إنَّها الصين، وما أدراك ما الصين ، من نظام شيوعي مغلق الى مارد جبار خرجَ من قمقمه ، ففي سنة ١٩٨٩، تبادلت الصين والرأسمالية الغربية ما يشبه عملية “الإنقاذ” بعدَ أنْ شارفتْ الرأسمالية الغربية على الإنهيار . وعلى ما صرح به آن ذاك وزير الخارجية البريطاني الأسبق ” ديفيد ميليباند”، مُجمِّلاً الوصف والمقارنة ، إذ قالَ : أنقذتْ “الرأسمالية” الصين إذْ سَمَحَ “نظامها الشيوعي” لاقتصادها بتناول ما يشبه “الفيتامين الرأسمالي”، أي بالتزاوج مع شيء من “نظام السوق الحرَّة “، فشرع ينمو نموَّا تسبَّب بتنامي القلق الغربي (الرأسمالي) من المارد الصيني (الاقتصادي والديمغرافي والحضاري..) الذي خرج من قمقمه بعدَ سبات طويل .
أمَّا في سنة ٢٠٠٩ فظَهَر “المُنْقَذ الصيني” على أنَّه “المُنْقِذ” للرأسمالية الغربية من أزمتها المالية والاقتصادية الكبرى؛ وقد بل سوف يكتب التاريخ أنَّ في سنة ٢٠٠٩ أنقذتْ الصين النظام الرأسمالي العالمي من الإنهيار الحتمي ليس حباً بالغرب وإنما حباً للمستهلك الغربي الشره.
والولايات المتحدة ما عاد لديها من خيار غير تجرُّع تلك الحقيقة الصينية المرَّة المذاق في فمها، فإنَّ وزيرة خارجيتها الأسبق “مادلين أولبرايت” اعترفتْ بهذه الحقيقة إذْ قالتْ: كانت الولايات المتحدة قوَّة اقتصادية عظمى في نهاية القرن المنصرم ، وقد شرعت الصين تتحوَّل إلى قوَّة اقتصادية عظمى في القرن الحادي والعشرين.
الصين الحالي الاقتصاد الاول في العالم ، فالناتج القومي للصين يقارب الثمانية عشر تريليون دولار خالي من الخدمات ، اي انتاج حقيقي مادي بينما الولايات المتحدة والذي معظم إنتاجها من الخدمات بواقع ثمانين بالمائة لا يتعدى العشرين تريليون ، مع نمو متزايد للصين بواقع خمسة بالمئة ، هاذا الواقع سيجعل من الصين الاقتصاد الاول في العالم ، وعلى ما قالَ الخبير الاقتصادي ” مارتن جاك ” صاحب كتاب ” عندما تحكم الصين العالم ” يوضح أنَّ اليوان سيكون العملة الرئيسة للعالم مُطيحاً بالدولار ويتلون العالم وخصوصاً الغربي بلون الحضارة الصينية العريقة . نظرة للاقتصاد الصيني نجد انَّ الصين واقتصادها المتعاظم ، هو نتيجة تزاوج ما بين الاقتصاد الإشتراكي واقتصاد السوق الحرة ، وأن الصين إستغلتْ اقتصاد السوق الحرة أحسن إستغلال ، فهي أي الصين جعلتْ من الولايات المتحدة والدول الغربية سوقاً كبيراً لها ، وحرصتْ الصين على أنْ يغلب فيها ميزان الصادرات على الواردات ، وهي أي الصين شديدة الحرص وتُصارع من أجل خفض قيمة عملتها اليوان حتى تضمن وتسيطر على عملية الصادرات في العالم .
إن جلَّ سياسة الصين الاقتصادية قائمة على تشجيع التصدير ومع ما يلزم من جهد لخفض قيمة اليوان ، إنَّ هذه العملية الذكية ستجعل كفة الصادرات هي الغالبة على حساب الواردات ، ومن ثم سيزداد مخزونها من العملات الصعبة ، انها نتيجة حتمية فرضتها الحرص على خفض قيمة اليوان ، ازدياد في التصدير لعامل الرخص في الاسعار وقلة الاستيراد لعامل الزيادة في الاسعار ونتيجة هكذا وضع هو تراكم العملات الصعبة وزيادة حجم الادخار ، وفي حقيقة الامر انَّ الصين اليوم تملك أعلى إدخار على مدار التاريخ ونتيجة لذلك تعتبر الصين الآن من أكبر الدائنين للولايات المتحدة .