الدبلوماسية الأمريكية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من خلال زيارة وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن للمملكة العربية السعودية بعد أن أخذ بوادر انبثاق تحالف لدول الخليج الفارسي وشمال المحيط الهندي بالظهور والبروز في إقامة نوع من التحالف العسكري فيما بين دولها، ومن جانب اخر وزراء خارجية إيران والسعودية والهند، عقدوا في الأسبوع الماضي اجتماعات منفصلة على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة بريكس في جنوب افريقيا، ناقشوا سبل تعزيز التعاون بين الدول الثلاثة، في إطار العلاقات بين أعضاء المجموعة والدول الساعية إلى عضويتها. من شأنه “تحييد” دور الأسطول الخامس الأمريكي في المنطقة فقد اعلن قائد القوات البحرية الإيرانية الأدميرال “شهرام إيراني” أن دول الخليج بالمشاركة مع كل من الهند وباكستان في طريقها لبناء تحالف بحري لمنطقة شمال المحيط الهندي، تكون مهمته حفظ الأمن والسلام في تلك المنطقة ، ومن المتوقع أن تكون ضمن مهام هذا التحالف ضمان حرية المرور البرئ للسفن عبر مضيق هرمز وفي بحر عُمان، في طريقها من و إلى المحيطات المفتوحة: الهندي والأطلنطي والهادي. وفي السياق نفسه فقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة انسحابها من القوة البحرية المشتركة “سي إم إف”، التي تم تأسيسها تحت إشراف القيادة المركزية الأمريكية.
ولاشك ان تأسيس مثل هذا الحلف سوف يضعف لو صح التعبير دور القوى الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة مثل بريطانيا وفرنسا ، وقد جاء الإعلان عن السعي لإقامته قبل أيام مع قرب الزيارة التي قام بها للسعودية وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في الفترة من 6 إلى 8 يونيو الحالي لمناقشة التعاون الاستراتيجي الثنائي بين البلدين، وكان فيها لقاءات مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووفود من الدول المشاركة في التحالف العالمي ضد “داعش” كما كان التصريح عنه. في هذه اللقاء تم مناقشة العلاقات السعودية الخليجية مع إيران، ورغبة الولايات المتحدة في تسهيل مهمة إقامة علاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل التي تضغط على الولايات المتحدة من أجل أن يكون تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض على رأس أولويات محادثات بلينكن في السعودية. وتخشى أن يكون توسيع نطاق العلاقات بين السعودية وإيران ضربة لاتفاقيات ابراهام، التي تعتبرها إسرائيل الأساس الجديد لعلاقاتها مع الدول العربية، نظرا لأنها لا تتضمن شروطا تتعلق بتسوية القضية الفلسطينية، وتفتح الباب لدمج إسرائيل دمجا كاملا سياسيا واقتصاديا وأمنيا في المنطقة من خلال ترتيبات “منتدى النقب”، الذي يضم إسرائيل والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية من بينها الإمارات ومصر والمغرب،إلى جانب رسالة مهمة نقلها وزير الخارجية الأمريكي إلى الجميع لتضييق نطاق التعاون مع كل من روسيا والصين. والانفتاح الإقليمي على دمشق حيث يُعقد مؤتمر “دعم سوريا” في بروكسل بالتوازي مع انفتاح إقليمي واسع على دمشق، وظهر ذلك في محاولات تركيا الوصول إلى تفاهمات مع سوريا، وتقليص حدة التوتر بين البلدين برعاية روسية ومشاركة إيرانية. ويمكن أن تساعد عودة العلاقات مع أنقرة في احتواء بعض الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها البلدين ، وهناك اتفاق بين الجميع تقريبا في داخل تركيا وخارجها على أن الإقتصاد هو التحدي الأكبر الذي يواجه حكم إردوغان في اليوم التالي للانتخابات. إردوغان نفسه يعرف ذلك. لكن النظرة السلبية إلى سياسة إردوغان الاقتصادية التي تنطلق من منصة صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي فضلاً عن أن استدارة أنقرة ناحية دمشق تمنح الأخيرة فرصاً أكبر لمواجهة الضغوط الغربية المفروضة عليها.
هذه التطورات السريعة في المنطقة تأتي بعد زيارات تمهيدية قام بها للسعودية مستشار الأمن القومي جيك سوليفان لمناقشة سبل تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين التي شهدت فتورا نوعي في العلاقة في مجالات مختلفة و التغييرات الجيوسياسية في المنطقة ، إضافة إلى زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كورييلا في الشهر الماضي لمناقشة تطوير التنسيق العملياتي والمناورات المشتركة مع القوات السعودية والتي لم تأتي بشيء.
عبد الخالق الفلاح باحث واعلامي