العراق أفضل بقعة أرض في هذا الكوكب لإجراء تجارب أنظمة الحكم فيه ، فهو مختبر طبيعي واسع حاله حال المحميات الطبيعية في ارجاء العالم ( بالمناسبة المحميات الطبيعية هي قطعة أرض واسعة وشاسعة تمت إحاطتها بسياج مؤمن وتم ترك أنواع كثيرة من الحيوانات البرية والبرمائية والطيور تجول بحرية تامة داخل المحميات وخاصة الحيوانات القابلة للإنقراض مع وجود اسباب العيش والبقاء من غابات وأدغال ونباتات طبيعية ومياه وبنفس الوقت هناك تجارب وإشراف علمي كبير من قبل الهيئات والمنظمات الدولية على هذه المحميات ) . العراق محمية ومختبر وهذا المختبر الطبيعي يحوي كل اسباب نجاح التجارب منها (وجود شعب مشلول الإرادة ودول جارة مفترسة تغذي التجارب بكراهية وحقد ، ومشهيات من الخيرات الطبيعية والثروات والاموال التي تسيل لها اللعاب ). ولكن هنالك اربعة ملاحظات تظهر مع هذه التجارب الميدانية لأنظمة الحكم .
الملاحظة الاولى : في العراق تم في السابق إجراء تجربة نظام الحكم الثيوقراطي الديني ثم نظام الحكم الأوتوقراطي الملكي ثم نظام الحكم الدكتاتوري العسكري ثم نظام حكم الفاشية القومية ، وكل فترة حكم تطول لعشرات السنين وتكون مصحوبة بأنهار من الدم والابادات الجماعية ، أول ما تطال فيها الاقليات وعلى رأسهم الكورد بكل طوائفهم بدءاً بالكورد الفيلية وإنتهاءاً بالأيزيدين ، وبعد أنتهاء تجربة نظام الحكم القومي يعاد الوجه الثاني من جديد الى البداية لهذه الدورة الدائرية ، وفعلاً تم تحوير نظام الحكم الديني الى نظام حكم ديني مطّعم بنكهة الديمقراطية وسيكون التالي أكيد نظام حكم قومي مطعم بالديمقراطية وثم دكتاتورية مطعمة بالديمقراطية وهكذا .
الملاحظة الثانية : التجارب التي تجرى في هذا البلد هي فقط تجارب لأسوأ أنواع أنظمة الحكم ( يعني فقط النسخة الرديئة ) ، أي أن أنظمة الحكم الراقية أو النسخ الراقية لا يتم تجربتها في هذا البلد والسبب هو أن أنظمة الحكم الراقية يجب فيها الإستغناء عن سفك الدماء ويجب أحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق الطفل وحقوق المرأة وحتى حقوق الحيوان ، وهذا ما يتناقض مع الشريعة الموروثة والعرف العشائري والتأريخ . ونحن نعلم علم اليقين بأن أي تجاوز على الشريعة وعلى العرف العشائري والتأريخ هو تجاوز للخط الأحمر ، لذا أستوجب وجوباً هتك الحرمات وسفك الدماء مع أي نظام حكم يجرب على هذا الشعب المسكين كي تنجح التجربة ، ولا ننسى إنه تم بنجاح كبير إضافة المقابر الجماعية كنكهة جديدة لإنظمة الحكم المجربة .
الملاحظة الثالثة : لا يوجد نظام حكم يتسلق السلطة في العراق الا وتكون له قواعد خلفية في أحدى عواصم دول الجوار بالتتابع وكأنما هناك إتفاق بين هذه الدول على تداول المسؤولية في المذابح التي تطال الشعب العراقي ، ولا توجد دولة مجاورة واحدة لم تلوث يداها بجرائم السلطة و القتل في العراق .
الملاحظة الرابعة : جميع انظمة الحكم الفردية والجماعية منذ الحكم الاسلامي الاول وحتى يومنا هذا ، نلاحظ الحاكم بعد ان يفشل في تجربته السلطوية يبدأ بسب ولعن اهل العراق ويحملهم المسؤولية لفشله ثم يبدأ بهم قتل وابادة وتحقير الى ان يتم سحله أو قتله أو ذبحه .
أيها الناس نحن ولدنا في مجتمع وبصرنا الدنيا ، نرى ونسمع فقط مفردات ( تحرير ، نضال ، فلسطين ، قضايا الأمة ، الدفاع عن الامة ،استعمار ، الصهيونية ، عقيدة ، بندقية ) ثم بمرور الزمن تمت إضافة مفردات ( الجهاد ، الله أكبر ، الشهادة ، علماء الدين ، الاجر والثواب ، العشاء مع الرسول ، مفخخات ) ، ثم وبعد سنين عجاف خرجت النتيجة النهائية كحصيلة للجهود النضالية الجبارة ، والنتيجة كانت كالأتي ( المثلية الجنسية وحرق القرآن ، الفساد والسرقات والمحتوى الهابط ، والاباحية والمخدرات والكريستال والعنف وانعدام الخدمات وجيوش العاطلين عن العمل وانتشار الفقر والجريمة ) . أي لا تحرير ولا شعارات فارغة ، وإنما كلها كانت تغطية لبناء مجتمع فاشل ، طبعاً القمع والإكراه لا يلد إلا السيء ، وهل نتوقع غير المحتوى الهابط والكريستال المخدر والفساد وحرق القرآن والاباحية والفشل من أجيال القمع والدجل والحرمان ، وهذا يفسر السر وراء عدم تطور مجتمعاتنا مع العلم تأريخنا يمتد لألاف السنين ، بينما هناك مجتمعات تأريخها لا يمتد الا لثلاثة أو أربعة قرون أو حتى فقط عشرات من السنين أنتقلت الى مصاف الرقي والتطور .
كل الويلات والمصائب تركزت في ثلاثة دول وضعت شعار الله أكبر على أعلامها . وأية دولة تريد ان تضع اسم الجلالة على علمها عليها ان تنضم لهذا الثلاثي الكارهين للحياة . نعم في هذه الدول الثلاثة تجد الحياة مكروهة لأن الموت فيها أفضل طموح عند عقائد مجتمعاتها .
كم تركت تجارب أنظمة الحكم من ضحايا وأرامل وثكالى وأيتام بحيث أنه أصبح متعذر علينا تقديم إحصائيات رسمية لأن القلة القليلة هي التي نجت من المصائب والويلات أما الغالبية فهي التي ذاقت مرارة تجارب أنظمة الحكم السيئة . لا أظن أن بلداً مثل العراق سينال في يوم من الأيام نظام حكم راقي ، ليس لأن الإنسان العراقي لا يستحق ذلك ولكن الظروف المحيطة بالعراق تمنع ذلك ، ولأن الأيدلوجيات التي تعشعش في هذا البلد كلها أيدلوجيات معتقة بدماء الأبرياء . لذا يبقى هذا البلد مختبراً للتجارب حتى تحين الساعة التي يتم تقسيمه ، وتقسيمه يعني ابتلاعه من قبل دول الجوار .
بلد كان بإمكانه في يوم من الايام ابتلاع دول الجوار ، والسمو بعيداً عن الدول الجرباء التي تحيط بالعراق ، ولكن بسبب الحقد والعنصرية والكراهية والجهل عند الجهة التي تتسلط على البلد جعلته بهذا المستوى . . . أنا الذي اتصوره في الخيال ان ابتلاع اي جزء من هذا البلد من قبل أي جار سيتحول الى سم قاتل في أحشاء ذلك الجار ، وهذا يعني بأن المنطقة كلها ستتغير في المستقبل القريب ، ولكنها لا تتغير بشكل سلمي وإيجابي نحو الأحسن بل ستكون هناك بحور من الدم والاقتتال والتخلف وحروب النيابة وحروب الماء ثم البقاء بعيدين عن الركب العلمي والتحضر العالمي طالما هناك اولويات للدين والمذهب والقومية والعشيرة والنسب على حساب المجتمع والوطن والإنسانية وأن الاختلاف الديني و المذهبي و القومي و العرقي و الكراهية الموروثة و الحقد التأريخي لابد ان تستفرغ سمومها بين الفينة والاخرى لأنها وصلت الى حد الانفجار ، وهذا هو زمن الانفجار لكل الشحن الديني والطائفي والحقد التأريخي الذي استمر لمئات السنين .