من قام بذلك او سمع ورضى به ، عندما تقوم الدولة بعرض مقتنيات العوائل الكوردية الفيلية وحاجياتهم المنزلية في مزاد مفتوح وامام انظار الجيران بعد تسفير اصحاب الدار وبأسعار بخسة تحفيزاً لأصحاب الضمائر الميتة لأقتناء هذه الحاجيات ، ثم يأتيك من يعتبر نفسه متضرراً من النظام السابق ويتنكر لجروح ومآسي الكورد الفيلية . لم تفعل حكومة البعث كل هذه الافعال بالكورد الفيلية بسبب قوميتهم أو إنتمائهم المذهبي كما يحلو للبعض تأويله ، وإنما نتيجة لتجارب رجال السلطة مع الكورد الفيلية مع شقاوات بغداد من الكورد الفيلية مع ابطال العراق برفع الاثقال وكمال الاجسام والمصارعة والمثقفين والكتاب والفنانين والشعراء ورجال المال والاعلاميين والاساتذة جلهم من الكورد الفيلية بمعنى أخر جالية صغيرة تقدم عطاءاً أكبر من حجمها ولها فعالية تزيد عن حجمها وفي قلب العاصمة العراقية ، والكل كان يسمع ويشاهد المناسبات السعيدة التي يقيمها الكورد والاحتفالات وأفراحهم المستمرة وتعاضدهم ومساندتهم بعضهم لبعض مما جعل جرس الانذار يدق عند السلطة بنذير الخطر ، بأن الكورد الفيلية قادرين على تغيير المعادلة السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع بعكس الاتجاه الايدلوجي للحزب الحاكم إذا ما أستمر بقاءهم ونموهم ، فالتخلص منهم اولى من النوم في قلق . وأية حكومة تحمل ايدلوجية قومية او دينية او عرقية غير حزب البعث كانت ستفعل نفس الشيء وقد يكونوا أسوأ لو تسنى لها الصعود للسلطة في ذلك الوقت ، بغداد العاصمة أصبحت مطيعة للثقافة الفيلية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وسوق الشورجة نبض الحياة الاقتصادية للعراق أصبح بقبضة الكورد الفيلية ، فهل سيسمح بذلك حزب عنصري شيفوني استبدادي مثل حزب البعث ويتجرع قبول قوم اشداء شجعان اصحاب مروءة و وعي وهم أقلية في المجتمع ؟، نعم هذه اصل العلة وكذلك الان وفي كل زمان أينما يتكاثر الفيليون ستكون لهم بصمتهم في ثقافة وسلوك وعادات ذلك الوسط ، وهذا هو طبع الامم الحية المتفاعلة المتطورة ، الكورد الفيليون هذه هي تركيبتهم ، يتفوقون بسرعة ويتطورون بسرعة ، ولو كانوا يجيدون الحيلة والخباثة والغدر لما مسهم سوء و لإحترمتهم قوى الشر والظلام وأولهم نظام البعث ، ولكن سجيتهم الطيبة ظلمتهم قبل ان يظلمهم صدام حسين .
نزعنا من أنفسنا كل رذيلة
لإننا للعلا عشّاق
فجمال الكون حط رحاله
لعله ينال منا عناق
فأين الذي سعى لفرقتنا
فقد جزاه الله مر الفراق