هناك بعض القصص التي تحدث في ظروف معينة ، عندما نتمعن بها جيداً نرى إنها اي القصة تنقل صورة الواقع كله في فترة زمنية الى ذهنية القارىء او المتلقي وقصتنا اليوم من هذا النوع . . في مجتمعنا ظهرت حالة غريبة وهي مايسمى بالصدق الساذج الذي هو أسوأ من الكذب في كل شيء . لنأخذ هذه القصة المليئة بالمرارة من الواقع ولنتعرف على معنى الصدق الساذج .
في منتصف فترة الحصار ، تحديداً في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي وفي العاصمة بغداد ، سمير شاب أقترب من عامه العشرين ، عاطل عن العمل ، تخرج من أحدى الاعداديات المهنية قبل أقل من سنة ولم يجد عملاً يعيل به نفسه وعائلته ، فظل جليس البيت يخرج يتمشى أحياناً امام المحلات والاسواق ظناً منه أن أحداً من أصحاب المحال يستدعيه ليعرض عليه فرصة عمل لأنه لم يكن يجيد أي شيء ولا يعرف حتى اسلوب التقرب الى الناس او المجاملات الاجتماعية بسبب تربية الانكماش العائلي ، وهذه حالة شائعة عند معظم العوائل العراقية خوفاً على السمعة فيكون الأبناء متخوفين من كل شيء ، كان فقيراً في تصرفاته وفقير الحالة المعيشية يعيش مع امه وابيه وخمسة أخوة وأخوات في بيت صغير متواضع في أحدى الأحياء الفقيرة وهو الابن الأكبر للعائلة ، يتمشى امام الاسواق وهو يرتدي قميص رث بالي وبنطلون قديم ولم يكن يمتلك حذاءاً يلبسه ، فكانت الشحاطة المتهالكة وسيلته الوحيدة للتنقل ، علامات البؤس والفقر واضحة على ملامحه . . في يوم من الايام قرر أحد أصحاب المحال التجارية من الذين كانوا يتابعون هذا الشاب المسكين قرر أن يساعد سمير ولكن بشكل تدريجي دون ان يشعره بالمهانة والذلة التي يعيشها ، فأستدعاه الى داخل المحل وطرح عليه فكرة الحصول على عمل مع صديق له يمتلك ورشة صناعية ، فرح سمير كثيراً بهذا العرض ، فقام صاحب المحل و أعطى سمير مبلغ أربعين الف دينار عراقي ، وهو مبلغ لا يساوي أكثر من اربعة عشر دولاراً ، لكنه مبلغ جيد في ذلك الوقت نظراً لرخص الأسعار لجميع المواد المتوفرة في الاسواق ، فطلب من سمير ان يأخذ هذا المبلغ ليشتري بعض الملابس الجديدة ليتواعدوا عندما يكون جاهزاً في مظهره الخارجي والملبس ثم الذهاب سوية الى ورشة صديقه للحصول على العمل . بعد يومين عاد سمير الى صاحب المحل ليقول له أنه جاهز للذهاب الى ورشة صاحبه للمباشرة بالعمل ، ولكن صاحب المحل استغرب عندما رأى سمير بنفس الهيئة وبنفس الملابس الرثة الممزقة ، فسأله هل أشتريت ملابس جديدة او حتى مستعملة ( ملابس البالات او ما يسمى باللنگة ) يمكنك ارتداءها لكي نذهب الى الورشة ؟ فكان جواب سمير كلا ، فأستغرب صاحب المحل وأستفسر عن السبب المانع . أجاب سمير بهذا الجواب الذي يدل على أن بعض الناس ميؤسة عقولهم وياليته أكتفى بالسكوت او ياليته قال كذباً . قال وبكل ثقة وبكل صدق : أخذت المبلغ الذي أكرمتني به وذهبت مباشرة الى وكيل المرجع الديني في بغداد وسألته عن مقدار مبلغ الخمس الواجب عليّ دفعه لوكيل المرجعية عن مبلغ اربعين الف دينار لكي يصبح بقية المال حلال لأنه حسب فهمي للنصوص الشرعية فأن هذا المال الذي أعطيتني إياه يعتبر غنيمة والغنيمة تستوجب الخمس ، فسأله الوكيل دون ان ينظر الى ملابس سمير الرثة ودون ان ينظر الى علامات البؤس والفقر في وجهه ، وهل حصلت على هذا المال بجهد او بدون جهد ؟ وهل تود ان تضيف لنفسك مكانة في الجنة مع اولياء الله الصالحين ؟ وهل تريد ان تزيد من عطاءك ؟ ، وتوسع حظوظك في الحصول على اعلى مراتب الأجر والثواب ؟ كل هذه الاسئلة أجابها سمير المؤمن بكلام الوكيل بالإيجاب فكان عليه ان يدفع خمسة عشر الف دينار ( خمس للسيد ) ليخرج ببقية المبلغ حلال عليه للصرف والتصرف كما يظن ، وكان سمير يتحدث الى صاحب المحل الذي اعطاه اربعين الف دينار وهو يستشهد بوصل الاستلام الذي بين يديه الموقع بختم الوكيل ، ثم استرسل بالقول عند خروجي من مكتب وكيل المرجعية ذهبت الى احدى العوائل المتعففة المحتاجة وتصدقت لهم بعشرة الاف دينار ثم في الليل دعوت اصدقائي الى مطعم الاكلات السريعة لتناول سندويشات مع شراب البيبسي كولا ، لأنهم أي أصدقائي طالما يستدعونني وأنا مدين لهم ، ونفد المبلغ اي الاربعين الف دينار ، فكيف تريدني ان أشتري ملابس إضافة لما صرفت ، فرد عليه صاحب المحل ولكني اعطيتك هذا المبلغ لكي تشتري ملابس جديدة مقبولة المنظر لأجل الحصول على العمل وهي هبة من عندي أرتأيت أن أساعدك بها لكي أعزز من معنوياتك واستعدادك للعمل ، تأخذ المال من عندي وتزكي وتخمس وتصدق وتدعوا للوليمة اصدقاءك ، أي نوع من البشر أنت ؟ كان عليك ان تتذكر قبل ان تخمس وتزكي وتتصدق وتدعوا للوليمة ، كان عليك ان تتذكر بأن هذا المبلغ الذي اعطيتك إياه هو دين في عنقك ، فهل يجوز لك فعل ذلك مع الدين ؟ فأذهب وأكمل حياتك بهذا النمط من العيش ، يبدو انك اعتدت على نمط حياة قد تموت إذا حاولت تغييره لأن الحرية والعزة و الإباء ليست ثوب لك فثوبك العبودية والمسكنة والذلة . أن مد يد العون والمساعدة لأمثالك جناية وخطيئة كبرى .
هل يتخيل أحدنا أن مثل هذا النموذج شيء نادر في مجتمعنا ؟ كلا أنه نموذج من نماذج الشباب الموجودين في مجتمعنا بكثرة ، الخلاصة والعبرة من هذه القصة ان هذا النموذج سمير هو نموذج لا يعرف معنى المسؤولية ، وهو مازال في مرحلة الطفولة العقلية ، ولو عرف معنى المسؤولية لعرف قيمة نفسه وعرف كيف يصنع قيمة لنفسه أمام الناس ، فهو ضعيف جداً أمام المسؤولية وضعيف امام المجتمع وضعيف امام العقل وضعيف امام الحرية ، وهذه هي الصفات المشتركة لمعظم شباب البلد والدليل هو الواقع المتخلف الذي يعيشه المجتمع حالياً ، ولا يجوز ان نظلم ادارة البلد والحكومة فقط لسوء الوضع وان عملية النهوض بهذا المجتمع شبه مستحيلة مع فهم الحياة بهذه الطريقة المزروعة في عقول الناس الممزوجة بالخرافة والعاطفة والسذاجة .
سمير نموذج شائع وهناك نماذج لا تقل عن سمير نجومية . فمثلاً هل يتخيل احدنا ونحن في العام 2023 م ان شاباً متزوجاً وعنده طفلين وهو خريج احدى المعاهد العراقية ، يعمل حمالاً لنقل البضائع بعربة مأجورة أو على ظهره في منطقة الشورجة وسط بغداد طوال ساعات النهار ، يعيش مع عائلته في غرفة صغيرة أعلى السطوح في بيت متهالك ولا يمتلك اي شيء ، يحتفظ في غرفته وعلى الجدران الأربعة للغرفة مع هذه الحياة الذليلة البائسة صور لرموز دينية وسياسية واجتماعية لم يرى من وجودها أي خير وهو بهذه الحالة ، فهل مثل هذا قادر على أن يكون له دور إيجابي في المجتمع ؟
مالم نكن في قمة الصراحة مع واقعنا ونفسر كل صغيرة وكبيرة لن تقوم لنا قائمة ، فمثل هذه العيوب عندما تغزو عقول الشباب فأنها تكون قد أتلفته وهم لا يعلمون .
سؤالي اتعرف عدد الكليات والمعاهد والاعداديات الدينيه الموجوده في العراق واقليم كردستان وعدد الخريجين منهم سنويا وكم عدد الجوامع والمساجد يحتاجوها ليتوظفو فيها …وهل هؤلاء العباقره الخريطين يعلموا الناس العلوم الطبيعيه والهندسه والاكترون وعلوم التنكنولوجيا؟ .طبعا كلا ..وجنابكم استاذ كامل تعرفون ماذا يعلمو الناس هؤلاء الفاشلين علميا..والخلل هنا تكمن في الحكومات المتعاقبه والحاليه والرؤساء واصحاب القرار لتشجيعهم لبناء هكذا مؤسسات ……مع بالغ تحياتي لجنابكم الكريم
الاستاذ خدر المحترم ، تحياتي واشتياقي .
نعم ، المعاناة كثيرة ومتشعبة ، الخلل موجود في كل مجالات الحياة وهذا الوضع امامك أكبر دليل ، نحن من واجبنا النقد والتوجيه لأن المجتمع إذا خلى من الطيبين وبقيت الساحة فقط للضباع تسرح وتمرح يعني كل شيء انتهى ، أنت وأمثالك شوكة في عيون الاشرار وتشخيصك دائماً صحيح ، خالص تقديري ومحبتي