الفساد مرض فتّاك وخطير، وما أن يصيب مجتمعاً إنسانيًا إلا وسيقوده إلى الهلاك والدمار، والفساد متجذر في التأريخ وقديم قدم طموحات النفس البشرية وتتعدد اساليبه وآلياته طبقًا لتطورات الحياة، وبات اليوم علمًا وفنّاً وشجاعةً وكأن الفاسد قد تلقى علوم الفساد من أرقى الجامعات العالمية شهرةً.
الفساد بأقصر تعريفاته هو الحصول على منفعة ما سواء كان مالًا أو غير ذلك بطريقة غير قانونية مستغلًا موقعه او نفوذه في وقت انه لا يستحق ذلك ولا يهمه حق الناس أو الاعتداء عليهم.
المجتمعات البشرية عرفت منذ البداية خطورة هذا المرض العضال وتأثيراته المدمرة، فبادرت إلى تشريع القوانين والأنظمة للحد منها وإحقاق الحق والعدل والمساواة وردها إلى أصحابها.
القوانين تُشرّع لمنع الظلم والطغيان وبناء المجتمع السليم الامن الخالي من كل أشكال العنف والارهاب.
ومن أجل تحقيق العدالة فإن سياسة جميع المشرعين تكاد تكون مشتركة في تحقيق التوازن بين جسامة الجريمة ونوع العقوبة المقررة لها فليس من العدل ان يكون الجريمة كبيرة ومؤثرة ويقابله عقوبة بسيطة، او ان تكون الجريمة مجرد مخالفة ويقابلها عقوبة جسيمة، فالجرائم الخطيرة يقابلها عقوبات قاسية وشديدة لتحقق هدفها الذي يكمن بالردع الخاص رالردع العام.
الفساد جريمة خطيرة وعالجها المشرعون بوضع عقوبة قاسية وجسيمة.
إن الامر العجب في هذا الموضوع هو سماع أخبار تنشر عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي بإن شخصًا معينًا كان متهمًا بالفساد قد تمكن من الهروب من قبضة العدالة وبمساعدة أشخاص معينين وهرب من السجن او أنه تمكن من الفرار الى خارج دولته عبر مطار معين بعد ان حوّل كل ما أستولى عليه بطريقة غير مشروعة الى بلد اخر ، هذا يمثل فسادًا متداخلاً بل ان مساعدة الفاسد للهروب هو الاسوأ والأخطر.
ومن جانب ثاني ان تعاملاً آخراً بدأت حكومات المنطقة تتعامل بها مع الفاسدين المتطفلين بعيداً عن القانون وما شرع للحد منه، وهي بعد أن تثبت بالدليل القاطع ان فلانًا فاسد واخذ أموال طائلة وأستحوذ عليها بطرق غير شرعية يتم تمثيله أمام لجنة تحقيقية وبعد تدوين إعترافاته بدقة وتفاصيل، فبدلًا من إحالته إلى المحاكم المختصة أو هيئات الرقابة والنزاهة، تقرر اللجنة التحقيقية ولأسباب سياسية أو أجتماعية أو أقتصادية بإلزام الفاسد باسترداد مبلغٍ معين من ما حصل عليه قد تصل إلى الربع أو النصف وتسليمه إلى اللجنة مقابل إطلاق سراحه لينعم هذا الفاسد بما بقي له من ثروته الذي جمعه على حساب وظيفته او منصبه، مرفوعًا برأسه ومنتفخاً بصدره كأنه حقق المنجزات الكبيرة وصنع المعجزات وكان صراطه مستقيمًا واختياره لطريقة حياته ناجحًا وأمينًا وفاتحًا السبيل لغيره بالاقتداء به والاستفادة من تجربته والانخراط في جسم الشعب بالفساد والاستغلال.
هذا النوع من التعامل مع هذه الجريمة له تداعيات سلبية آنية ومستقبلية وبهذا الاجراء البسيط سيوفر حصانة للفاسد ويجعل منه مخلصًا وفيًا خاصةً عندما تكون إجراءات اللجنة التحقيقية ذات طابع سري ولا يعتبر منه غيره ومن جانب آخر يضرب هيبة القضاء وهيئات النزاهة والرقابة عرض الحائط عندما تقف متفرجة لما يحدث لا حول لها ولا قوة.
ان الطريقة السويّة للتعامل مع الفاسدين هي إحالة ملفاتهم إلى القضاء وإبداء الدعم اللازم له لاتخاذ أقصى الاجراءات القانونية ضدهم ويجعل منهم عبرة لكل من تسول له نفسه ان يرتكب هذه الجريمة بالإضافة إلى ان المحاكم ستقرر أسترجاع كل ما أستولى عليه المدان في قضايا الفساد الى خزينة الحكومة.
بغير هذا الإجراء سيكون الفاسد فائزًا ومستتراً وربِ الكعبة!
٢١/٥/٢٠٢٣