أيهما أولى الإنسان أم المعتقد :- كامل سلمان

في البلدان التي تحكمها أحزاب عقائدية ايدلوجية او دينية ، فأن العقيدة أولى من الإنسان ، وما على الإنسان الا ان يكون حطباً من اجل العقيدة ، في دساتير الدول الغربية وفي قوانين المنظمات الدولية الحالة تماماً بالعكس بمعنى أن الإنسان فوق العقائد والأديان قيمة و أهمية ، فجعلوا الإنسان أول اهتماماتهم فكل شيء من أجل الإنسان وليس الإنسان من اجل الدين او المعتقد او الأيدلوجية ، فتغيرت حياتهم بشكل مذهل لم يكن يتوقعوها ، فأصبحوا في عالم أخر أو بالأحرى في كوكب أخر من الازدهار و الرقي . يقول اصحاب المعتقد الديني ولكن الله أمرنا أن يضحي الإنسان بنفسه من اجل الدين وهذا يعني ان العقيدة اولى من الإنسان كما جاء في النصوص القرآنية ، فمخالفة النص القرآني عصيان لله . اقول هذا الكلام تحريف لجوهر القرآن ، لأن أصل نصوص القتال والتضحية في سبيل الله حسب النصوص القرآنية هو الدفاع عن النفس يعني الدفاع عن الإنسان وحفظ وجوده بقوله تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير ) اي ان الله اعطى الأذن بالقتال دفاعاً عن النفس فقط ورفع المظلومية عنها وهذه هي اول اية نزلت في القتال وقد ثبتها المفسرون بأنها أساس آيات القتال والجهاد المذكورة في القرآن بمعنى جميع ايات القتال هي دفاعية بالأساس . والدفاع عن النفس والدفاع عن الإنسان يعني الدفاع عن الممتلكات التي جمعها هذا الإنسان لنفسه ، يعني الدفاع عن الخصوصيات يعني الدفاع عن الارض التي يسكنها هذا الإنسان ، يعني الدفاع عن المعتقد او الدين الذي يخص هذا الإنسان ، وما غير ذلك يعتبر ظلماً وعدوانا إذا فعلها المؤمن بالله ، وان الله يقول ( ان الله لا يحب المعتدين ) فمن ضحى بالإنسان من أجل الدين او المعتقد وفي سبيل نشر المعتقد او الدين فقد اعتدى على الله اولاً ثم اعتدى على الناس بدون ذنب ، وحتى المشرك والكافر أوجب الله احترامهم وعدم المساس بهم وعدم الإساءة اليهم عندما لا تصدر منهم إساءة بقوله تعالى في سورة التوبة ( فما استقاموا لكم فأستقيموا لهم ) أي الكفار والمشركين . أن الدول التي تحكمها احزاب عقائدية لا تعير أية أهمية للإنسان لأن العقيدة بالنسبة لها فوق الإنسان وتصغير وتحقير العقائد المخالفة جزء من ايدلوجيتهم في الحكم لذلك تجد في مثل هذه الدول والمجتمعات حقوق الإنسان مهدورة وكرامته مهدورة بحجة العقيدة او الدين ، وحقوق الاديان والعقائد المخالفة ضائعة .
هذه هي أصل العلة في حياة مجتمعاتنا المتخلفة اي العقيدة أصبحت اولاً وهذه هي بيت الداء وهذه هي الكارثة التي لا تفارقنا لأن اصحاب العقائد لا يمكن ان يرتقوا الى معنى قيمة وكرامة الإنسان فوق كل شيء ، فهذه بالنسبة لهم مخالفة للسلف الصالح و للقرآن وما فعله السلف الصالح وما يفعلونه الآن صح حسب اعتقادهم حتى وان كان فيه إهانة لكرامة الإنسان . ان العدو الاول للإنسان هو نفسه الإنسان الذي يحرف الحقائق ولا يحاول تصحيح نفسه والمفاهيم التي تلبست في رأسه ، مما جعل التابعين لهؤلاء من عامة الناس الذين يجهلون قيمهم الإنسانية قطيع تائه يلهث وراء اصحاب العقائد بشكل جنوني وبالضد من أنفسهم .
لماذا يحدث كل ذلك تحديداً في مجتمعاتنا ؟
يحدث كل ذلك تحديداً في مجتمعاتنا لأنه لا يوجد من يعترض ويعرض الحقائق وذلك بسبب الخوف وبسبب وجود العوامل التي تغذي الانحراف العقائدي وأهمها العواطف الفائضة التي تغلب العقل والتي يعتمد عليها كثيراً أصحاب التحريف ، والعشائرية التي تضعف القانون إضافة الى الفقر والحرمان الذي يشغل عقل الإنسان ويدمره والعادات المتوارثة ، هذه العوامل تغذي بأستمرار الطريق المنحرف وتعطيه مقومات البقاء وهذه العوامل متجذرة في عقول الناس وهي بالضد من كرامة الإنسان وبالضد من مصالحهم بالرغم مما يرونه من فارق كبير عند المجتمعات التي اعطت للإنسان الاولوية لإن الإرادة أصبحت معدومة ولا مجال لإعادتها . مثل هذه الحقائق بحاجة الى اقلام نزيهة حرة لتعميمها وإيصالها الى ابسط فرد في المجتمع ، فأنه من الظلم ان يفقد الإنسان كرامته ووجوده إرضاءاً لأصحاب العقائد المنحرفين الضالين ثم لا يجد هذا الإنسان الخاسر سوى التوسل الى الله ان يعينه ويرزقه ويخفف عنه آلامه التي هو صنعها بيده عندما رضى ان يكون تابعياً اعمى أمتثالاً للدين او العقيدة كما يظن . لا يوجد ظلم الا وكان المظلوم هو راغبها بداية ، عن وعي او عن غفلة .
نحن نتألم ونتحسر الى ما آلت إليه حالة الإنسان في مجتمعاتنا ونتألم أكثر عندما نرى الإنسان لا يساعد نفسه للتخلص من هذا الوهم العقائدي ، وتزداد حسرتنا مع الذين يكتبون المقالات التي تصب في دعم هذا التخلف من منطلق عقائدي وكأن كرامتهم وإنسانيتهم كتب عليها الموت الأبدي .
تنوير العقول واجب اخلاقي وإنساني ولا يصح التهاون بها ولا يصح تجاوزها فالحياة طعمها ولذتها في وجود الإنسان الحر المتحرر من كل شيء سيء يضر ولا ينفع ، ومن واجب المثقف دراسة الاولويات وطرحها كما هي لكيلا يكون بعيداً عن افكار الناس وتطلعاتهم التي طمستها شهوات اصحاب المعتقدات الملوثة .
لا يعلو على الإنسان أي شيء ، وكل المعتقدات والديانات إنما وجدت لخدمة الإنسان لا لسحق الإنسان وتدميره وما يحصل في بلداننا لا يمكن ترميمه الا بعزل المعتقدات والدين ورجال الدين عن الحياة وعن الدولة لكي يتسنى للناس اعادة وجودهم الإنساني المفقود .
نريد إنساناً محترماً ونريد ديناً محترماً ونريد حياة محترمة وهذه كلها مترابطة ببعض ، لا تحققها الامنيات والاحلام بل تحققها نزول العقل الى الساحة ليكون بديلاً عن كل الخرافات والخزعبلات وبديلاً عن النصوص الثابتة .
ما قيمة الدين او المعتقد إذا خرب عقل الإنسان وضاع وجوده الإنساني ؟ فهل ضاع الإنسان عند الذين أعطوا له الأولوية أم أنه ضاع عند الذين أعطوا للعقيدة الأولوية ؟ أنظروا الى الواقع تحصلون على الجواب .

2 Comments on “أيهما أولى الإنسان أم المعتقد :- كامل سلمان”

  1. تحيه تقدير واحترام لجنابكم …. ونتمنى المزيد من الشجاعه في تبيان الحقيقه .. والحق ليس البشر فرضوا علييهم بأن يكون دمى للمعتقد ولكن النصوص النازله من سبع سماوات فرض عليهم٣ ذللك… هل بامكاننا معارضه السور مثلا الانفال. الماءده .محمد. التوبه .الكافرون. وكل الوتر المدنيه ومن غير الاحاديث النبويه الشريفه ( ولا ينطق عن الهوى إلا…..) مثلا ولا تسالموا اليهود ولا النصارى واذا لقيتهم في طريق فضايقهم الى الاضيق..او لا تجنحوا الى السلم وانتم الاعلون ..انما المشركون نجس…وهذا غيض من فيض. تحيه اجلال للكاتب القدير

    1. استاذ خدر ، الموضوع يصب الاهتمام والتركيز على الاولوية لقيمة وكرامة الإنسان والدفاع عنه ، وهذه النقطة هي اساس كل مشاكلنا يعني ضياع قيمة الإنسان لا يوجد بعدها شيء آخر يخسره الإنسان ، شكراً لأراءك رغم عدم اتفاقي معك .

Comments are closed.