عندما نسمع او نقرأ بأن الاكتشافات العلمية والتكنولوجية مأخوذة من الدين او من كتابنا المقدس ننبهر بعظمة ديننا لكننا بالحقيقة نحن نستخف بديننا ، ان الذين يسعون لربط التطور العلمي و التكنلوجي بالدين وبالقرآن عليهم ان يضعوا امامهم بعض الحقائق لكيلا يكون استنتاجهم خيال و وهم ، لو ان الدين او القرآن الكريم يحوي كل هذه العلوم لكان الأجدر ان يكتشفها فقهاء الدين الذين يعلمون كل خفايا الدين ولم يكتشفوا لنا غير الطقوس الدينية التي هي موجودة اساساً منذ نشأة الدين ، كيف أصبحوا فقهاء دين والدين يحوي كل هذه العلوم كما يدعون ولم يكتشفوا لنا غير الحيض والنفاس والنجاسات ؟ هل هذا يعني ان العلماء من غير المسلمين هم اكثر فهماً و أستيعاباً للقرآن الكريم من فقهاء الدين الذين عندنا ، فأكتشفوا لنا هذه العلوم . ان كان كذلك أصبح واجب علينا شرعاً اتباع الاعلم وهم العلماء الذين اكتشفوا كل هذه التكنلوجيا والعلوم والا ما معنى ان نقول ان هذه العلوم موجودة في الدين وعجز علماء الدين عن اكتشاف علمي واحد خلال الف واربعمائة سنة ومازلنا نتبعهم ، ألسنا بمجانين ان نعترف بالاعلمية لأشخاص بعيدين عن الدين ونتبع من هو جاهل بالدين ونسميه عالم ديني .
او ان الحقيقة ان الدين هذا هو حجمه كما نقله لنا رجال الدين وان القرآن كتاب تربوي اخلاقي ديني لا أكثر….. كفى مهازل والضحك على ذقون المساكين الذين أصبح الدين عليهم بلاء وابتلاء بسبب هؤلاء الجهلة الذين يحشرون الدين في كل صغيرة وكبيرة ويظنون انهم يحسنون صنعا .
وما أشبه ذلك عندما ينطلق هؤلاء المفكرون الجهلة ممن يسمون أنفسهم علماء الدين بربط الدين بمثاليته لبناء نظام الدولة بنفس الطريقة التي ربطوا العلم بالدين واعطوا مثالية بناء الدولة بالدين وهم يرون بأم أعينهم ماذا فعل فقهاء الدين بالدولة من فساد وخراب للدولة . لم يشهد التأريخ اي بناء مثالي للدولة تحت سلطة رجال الدين سوى القتل والدمار والتخلف . هناك حقيقة دامغة وهي في الفترات التي تكون فيها النشاطات الدينية لرجال الدين في حالة السبات و يعود الدين ورجال الدين الى داخل دور العبادة ترى كل شيء يتنفس الصعداء ويتحرر العلم وتنطلق الناس لبناء انفسها وبناء الدولة وحتى دم الإنسان وكرامة الإنسان تصبح ذا قيمة عليا وتصبح الحياة ربيع دائم ، بمعنى ان الدين لم يكن عامل بناء للمجتمعات بقدر ما كان عامل هدم وخراب عندما يحشروه في امور الدولة وامور التكنلوجيا وامور السياسة .
هذا الكلام ليس طعناً بالدين ولكن ترحماً بالدين الذي هو الأخر تم تحميله مالم يكن يتحمله من جهالة ودجل .
الكل يعلم ان العلم والتكنلوجيا هو نتاج عقل الإنسان وليس كل إنسان وإنما عقل الإنسان الذي تحرر من النصوص والثوابت وتحرر من كوابيس الخوف والعبودية .
وان صادف ان وجد عالماً من العلماء الذين اكتشفوا او اخترعوا واحدة من النتاجات العلمية او التكنلوجية وهو متدين فأن تدينه شيء شخصي بعيد كل البعد عن نتاجه العلمي وقد يكون دينه من الاديان التي نحن نسخر منها . لا نريد ان نظلم ديننا واي دين ولكن الذين ربطوا الدين بالتكنلوجيا والعلم وبناء الدولة هم من ظلموا الدين وجعلوه مهزلة للملحدين ومسخرة لكل ذي لب .
هل سمعتم عالماً او مكتشفاً او مخترعاً أدعى بأن أكتشافه او اختراعه العلمي او التكنلوجي استنبطه من الدين ؟ انا لم اسمع بذلك ولكنني سمعت بأن التجارب والعمل الدقيق وسهر الليالي والتفكير العلمي والتحدي هن المزايا التي يتحلى بها أصحاب العقول من العلماء وحتى ان اغلبهم تحرروا من التعاليم الدينية بل تحرروا من عقول ومناهج اؤلئك الذين لم يكن لهم عطاء علمي لينطلقوا احراراً الى فضاء المعرفة ليضعوا بين يدي الإنسان نتاج عملهم المبهر الرائع ، فهل من الاخلاق ان نبخس جهودهم وننسب ابداعاتهم التي أستهلكت أعمارهم الى الدين الذي ليس له صلة لا من بعيد ولا من قريب بطبيعة عملهم .. شخص مثل مونتسكيو صاحب كتاب روح القانون سهر الليالي وقدم اعظم نظرية سياسية في التأريخ قبل مائتي عام تقريباً لإدارة الدولة مازالت الانظمة الليبرالية تدين له بالفضل في تأسيس الدولة الحديثة التي أبعدت شبح الحروب من اجل السلطة ووضعت الاساس لفصل السلطات ، أيجوز ان ننسى فضله ونتبع من جاء بحديث او نص ديني ليعلن أحقيته في قيادة الدولة مدعياً هو من يمثل الله في الارض دون ان نجد له اية علمية في اطروحاته بل العكس نجد الكراهية والفتنة والظلم والفساد ، فهل من الإنصاف ان نساوي بين عظمة مونتسكيو وعلميته وهذا الذي وضع لفافة قماش ابيض او اسود على رأسه وقال انا وكيل الله في الارض وادعى بأن النظام الديني الذي هو يمثله افضل نظام لقيادة الدولة ، ماذا كانت ثمرة افكار مونتسكيو وماذا كانت ثمرة افكار ذلك المعمم ؟ الاول ثمرة افكاره بناء دول كبرى عظمى وبناء إنسان نموذجي رائع وبناء صرح حضاري يتحدى الفضاء ويتحدى الكون والثاني كانت ثمرة افكاره تخلف وبربرية ودموية وفساد وضياع للبلدان وقطيع من الناس مسلوبي العقل والإرادة ، هنيئاً للشعوب التي عرفت طريق الحق فأتبعته وعرفت الباطل فتجنبته وحظاً اوفر لمن هو في سبات عن المعرفة ومازال يراهن على وكلاء الله في الارض .
نحن احوج ما نكون للمعرفة التي تفتح بصيرتنا ونعلم من هم الصادقون ومن هم الكاذبون ومن هم الذين يتلاعبون بعقول الناس من أجل مكاسب ضيقة ومن هم الذين كلماتهم غذاء للروح والعقل ، وحينها نستطيع مواكبة اهل العلم والتكنلوجيا والصدق والاخلاق ونكون قد أنصفنا أنفسنا وأنصفنا ديننا لأننا نكون قد تنظفنا من ادران التخلف وعرفنا الطريق الصحيح للمعالي ، فالعواطف الفائضة والميل الزائد للعواطف هو انكماش وضعف ولا يوجد مبرر للكذب امام الحقائق التي بين ايدينا .