نظرية الفكر المقارن ، هي نظرية البحث عن الفكر السليم الذي يتحول الى طاقة إيجابية في عقل الإنسان ، هي نظرية الرسو الى بر الأمان . أعطاء العقل القرار الصحيح وابعاده عن الشك إنجاز كبير ، الشك هي المرحلة المتقدمة من بناء العقل ولكن لا يمكن استمرارية مرحلة الشك الى مالا نهاية ، ولا يمكن الخروج من هذه المرحلة الا بالمقارنة الفكرية او ما نسميه نظرية الفكر المقارن . صحيح ان الشك كما يسميها الفلاسفة بداية اليقين ولكن كيف ؟
أنت إذا أردت ان تختار أتجاه فكري معين وتعيش بكل اطمئنان مع هذا الاتجاه الفكري وتكوّن لنفسك حصانة نفسية آنية ومستقبلية يجب ان تضع هذا الفكر المختار في كفة ميزان تقابله في الكفة الثانية النقيض لهذا الفكر بدراسة معمقة وتفصيلية لكي يكون أختيارك يقيني ، فمثلاً أنت ولدت إنساناً في بيئة صنعتك مسلماً سنياً وتريد ان تجعل معتقدك هذا الذي ولدت معه وتغذيت من افكاره منذ نعومة أظافرك يصل درجة اليقين بالنسبة لك ، نعم يمكنك ذلك عندما تضع دينك ومذهبك امام ثلاثة متناقضات بنفس العمق والكيفية ، الاول نقيض الدين والايمان و هو الإلحاد فيجب الغوص في الإلحاد ومعرفة جوانبه ومرتكزاته ودراسته دراسة مستفيضة ، لكي تصل الى مرحلة نظرة الإلحاد المطلقة للدين والإيمان كي تفهم معنى الإيمان من وجهة نظر الإلحاد ، فإذا أنتصر عندك الإيمان وتغلب على الإلحاد في داخلك ومالت الكفة لصالح الايمان عندها تستطيع ان تقول انا مؤمن ، الثاني تقارن دينك بأقرب الديانات قوة في العالم كالمسيحية مثلاً وتتعمق بالفكر اللاهوتي المسيحي وتدرس الإنجيل من وجهة نظر مسيحية صرفة ، فإذا مالت كفة الإسلام عندك عندها تستطيع الإدعاء بإنك مؤمن بالله وعلى منهج الإسلام ، يشترط دراستك للإلحاد والمسيحية الصدق والانفتاح بعيداً عن الكراهية ، لا الدراسة للجوانب السلبية فقط للنقيض ، الثالث لتثبيت مذهبك السني عليك ان تخوض في دراسة عقائد المذاهب النقيضة لمذهبك وهنا الشيعة هم النقيض الأكبر للسنة ، فإذا تجاوزت هذه المقارنات الفكرية سيكون إيمانك يقيني وإيمانك فيه نتاج إيجابي للمجتمع البشري ، وسيكون إيمانك خالي من الشذوذ والجهل والعصبية على اعتبار أنك خضت في الجانب الإيجابي لنقيض دينك ومذهبك ، أنت إذاً إنسان واعي لأن إيمانك جاء عن طريق نظرية الفكر المقارن الذي يعطيك اعلى مراتب الثقافة فتكون مسلماً سنياً إيجابياً مثمراً حينها لا ينتابك شك في دينك ومذهبك ، وهذا الكلام يشمل جميع المعتقدات والافكار ، لكن بالنسبة للإنسان العلمي اللاديني قد لا يحتاج الى البحث عن النقيض للعلم او البحث عن الأهمية الدينية لأنه سوف لن يغير من حبه وشغفه بالعلم فالإنسان العلمي او اللاديني كل همه العلم الذي لا يختلف عليه إثنان بأن ثمرة العلم يستذوقه الجميع .
عالمنا اليوم مليء بالافكار اللا يقينية ، يفرضها المجتمع او تفرضها البيئة او مجرد تقليد أي ان الناس ملقنة التعاليم دون إرادتها ، اللا يقينية يعني اللا راحة بال اللا اطمئنان اللا سعادة ( أكثر الناس يصابون بالازمات النفسية هم اللا يقينون ) ، وهذا هو السر الأول لمعظم الهموم ولمعظم الافكار السلبية التي تعصف بالمجتمعات .
لماذا يؤمن الإنسان بشيء وهو ليس على يقين به ؟ لإنه لا يستطيع الفرار منه فقد زرعه المجتمع وزرعته العائلة وزرعته العادات في عقل الإنسان وهي لا تقدم الراحة النفسية والقناعة العقلية للإنسان ورغم ذلك متمسك بها ، وهناك خوف كبير من مغادرة الافكار المزروعة منذ الصبا وبعض انواع الخوف قد تنهي حياة الإنسان او تدخله الجنون بمجرد ان يغادر الافكار المزروعة لأنها تمت زراعتها في عقل الإنسان ومعها العواقب الوخيمة في حالة نزعها ، فالخوف من العواقب هي الحاجز الأكبر وليس ذات المعتقد او الفكر المزروع . وأكثر الأفكار المعيوبة هي أكثرها احتواءاً للخوف وأكثرها حاملة في طياتها عواقب سيئة في حالة التمرد عليها ، يضاف اليها أحياناً القتل او الرجم عند الردة كقانون يضعه اصحاب المعتقد لمنع اي خروج عن المعتقد ولتكتمل صيغة السجن الأبدي للعقل .
لا يمكن ان نضع العلم او اللا دين او اللا معتقد في خانة اللا يقين لأن هذه الحالات الثلاثة لا تخضع لإرادة المجتمع او العائلة او العادات فهي متحررة من الأساس منها ، وأيضاً العلم واللا دين او اللا معتقد هن ليست اعتقاد واعتناق .
المعتقد الديني وغيره فقط هو الذي يبحث عن الإثبات والدليل ، إذاً هو الذي يجب ان يدخل مخاض المقارنة اعلاه .
أي إنسان لأجل ان يكون طبيعياً ومتحرراً ومنفتحاً عقلياً يجب ان يجبر نفسه في معرفة خواص النقيض لمعتقده مهما كانت المحاذير أمامه شديدة والا فهو سجين حتى الموت .
الفائدة من فهم واستيعاب النقيض هو معرفة عيوب المعتقد الذي يؤمن به الإنسان ثم يكون من بعده مطمئن عندما يتيقن بأن العيوب لا قيمة لها . أما إذا وجد بأن تلك العيوب جديرة بالاهتمام والتركيز فيجب التعامل معها تدريجياً لكي يصل المكان الآمن عقلياً ،
من الظلم ان يحرم الإنسان نفسه من هذه الفرصة التي تتوفر للجميع وخاصة نحن نعيش عصر توفر الفرص من خلال الانترنيت الذي يوصل الينا كل الحقائق .
قد يصل احدنا الى مرحلة فكرية جديدة ويجد في هذه المرحلة الفكرية ضالته ولكن ستبقى جذور المرحلة القديمة غير مستأصلة بشكل كلي .
مهما كان الإنسان معجباً ومنبهراً بالافكار التي زرعت في عقله يجب عليه ان يتذكر بأن تلك الافكار لم تكن وليدة اختياراته اي ان عقله لم يقررها عن جهد وبكامل الارادة فهو ثوب لبسه عنوة وليس من حقه القول بأنه مقتنع .
فهي إذاً ثلاثة مراحل لا مناص منها لكي يرتاح العقل ، مرحلة اللا يقين ثم مرحلة الشك ثم مرحلة اليقين يتنقل بها الإنسان كضرورة عقلية ليعلن الإنتصار على ذاته ويعطي للعقل استحقاقه بأنه موجود .
القليل منا يرغب بتحرير عقله واعطاءه مستحقاته ، وهذا هو طبع البشر ، دائماً القلة هي الطبقة النبيلة في المجتمع وهي الطبقة التي عانت كثيراً لأجل الوصول الى بر الأمان .
هي الطبقة التي لا تريد ان تعيش تحت ظل افكار الاخرين ، من هذه الطبقة يتخرج العلماء والفلاسفة والمفكرون .
الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت وفلاسفة القرون الوسطى أعتبروا الشك هو مفتاح الوصول الى اليقين ، وهذه الفلسفة رغم شيوعها ومقبوليتها عند اصحاب العقول العلمية الا إنها تحوي نوعين من العيوب ، الاول ، لم يذكر اصحاب هذه الفلسفة متى وكيف نشك ، فأنا أريد ان أشك في ديني لابد من وجود محفز قوي يدفعني للشك والا فالشك لا يأتي من تلقاء نفسه ولا يستطيع الإنسان الذهاب الى الشك إذا كان ذلك غير مبرر . العيب الثاني ، كيفية التحول الى اليقين بعد ان دخلت في الشك ، هل ستبقى معلقاً بالشك او أنك تريد الوصول الى اليقين ؟. لم يطرح الفلاسفة الطرق العقلية العلمية للدخول الى الشك وكيفية بناء العقل بعد الشك . أما هنا فأنا أضع آلية مبسطة وهي مرتبطة بحياتنا للخروج من مرحلة اللا يقين الكئيبة والدخول الى مرحلة اليقين المريحة وهي نظرية المقارنة الفكرية التي تحرك قوة النقد عند الإنسان والوقوف عند نقاط لم تكن تحسب لها حساب ، فلاسفة الشك يشترطون التحول بعد الشك الى اليقين وأنا أجد ليست هنالك اي شرط للتحول ، ، قد تكون القدرة الاستيعابية لعقول بعض الناس لا تصل الى نفس نتائج او مستوى عقول أخرى ، فهل من الأنصاف ان نحكم على هذه العقول بالسلب وهم يعيشون بيننا ولهم عطاء ملموس . الفكر المقارن ليست فلسفة بقدر ما هي حق طبيعي يجب ان يمارسها الإنسان لمعرفة ذاته بشكل واضح ، وان منع العقل من خوض هكذا تجربة هو اجحاف وظلم بحق النفس وبحق العقل .
وأخيراً أقول انك لا تستطيع كشف عيوب افكارك او معتقدك من تلقاء نفسك مهما فعلت بينما تجد الفكر النقيض يضعها امامك بشكل دقيق ، وحذاري التستر على العيوب بعد ان باتت واضحة فأنه مأزق كبير للعقل بل وأكبر من جهلك لهذه العيوب .