وتِيكَ درجة من الخطاب غير المسبوق كَشَفَت انزعاج الآمنين من زمان وهم يتدحرجون في مواقفهم المسايرة في الصَّميم ما فرضته عليهم إسرائيل ، لذا لا داعي للاستمرار إن لم تغيِّر فلسطين الرَّسمية تعاملها المتجاوز الاستهلاك في ترويج قضيتها رأساً على عقب وبالكامل ، الغرب رفع شِعَارَ “مَنْ ليس له اهتمام مِن طرف العرب المسلمين أقرب الأقربين لذات فلسطين ليس له في الغرب وَقعُ مكانةِ الأفاضل ، إذ ثمَّة يد إسرائيلية أتقنت الكتابة في سجل “قِلَّة” حكام متذبذب أصبح نفوذهم مع تعاقب الأيام من الخليج إلى المحيط بأغلى مُقابل ، ليكون الأقصى في التنديد أحياناً والباقي لكل واحد مجرى ينساب وسط نظامه قد يشوبه فيضان داخلي يُغرِقُه في بحرٍ من المشاكل بلا ساحل .
المملكة العربية السعودية ما كانت لتقابل بفتور مُلاحَظ المقترح الذي جاء به مقال “هي الأخيرة وإن جاءت متأخرةّ” المتضمن تخصيص واردات الحج لمدة خمس سنوات إلى استقلال فلسطين وتحريرها من قبضة الاحتلال ، وهي الدولة الكبرى الرافعة راية الإسلام المعمولة أصلا لنصرة معتنقيه في مشارق الأرض ومغاربها مهما كانت الأسباب الداعية لذلك الحال ، خزائنها لن تتأثر بالمطلق مادامت تلك الواردات من جيوب المسلمين الراغبين في الحج لبيت الله كركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلاً وبالإمكانات الحلال ، لكن خلفَ ذاك الفتورِ تخمين ما كان ولن يكون صائباً إذ الأمر وصلَ حَدَّ الاختيارِ المُفَصَّل على دوام الإنفصال ، بين إرضاء إسرائيل أو الاكتفاء بتظاهُرٍ لم يعد لا فيه ولا منه طائل الإطلال ، على عرب الشرق الأوسط فقد تأكدوا بمثل الموقف السلبي قبل غيرهم في المغرب العربي بالواضح وليس المرموز أن فلسطين تضيع وعلى مراحل لغاية أسوأ تَرحال ،
الاستسلام قاعدة ترسو فوقها باخرة اليأس ، بعد انتقالها من بحار بعمق غير ذي عُمْق و هيجان أمواج تتسارع لمعانقة شطئان بحثا عن ماسك منجل تتوسطه نجمة بدل هلال يتوسطه فأس ، إلى فضاءات رمال يحركها ظلام ليل على وَقعِ عزف مُنْفَرِدٍ صادر عن قَصَبَةٍ مُجَوَّفَة على استدارة طرفها الأسفل ثقب يتجوَّل الريح داخلا خارجا منها متأثرا بانسداد بعضها و فتح الأخرى بتلقائية أقرب لمعجزات الأبعد من بُعْدِ بِعاد الأمس ، لينبعث منها صوتاً مبحوحاً مُكَرِّراً ذات النَّغمة الكئيبة المغلَّفة ببؤس البؤس ، منذ أزيد من سبعين حولاً ملَّت من تعداد مصائبها الحرَّة من الأنفس ، المَحصيّ منها مِن طرف الملحقين في إسرائيل بمهام التجسُّس ، دول أولها موريتانيا وآخرها سلطنة قابوس ، مرورا بمن شكَّلت القضية على مجمل قضاياها أثقل كابوس .
نصف الاستسلام أصعب وألعن من الأخير وهذا واقع تحت إمرة السلطة الفلسطينية التاركة رئيسها لامتصاص الغضب المتزايد مع مرور الأيام بأقصى مقياس ، مادامت أوربا تعتبر جزءا لا يُستهان به من الفلسطينيين مجرد إرهابيين تحت قيادة حماس ، ولا أحد من تلك السلطة يحرك الساكن ولو بالهمس ، ممَّا يبعد الوحدة ويعجل بالمزيد من التفكُّك ومرافقة الانزواء بالنَّحس ، ولن يغطي على الأحداث تسريح أغلبية المتوفرين على رواتب للتخفيف من كثرة الأشباح العَسس ، كأكباش فداء لإبراز سياسة التقشُّف بدل المتلقين المنافع المادية بسعة أكياس . بمثل الممارسة والتخبط العاجز عن مواجهة المشكلة الأساسية من جذورها يجعل حتى المتعاطف لا يرتاح في تعاطفه وإسرائيل مشيِّدة على أرض غيرها ما يؤكد أنها السلطة والكلمة والنفوذ والقوة والثروة والمتحكمة في تلك الرقعة الممزقة شر تمزيق كي لا يُسمَع فيها أدنى حس ، ولولى الأردن في الدرجة الأولى ومصر في الدرجة الثانية والجزائر في الدرجة الثالثة وإيران إلى حد ما لانتهى أمر فلسطين إلى مالا يُحمَد عقباه ، فعلى السلطة الفلسطينية العودة لعهد منظمة فتح الكبيرة في كل شيء يشهد لها بالبدايات الموفقة بلا حكومة ولا مناصب وزارية ولا برلمان ولا بذخ إقامات ولا ألبسة على آخر صيحات الموضة ولا هم يحزنون .
مصطفى منيغ