اختلاف الأنساب لا يعني تفضيل بعضهم على بعض وإنما يعني ان الناس تنتمي لإعراق مختلفة وتركيبات مختلفة ، لكل منها مميزات قد تختلف وقد تتشابه باختلاف البيئة واختلاف الظروف التي مرت على كل مجتمع ، فجذور المجتمع البشري تتقارب كلما رجعنا الى الماضي البعيد ، في ثمانينيات القرن الماضي ظهرت دراسة قامت بها احدى الجامعات الباريسية في فرنسا ، الدراسة كانت محاولة لعد وحساب عدد البشر الذين عاشوا على ظهر الارض منذ بدء الخلقة ، أعتمدت الدراسة على العد العكسي ، اي عدد سكان الارض حالياً ثم عدد سكان الارض قبل عشرة سنوات وهكذا بالعد العكسي التنازلي مع الاخذ بنظر الاعتبار الحروب والمجاعات والكوارث والأوبئة ، فكانت النتيجة في وقتها أن الدراسة احصت العدد الكلي لجميع البشر الذين عاشوا على سطح الارض ما يقارب الثمانين مليار نسمة ، ووجدت الدراسة ان تضاعف الاعداد بدأت للمجاميع البشرية البدائية قبل حوالي عشرة الاف سنة ، بمعنى قبل عشرة الاف سنة بداية إنتشار البشر ، رغم ان الدراسة غير دقيقة لكنها محاولة تستحق الثناء ، وهذا يعني اننا كبشر جميعنا ننتمي الى تلك المجاميع البدائية قبل عشرة الاف سنة وليس بيننا من هو افضل من غيره بالنسب ، لكن الاختلاف في الثقافة مع تعدد الثقافات أعطت لبعض المجتمعات مكانة مرموقة تختلف عن المجتمعات الأخرى يعني الثقافة والعلم والمعرفة هي التي رفعت من شأن بعض المجتمعات ، ولم يكن للسيف او العنف مقياس لرفع شأن وقيمة المجتمعات كما كان يحدث في الازمنة الغابرة ، ومن يحاول اعطاء الافضلية لنسب على حساب نسب أخر فقد أخطأ ، بالرغم من ان اليهود من بني اسرائيل اعطوا لأنفسهم هذه الافضلية مستندين على النصوص الدينية في العهد القديم ومستندين على الواقع الذي يبين قدراتهم المالية الخارقة وقدراتهم العلمية الأعجازية ، فأبرز علماء وفلاسفة وتجار ورجال أعمال الكون هم من اليهود تحديداً ، فهذا التمييز سبّب للشعب اليهودي مشاكل كثيرة على مر التأريخ مما جعل اليهود يدفعون الثمن غالياً ، لأنهم اعطوا لأنفسهم الأفضلية وهذا كان خطئاً كارثياً تسبب في إبادات جماعية لليهود ، فهناك اليوم صوت يهودي حر يطالب بعدم التمييز لأن تطور المجتمعات البشرية لم يعد يحتمل اي تمييز بين الناس ، وفي هذا الوقت بالذات ظهرت في مجتمعاتنا البائسة دعوات لتمييز البعض على حساب البعض الأخر بالأنساب ، وكأننا نخالف عجلة الحياة عن سبق إصرار ، مع العلم أن اصحاب هذه الأنساب التي تطالب بالتسيد والافضلية لا تمتلك واحدة بالمليون من قدرات وامكانيات ومزايا الشعب اليهودي على مر التأريخ ، ليست الاختلافات الثقافية مدعاة للتفرقة والتمييز بين الناس ، فقد ولى عهد التمييز ، فأصل الثقافة المجتمعية هي الفائدة لتعجيل التطور ، كالسماد للزرع يزيد من الغلة ويعجل من النمو ، أما ان تصبح الثقافة بلاء وابتلاء فهنا يجب التوقف لمعرفة العلة .
نحن اليوم نعيش ثقافات متعددة ومختلفة وكل يوم تظهر لنا ثقافات جديدة ، فأصبحت عدد الثقافات لا تعد ولا تحصى ، بعضها سلبية في تأثيراتها على الاخرين وبعضها إيجابية مطلقة ، فليس الحل لأجل التعايش المجتمعي ان تتسيد ثقافة واحدة وتترك الثقافات الاخريات مهمشة تتوسل البقاء مما يضطرها الحال الى ان تتآمر وتعمل مع الاعداء في الخفاء لأثبات نفسها وفي النهاية ينهار المجتمع برمته بسبب تخلف عقول اصحاب الثقافة المستفردة بالوضع ، ولكن الحل هو بناء دولة دستورية تعطي للجميع الحقوق على ان لا تكون تلك الحقوق على حساب ثقافة أخرى ، ان الذين يحاولون القفز على تجارب المجتمعات التي سبقتنا في تشابه الحالة التي نعيشها الان ولا يحاولون الاستفادة من تجارب الشعوب إنما عليهم ان يتنحوا جانباً لأنهم يسيرون عكس عقارب الساعة .
الاختلافات بين الناس أكثر من المتشابهات وكل يوم تزداد أوجه الاختلافات ولا تنقص ، فإذا لم ينتبه لها الناس ستكون وبالاً على الجميع ، تجربة الشعب العراقي خلال العشرين سنة الماضية دليل واضح ، فالاختلافات أصبحت سمة العصر ، اختلافات في كل شيء بين الناس ، حتى لم يعد بيننا نحن البشر تشابه الا في بعض الجزئيات حتى في داخل العائلة الواحدة وصلت الاختلافات في وجهات النظر في الذوق في التفكير في الاعتقاد في الطموح . وكلما ازداد الوعي ازدادت الاختلافات ، أما إذا حاول البعض التستر على الاختلافات وعمل على نكرانها فهذا قمة الجهل والتخلف ، أما إذا حاول البعض الأخر الاعتراف بكل الاختلافات ونظر اليها على انها واقع حال وعمل على إيجاد نقاط التقاء وتقارب وتعاون فهذا هو قمة العقل .
فبعض هذه الاختلافات إذا تركت تتحول الى خلافات ثم الى صراعات ثم الى انتقام ، ولا نحتاج الى المزيد من التجارب ، فتأريخنا متخم بالتجارب ، ولكننا للأسف نكرر إعادة هذه التجارب المأساوية فقط لأجل الإنتقام .
علينا ان نعترف بأن الكوردي يختلف عن العربي ، الشيعي يختلف عن السني ، المسلم يختلف عن غير المسلم ، بعض الشيعة يختلفون عن شيعة اخرون ، بعض الكورد يختلفون عن كورد اخرون ، فكل تجمع اصبح له خصوصياته ، الغني يختلف عن الفقير ، القوي يختلف عن الضعيف وهكذا ، هذا الاعتراف سيساعدنا كثيراً في ان نكتشف نقاط الخلل التي تعصف بمجتمعاتنا وتنغص معيشتنا لأننا دائماً ندعي بعدم وجود الاختلاف ولا نعترف ، مع العلم واقعاً الاختلاف موجود في كل صغيرة وكبيرة وليس عيباً ان نصارح أنفسنا لكي نستطيع ان نحترم حقوق وخصوصيات الجميع ولا نخدع أنفسنا أكثر وندعي بأنه لا يوجد اختلاف ( نفعل ذلك من أجل ان نبخس حقوق الطرف الاخر ) ماذا قدمت لنا ادعاءاتنا بأنه لافرق بين هذا وذاك بين الكوردي والعربي ، بين الشيعي والسني بين العشيرة الفلانية والاخرى غير القتل والاقتتال وسلب الحقوق ومحاولة طمس الهوية ، انظروا من هو الذي يطالب بأنه ليس هناك اختلاف ؟ الذي بيده الحكم والسلطة يتحدث بذلك لكي يستمر الاخرون بالبقاء تحت سلطته ، لا نريد المزيد من الخداع ، نريد الجميع يتمتعون بحقوقهم وهذا لا يتم الا بعد ان يتم الاعتراف بوجودهم وبخصوصياتهم وبحقوقهم . متى ما أصبح الجميع متساوون بالحقوق والواجبات أمام القانون ، والقانون فوق الجميع بلا اي شرط او استثناء عندها نستطيع التعايش مع بعض بسلام ومحبة وتعاون مهما كبرت الاختلافات ، عندها يستطيع الجميع قول لا أختلاف بيننا ، عندها لا يستطيع أي عدو مهما أمتلك من إمكانيات من شق صفوفنا . نحن الآن موحدون في اللسان وفي المظهر الخارجي فقط وعند الصعبات يظهر الشرخ واضحاً فنصبح أضحوكة لشعوب الارض والسبب دائماً هو نفس السبب .
المختصر لكل ما ورد اعلاه ، ان الناس بدأوا من حياة واحدة ثم تفرقوا بعد ان اختلفوا ، ويمكنهم ان يتعايشوا سوية بنفس قيمة الوحدة بينهم إذا سادت العدالة بالحقوق والواجبات بلا تمييز .