تُقسم الدساتير من حيث كيفيّة تعديلها إلى, دساتير جامدة وهي التي يتمّ تعديلها بإجراءاتٍ مشدّدة جداً، والمرنة وهي التي تُعامل من حيث إمكانيّة التعديل معاملة القوانين العاديّة المعمول بها في البلاد. في حين تقسمُ الدساتير من حيث المدّة إلى: الدساتير الدائمة وهي التي لا يتمّ تحديد مدة زمنيّة معيّنة للعمل بها، والمؤقّتة وهي التي توضع فقط لفترةٍ زمنيّة محدّدة. وتعتبر الدساتير العرفية الأسبق وجودا فإلى أواخر القرن الثامن عشر اعتمدت ممالك أوربا في تنظيم شؤونها السياسية على قواعد الدستور العرفي , لكن الجدل القانوني حيث إتجه الكثير من الفقهاء في القانون الدستوري ، إلى أن العرف الدستوري مثله مثل النص المكتوب،إن هذه النظرة قد تكون مقبولة فيما يخص الأعراف الناشئة لاستكمال نصوص الدستور، لكنها مغالية كثيراً عندما يتعلق الأمر بإلغاء نصوص الدستور المكتوبة ، وعليه ,فإن الاتجاه الأكثر اعتدالاً لا يقبل المساواة بين النص المكتوب والعرف الدستوري لكن فكرة الدساتير قد ترسَّخت وانتصرت حركة التدوين وأصبحت من بديهيات الدول الحديثة، بإستثناء بريطانيا ليس لديها دستور مكتوب،فانه ما من دولة عصرية تقبل بغير حكم الدستور فالطرق الاعتباطية في حكم الدول قد ولى زمانه(1). وحيث إن الأصل فى النصوص الدستورية أنها تعمل فى إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجاً متآلفاً متماسكاً، بما مؤداه, أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض، وإنما يقيم منها فى مجموعها ذلك البنيان الذى يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوََم لدعم مصالحها فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولايجوز بالتالى أن تُفسّر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها، ولا أن يُنظر إليها بوصفها عامة تتحمل أكثر من تفسير بل يجب ان تكون جمل تامة لا يعتريها أي شك أو إلتباس ، أو باعتبارها قيماً مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي.
أنَّ قيمة الدساتير تكمن في أنها الضامن الحقيقي للحقوق و الحريات ، و الكابح الرئيسي لطغيان سلطان الدولة و المُنظِّم لمسألة تداول السلطة بصورة سلمية ، إذ لولا وجود الدساتير لتعرضت الحريات العامة للخطر، ولتحولت السلطات العامة إلى أدوات طغيان بلا حدود ، غير أنه كثيراً ما يلاحظ أن قواعد الدستور لا تنجح في أداء مهامها، فقد ولدت الكثير من الأنظمة الدكتاتورية في ظل وجود دساتير مكتوبة ، وقد تزدهر الحريات والحقوق في ظل التقاليد والأعراف الراسخة دون حاجة لوجود دستور مكتوب, والدستور ركن أساسي من أركان الدولة الثلاثة الارض ,الشعب, والدستور, وهو القانون الأسمى في الدولة، والذي يتمّ من خلاله تحديد شكل الدولة، وحكومتها، ونظام حكمها، وطبيعة السلطات، واختصاصاتها، والعلاقات فيما بينَها، وحدودها، إلى جانب تحديدِه لحقوق المواطنين أفراداً، وجماعاتً، وضمان أداء هذه الحقوق لهم. إن الدستور لا بد وأن يقبل التعديل بحكم طبيعته, لأنه قانون, وقواعد القانون أياً كان مصدرها قابلة للتغيير والتبديل تبعاً لتغيير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل دولة. لهذا فإن الدستور وهو القانون الأسمى في الدولة يجب أن يكون ذا طبيعة متجددة في جميع أحكامه كأي قانون آخر بحيث يكون قانون قابل للتعديل حتى يستطيع أن يساير مقتضيات تطور المجتمع, وإلاّ أصبح معرَّضاً للتعديل الكلي عن طريق الثورة أو الانقلاب. ويُعتبر الوثيقة الأهم في حياة أي شعب ليس لأنه ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم فحسب بل أيضا لأنه يحتوي على القيم السياسية والاجتماعية المعبِّرة عن الهوية الجمعية للشعب. كما يحتاج قيام نظام ديمقراطي فعّال دستوراً يتبنى دون مواربة القيم الديمقراطية وينص على الحقوق الشخصية والحمايات القانونية اللازمة لترسيخ هذه القيم وصيانتها. ولهذا السبب نالت قضية صياغة الدستور العراقي اهتماماً كبيراً على الأصعدة المحلية والاقليمية والدولية وهو اهتمام مبرر إذ سيساهم هذا الدستور، وبصورة كبيرة، في تحديد شكل الدولة العراقية ونظامها السياسي على مدى سنوات طويلة قادمة. بل ووجود العراق كبلد موحد وفاعل في محيطيه الإقليمي والدولي، وسيُعتَمد إلى حد كبير على وثيقة الدستور وقدرتها على توفير الإطار القانوني-السياسي السليم لبناء دولة القانون والمؤسسات، وهو بناء لابد منه لضمان سلاسة التحولات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية الضرورية لتحويل العراق الى بلد ديمقراطي متماسك ينعم بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والانسجام الاجتماعي.
الأنظمة العربية في مجملها لم تصل إلى مفهوم الدولة القانونية والى فلسفة الديمقراطية كأسلوب لسلطة الحكم في قيادة الدولة والمجتمع، مما يفسر عدم ترسيخ القيم الدستورية في المجال السياسي العربي، والحاجة إلى تحقيق نقلة نوعية لانتصار الشرعية الدستورية في الأنظمة السياسية العربية. الاصلاح الدستوري يعني تحقيق مصطلح ”الدستور الديمقراطي” حيث أنه يشترط أن يكون للدولة دستوراً يُحدد حكمها وطبيعة نظامها وينظم علاقات سلطتها، ويضمن حقوق وحريات أفرادها، إلاّ أن الدستور وحده لا يكفي لاكتساب الدولة المشروعية المطلوبة. بل تصبح هذه الأخيرة حقيقة مقبولة حيث تتعزز وثيقة الدستور بالاحترام، وتحاط بالشروط الكفيلة بضمان صيانتها، أي حين تتحقق الشرعية الدستورية. وقد نَصَّت الدساتير جميعها على حرية الاعتقاد والضمير، وأكدت، حيث هناك تعددية في المجتمع، على كفالة ممارسة الشعائر الدينية بما لا يخالف النظام العام. لكنها نظمت قوانين الأحوال الشخصية إما على أساس مرجعية الشرع الإسلامي وفق المذهب الغالب ، أو هي أعطت للجماعات الدينية حق تنظيم احوالها الشخصية في إطار مذهبها. وينصرف القول إن الإسلام مصدر من مصادر التشريع إلى الأخذ في الاعتبار دين غالبية الجمهور وأحواله الشخصية التي ترتبط بالشريعة الإسلامية. بينما مرجعية الشريعة تعني السلطة السائدة على التشريعات، أما الفقه فهو ينطوي على القبول بتعدد المذاهب والاجتهاد والمصالح المرسلة.
إن أهم ما يميز الدستور الديمقراطي ويجعله جديراً بهذه الصفة هو استناده إلى جملة من الصفات التي تضفي صبغة الديمقراطية عليه وتبعده عن الدساتير الموضوعية. الدستور وجِدَ عموماً لتقييد السلطات عن التمادي وصيانة الحقوق الأساسية للإنسان، فلا فائدة من دستور إذا قصدت السلطات الحاكمة عدم تطبيقه، كما أنه لا فائدة في وجود من يحسن تطبيقه، إذا كان الدستور الذي يطبقونه ناقصا معيبا (2) ، فوجود دستور متكامل (3) ضروري، كما أن وجود من يحسن تطبيقه ضروري أيضا. إذا كانت بعض الأمم يعيرون القليل من الانتباه إلى ما كتب في دساتيرهم، فما جدوى كتابة الدستور, إذ أن الدساتير تحقق العديد من الأدوار فهي تُعبِّر عن المثل الوطنية، وتنظيم هيكلة الحكومة، وتبرر حق الحكومات في الحكم. ولا يمكن أن يكون الدستور ديمقراطياً، إذا لم يخلق حالة جديدة من الولاء الوطني العام لدى كافة مكونات المجتمع كبديل لهذه الانتماءات العنيفة.
الدّستور يُظهر مدى وعي وتحضر الشّعب ، وتطلّعاته، وإصراره على الحياة الحرة الكريمة، ونتاج التّحوّلات الاجتماعيّة العميقة الّتي أحدثها، وبموافقته عليه يؤكّد بكلّ عزم وتقدير أكثر من أيّ وقت مضى سموّ القانون. وبعض الدساتير تتضمن في مستهلها ديباجة او مقدمة وتحتل المقدمة صدر الوثائق الدستورية وبدايتها قبل سرد موادها المختلفة وتتناول المباديء الأساسية التي يحرص عليها المجتمع والفلسفة التي تُحدد صورة المذهب السياسي والاجتماعي في الدولة وبصفة خاصة ما يحرص عليه الشعب من حقوق ويتمسك بها,وبتعبير آخر تتضمن المقدمة الإشارة إلى منابع الدستور والمباديء التي يقوم عليها والأهداف التي يسعى المجتمع لتحقيقها وترسم المقدمة الخطوط الرئيسية التي يبتغيها واضع الدستور كمنهج لسياسة الدولة وإرادتها. لإنّ الدّستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحرّيّات الفرديّة والجماعيّة، ويحمي مبدأ حرّيّة اختيارات الشّعب، ويضفي المشروعية على ممارسة السّلطات، ويكرّس التداول الديمقراطي عن طريق انتخابات حرّة ونزيهة. ويكفل الفصل بين السلطات واستقلال العدالة والحماية القانونيّة، ورقابة عمل السّلطات العموميّة في مجتمع تسوده الشّرعيّة، ويتحقّق فيه تفتّح الإنسان بكلّ أبعاده. والدساتير لا تأتي جاهزة أو ناجزة منذ البداية، فهي تعكس إجماع وتوازن القوى السياسية والمجتمعية في الوقت الذي تكتب فيه، ويمكن إدخال بعض التعديلات عليها مع تبدل هذا الإجماع لكن الدستور من الناحية الأخرى ليس وثيقة عادية، فهو عقد اجتماعي بين المواطنين ودولتهم، ولذلك فإن عملية تعديله لا بد أن تخضع لضوابط وقواعد متفق عليها من قبل أغلب الفرقاء، كما أن هذه التعديلات لابد أن تستند على قاعدة توسيع مجال الحقوق والحريات وليس التضييق عليها وهي في الأخير لا يجوز أن تمس المبادىء الأساسية للبناء الديمقراطي الأساسي للمجتمع.
——————
1-إبراهيم أبو خزام،الوسيط في القانون الدستوري:الدساتير و الدولة و نظم الحكم،دار الكتاب الجديد المتحدة ، ، 2010،
– الاولى، 2009 ، ص 352-2-عطا بكري، الدستور وحقوق الانسان، مطبعة الرابطة، بغداد، 1993 ، ص5.
-سرهنك حميد البرزنجي، مقومات الدستور الديمقراطي وآليات الدفاع عنه، دار دجلة للنشر، العراق، الطبعة