يعتبر دوستويفيسكي قمة الرواية الانسانية لما يفرز عقله من حكمة وعبقرية ابحرت في اعماق النفس الانسانية ترددها بين السمو والسقوط الايمان والالحاد وصاغ آيات فذة عن الانسان في كل الاوقات ، ولديه قدرة عظمى في السرد القصصي . وله عدة روايات منها الجريمة والعقاب – والاخوة كارامازوف* – والابله* ، وغيرها. وهنا انتقلنا من كتاب الى اخر أدبي وروائي لعباقرة الادب الروسي وكل مابين قوسين للكاتب وكتاب فيودور ومع هذا لايغني المقال عن هذا الكتاب .
ص7- ( كان دوستويفيسكي رجلا ماخوذا بالله ، وكان طيلة حياته يبحث عن الله ، ووجده في اخر ايامه فقط ، بعد ان اجتاز عبر ماسماه – نار جحيم الشك – ).
وص 8 – نقرأ ( كان شخصية نبوية حقا يذهب الى الاعماق مسحورا بمملكة الجحيم الموجودة على الارض حتى يصل الى الجلجلة * وقد رأى مسبقا الاحداث التي تجرى في عالمنا اليوم ).
وص9 – يقول ( فهناك الله والشيطان يتصارعان على السيادة وارض المعركة هي قلب الانسان ).
وص 13 – نقرأ ( الانسانية قد اختارت ان تتمرد على الله لكن الله لم يتمرد عليها وعلى كل افرادها ، ولن يسمح حبه لهم بالذهاب ).
وص14 – (يبدو ان دوستويفيسكي يشير الا ان الانسان لاقيمه له بدون الله ، إن خلفية كتاباته هي علمانية القرن التاسع عشر ، لقد تفوقت حركة التنوير على الاصلاح في التأكيد على ان الفكرة القائلة بان الكون موجود بدون الله… وكان اريك فروم مصيبا عندما قال {ان المفكرين تخلصوا من الله في القرن الثامن عشر ومن الانسان في القرن التاسع عشر }. لكن دوستوفيسكي يذكرنا بانه لايمكن تدمير الله والانسان بهذه الفكرة ، ويطرح هذا السؤال – ماهو الجحيم ؟ ويجيب بانه : المعانات الناتجة عن عدم القدرة على الحب ).
وص 15 – (عن تعاليم ايريناس وتأثيرها عن الحياة الروحية للكنيسة الارثودوكسية الروسية : اي ان الله قد اصبح انساناً ويستطيع الانسان ان يكون واحداً مع الله وتقرأ سونيا معجزة قيامة اليعازر وتقول : نعم يارب أنا اؤمن انك المسيح ابن الله الاتي الى العالم ).
وص19 – (وصادف يوما دٌباَ كبيرا على مدخل كوخه وبدلاَ من ان يهرب صادق القديس الدُب وشاركه في زاده القليل ويشير ديوسيوفيسكي الى هذه القصة في رواية { الاخوة كارامازوف} ويظهر تأثير هذه القصة في صورة واضحة في قصيدة الحب العظيمة للمرشد الروحي : زوسيما – احبِب كل مخلوقات الله أحبب الحيوانات احبب النباتات احبب كل شئ – ).
وص 20 – (حُكم عليه بالاعدام وعند وقت التنفيذ الغي الحكم عليه وامضى اربع سنوات من الاشغال الشاقة ثم خمس سنوات من النفي في سيبيريا ) .
وص21 – (إن رواية -المسكون او الشياطين – تصور الانحدار من الاشتراكية الطوباوية الى الحفرة السوداء العمياء للتمرد الشيطاني ، ان الطبيعة المخيفة للشر أو تمُردنا عن الله الذي رسمه دوستوفيسكي بشكل ينبض بالحياة سببت الازعاج الكبير لنقاده ).
وص32 – ( كانت الشعوب تصنع الهة ثم تتشائم : – اتركوا الهتكم وتعالوا إعبدوا الهتنا ،وإلا فالموت لكم ولآلهتكم – وسيبقى الحال على هذا المنوال الى نهاية العالم ، وحتى بعد زوال الالهة سيظلون يسجدون لمعبودات جديدة ) .
وص 75 – (صاح ايفان – وهو احد شخصيات رواية الاخوة كارامازوف – يسأل بعناد وحنق هل الله موجود او غير موجود ؟ كيف لاتعرف عن هذا الامر شيئا مع انك ترى الله بعينك ؟ ).
ص 86 – (وسيشعر الانسان بعزة عظيمة وكبرياء جبارة تحركه وتحمله لان يكون قد اصبح إلهاً – انساناً، سيعرف كل انسان انه فانٍ ، وانه لا بَعث بعد الموت ولكن جميع الناس سيقبلون الموت بهدوء وعزة كالالهة ).
وص89 – (نقرا عن مايشكين احد شخصيات الابله والذي يعكس غضبه فشل المسيحية بصورة عامة بعد قسطنطين والقرن الثالث ~ السيادة السياسية للعالم ~ التي يقبض عليها السيف الذي يحل محل الايمان الاكثر قداسة ، ويضيف مايشكين – ان الكاثوليكية دين ليس من المسيحية في شئ !! واضاف ان المسيحية الرومانية اسوأ من الالحاد نفسه في رأيي ! نعم ذلك هو رأيي ).
وص91 – نقرأ (لاتنسوا ان الاشتراكية هي ايضا ثمرة الكاثوليكية فالاشتراكية مثل الالحاد ولدت من اليأس إنها رد على الكاثوليكية ).
وص93 – يقول (ان الشعب الروسي سهل الانتقال الى الالحاد من اي شعب في العالم .ثم يقول { من لا وطن له لادين له ايضاً } فيما قال تاجر التقى معه في سفر – من يجحد وطنه يجحد الهه ايضا –).
وص 126 – نقرأ ( راسكولنكوف الشخصية الرئيسية في رواية – الجريمة والعقاب – المرأة المسنة التي كانت تُقرض النقود وقريبة لها شابة تدعى ليزافيتا والتي دخلت صدفة الى المكان ، وقد اقترف راسكولنكوف الجريمة بقتل العجوز ليبرهن لنفسه انه رجل وليس حشرة ويبدا بعد هذا الحادث انهياره الداخلي وهو يقر بان عمله هذا كان خاطئاً ) .
وص 150 – (وفي وسعنا ان نحي الملاك في الشيطان وان نبعث البطل في الجبان ، انهم كثر هناك الذين سقطوا انهم مئات ونحن مسؤولين عن مصيرهم . وكيف يمكنني ان اعيش تحت الارض بدون الله ؟ ان راكبتين يكذب ، وحينما يطرد البشر الله من على سطح الارض سنلتجئ اليه في جوف الارض ان السجين لايستطيع ان يحيا بدون الله ).
وص152 – ( اذا لم يوجد الله كان الانسان هو سيد الارض ، ورئيس الكون عظيم ! ولكن كيف يكون الانسان فاضلا بدون الله ؟ من الذي سيحيه الانسان اذا لم يوجد الله ؟ والى من سيقدم الانسان الشُكر ؟ ) .
وص 159 – نقرأ (عن المرأة العجوز الشريرة التي ماتت وامسك بها الشياطين وقذفوها في النار فقام الملاك الحارس لها يبحث عن عمل جيد فعلته ينقذها به ، فقال الرب : لقد انتزعت من حديقتها بصلة ذات يوم ووهبتها لشحاذ – فقال الرب للملاك الحارس خذ هذه البصلة واعطها الى المراة في بحيرة النار واطلب منها ان تتثبت بها اسحبها لكي تخرجها من اللهب . فان استطعت ان تخرجها ذهبت الى الجنه . واسرع الملاك فمد لها البصلة لكن المذنبون تعلقوا بها ليخرجوا معها من بحيرة النار لكنها إمراة شريرة جدا ركلتهم بقدميها وهي تصرخ انها بصلتي لانقاذي وليس لانقاذكم وما ان نطقت بذلك حتى تقطعت البصلة وسقطت المرأة في البحيرة من جديد فلاتزال تحترق في النار اما الملاك فقد انصرف باكياٌ). وهذه القصة من رواية الاخوة كارامازوف .
وص167 – (عن لوحة صلب المسيح التى رسمها هوبلاين – المسيح منزلا عن الصليب – هذا الوصف الماخوذ من رواية الابله ، فكانت اللوحة تمثل وجها شوهته الضربات تشويها فضيعاَ فتورم وتنفخ وامتلأ خدوشا وجروحاً نازفة رهيبة . ولكن اغرب مافي الامر هذا السؤال المثير الذي يوحيه منظر جثمان ذلك الانسان الذي تعرض لهذا العذاب ، اذا كان جميع مريديه ومن رأوا امام ابصارهم جثة كتلك الجثة ، فكيف امكنهم ان يصدقوا وهم يرون هذه الرؤية أن الشهيد سيبعث حياُ ويقوم ؟ ) .
وص177 – ( ذلك ان ابليس قد مثل يوما امام الرب مع ابنائه ،وقال له انه طاف الارض كلها وماتحت الارض ، فسأله الرب هل رأيت عبدي ايوب ؟ وتباهى الرب امام ابليس بقداسة عبده العظيم ايوب ، لكن ابليس ضحك واجاب : مكنني منه فترى انه سيعصيك و يلعن اسمك ، فمًكن الرب ابليس من عبده الامين الذي كان يحبه كثيرا فضرب الشيطان قطعانه واولاده ودمر ثرواته ، كأن صاعقة من عند الله قد نزلت عليه، ومزق ايوب ثيابه وارتمى على الارض صائحا : لقد خرجت من بطن امي عاريا وساعود عاريا الى الارض . ويبقى السؤال كيف يُمكن الرب الشيطان من قديسه الاثير فيستهزئ الشيطان بالقديس ويخطف اولاده ويرسل له الامراض ؟ ) فعلا الرب مكن وسمح لابليس ان يعذب نبي أيوب .انها قصص للاديان بيدهم امر الرب من مكر وتَمٌكن وسماح لغيره على انبيائه وهل من الجائز ان يتعذب نبي ايوب امام انظار وامر الرب !! .
وص182 – (انه لأمر مؤثر في النفس ان نتذكر ان هذه الحيوانات بلاخطيئة لان كل مافي الكون برئ كامل الا الانسان ، لقد كان المسيح مع الحيوانات قبل ان يأتي ليكون معنا) .
وص221 –( نقرأ يصعب على الانسان ان يعرف الفرق بين ماهو آثم وما ليس بآثم ، هذا سر يفوق العقل البشري وعلى الشيخ ان يكون دائم الرضى وان يموت مغمورا بضياء روحه ).
وص 228 – يقول( إن الانسان كلما كان اكثر فكراً كان اكثر ضجراَ… لقد وجد التعليم منذ ان وجد العالم ، فهل استطاع الانسان بالتعليم ان يجعل العالم مكانا جميلا عامرا بالافراح . ماهي الاشياء التي يحتاج اليها الانسان؟ انه الجمال لكنهم لايريدون الجمال انهم اموات ) .
وص229 – (لايستطيع الانسان ان يعيش بغير سجود ولاتحتمل نفسه غير ذلك وهذا ينطبق على الجميع فاذا جحد الانسان الله سجد لمعبود من خشب اومن ذهب ، او سجد لمعبود صنعه له الخيال فهؤلاء الذين يقولون انهم ليسوا بحاجة الى الله هم ملحدون حقيقيون ).
وص233- ( نقرأ اذا لم يكن المال الهاً فهو نصف إله ،انه اغراء كبير ثم هناك وسائل اخرى للاغراء وهي المرأة والزهو والحسد ).
وص 234 – (ينطق بعض المثقفين على بعض الرهبان بالكسل والفجور والفسق ).
وص235 – ( العلمانيين ألم يدنسوا انفسهم ويخونون الحقيقة الالهية وقد خلقوا على صورة الرب ؟ انهم يملكون العلم ، والعلم لايعرف الا ماتدركه الحواس ، اما الكون الروحي والعنصر الاسمى في الطبيعة الانسانية فقد رفضوه ونبذوه ، ان العالم يعتز بالحرية هذه الايام ولكن ماالذي تؤدي هذه الحرية، وماالذي يتاكد باسمها ؟ عبودية النفس والانتحار الاخلاقي ) .
وص237 – نقرأ ( اسهروا على الفلاح وحافظوا على طهارة روحه لان الفلاح يحمل الله في نفسه ) .
وص 242 – ( ان الحجر الذي رفضه البناؤون قد اصبح حجر الزاوية في البناء. ولأن العنف يستدعي العنف ، ومن يشهر السيف يهلك بالسيف … سيٌبيد البشر بعضهم بعضا ، الا ان لايبقى على قيد الحياة غير إثنان ، وهذا الاثنان سيكونان عاجزان من غطرستهما عن التفاهم فاذا باحداهما يقتل الثاني اخر الامر ثم يقتل نفسه ) .
وص243 – نقرأ (يااخوتي لانخافوا من خطايا البشر ، احبٌوا البشر رغم خطاياهم فبذلك تعرفون المحبة العظمى التي هي على صورة محبة الرب ،أحبوا خلق الله جميعا ، احبوا الحيوانات ، احبوا النباتات ، احبوا كل الموجودات انكم حينما تحبون الخليقة تنفذون الى السر الالهي الذي تتضمنه ،أحبوا الاطفال لانهم كالملائكة بلا خطيئة ). هنا يخالف قول كتاب الخلاصة اللاهوتية – قد وجد في ملائكته معصية !!-
وص244 – ( الحب ياأخوتي معلم كبير ).
وص 248 – (ثم إن الناس لايقبلون الخلاص إلا بعد موت ذلك الذي اراد ان يخلصهم، إن البشر لايعترفون بانبيائهم بل يقتلونهم ، ثم يتسائل ماهو الجحيم ؟ واني اعتقد ان الجحيم هو- عذاب الانسان الذي لايستطيع أن يحب – ).
وص249 – ( الخلاص من عذاب النفس مستحيل لانه عذاب داخلي لاخارجي لايتأثر بالاخرين ).
إشارات * ومعاني :-
فيودور ميخايلو فيتيش دوستوفيسكي: 1821-1881م هو روائي وكاتب قصص قصيرة وصحفي وفيلسوف روسي وهو واحد من اشهر الكتاب والمؤلفين حول العالم – ان جل اعماله العظيمة هو صراع الانسان في البحث عن الله امام التجارب التي يمكن ان يتصورها العقل لإنكار الله .
جلجلة : موضع في القدس صلب السيد المسيح بالقرب منه .
رواية الاخوة كارامازوف : عالجت الأخوة كارامازوف كثيراً من القضايا التي تتعلق بالبشر، كالروابط العائلية وتربية الأطفال والعلاقة بين الدولة والكنيسة وفوق كل ذلك مسؤولية كل شخص تجاه الآخرين وكانت آخر رواية له في عام 1880م ..
الابله : رواية كتبها عام 1869 وموضوعها العالمي : رجل طيب في المجتمع الانساني لاتربطه بالعصر الذي يعيش فيه علاقة قوية . وتضمن الرواية وصفًا لبعض أكثر المحن الشخصية التي عانى منها الكاتب، مثل الصرع وتوهّم الإعدام، ويستكشف الأفكار الأخلاقية والروحية والفلسفية المترتبة عليها.
يونيو/ 2023م