نحن مجتمع عندنا شهوة غريبة هي شهوة الأحزان ، عندنا حزن الماضي باقي وراسخ وعندنا حزن الحاضر يعذبنا بلا رحمة وحزن المستقبل متربص بنا ، ثلاثة انواع من الاحزان صنعناها لأنفسنا لأن عقائدنا لا تصنع الأفراح ، فقط الأحزان ، الأحزان اختصاصنا لا ينافسنا فيها أحد ، بالنسبة لحزن الماضي حزن أنتهى وقد تكون أنتهت أسبابه ، أي بمعنى حمل ثقيل زال عن كاهلنا ، لأن الحزن حمل ثقيل تصب عذاباته للنفس وتعكر المزاج وتسلب الابتسامة من الوجوه وتترك الحياة كئيبة وبزوال أسباب الحزن تعود الدنيا لتضحك من جديد لأن الحزن من علامات الالم ومن علامات الإنكسار ، ولو تمعنا قليلاً بقوانين الحياة وظروفها سوف نرى أن أيام الأفراح قليلة جداً والأحزان هي الغالبة ، لذلك جعل الله قدرة خاصة للإنسان ينسى بها الأحزان بمرور الأيام لأن أستمرار الحزن يعني الهلاك ، يعني الظلام ، يعني الألم يعني التوقف عن حركة الحياة . . بانتهاء حزن الماضي الذي غادرنا ولم تطاوعنا أنفسنا أن نغادره ، فأن الحاضر لايمكن أن يتركنا أن نعيش بلا أحزان ، خاصة وانه يعرف ضعفنا وخضوعنا ورغبتنا لشهوة الأحزان ، الحاضر له همومه وأحزانه ، فالعاقل بيننا من يخفف عن نفسه الهموم والأحزان وكذلك يخفف عن الناس الهموم والأحزان ، وهذه الأحزان لها مصادر متعددة منها المجتمع ، منها الدولة ، منها الطبيعة ومنها نفس الإنسان ، أما أحزان المستقبل فهي صناعة الحاضر ، وهذه أفضل صناعة نتفوق بها على جميع المجتمعات ، أنظروا كيف أن الأحزان لا تتركنا بحالنا لأنها تعلم بأننا نشتهيها ، فما بال عقولنا تبحث عن الأحزان لتضيفها عنوة الى حياتنا ، هل هذا يدل على صحوة عقولنا ؟ شعب لا يكاد يفارق اللون الأسود ، فاللون الأسود هو الغالب على ملابس الناس والدموع هي التي لا تتوقف طوال السنة ، البكاء والنحيب نخلقه لأنفسنا لأننا لم نعد نصدق نتيجة الصدمات المتتالية ونتيجة المصائب المؤلمة بأن الحياة فيها سعادة أو وراءها أفراح لأن الفرح أصبح في قاموسنا الاجتماعي منبوذ ومع ذلك نعلم بأن الحياة فيها سعادة وأفراح ولكننا جعلناها حصرياً بعد الممات لنقنع أنفسنا بضرورة استمرارية الأحزان في هذه الدنيا دون أنقطاع ، دع التيار الكهربائي ينقطع ، دع التعليم ينقطع ، دع الماء و الخبز ينقطع ، دع الثقافة تنقطع ، المهم أن لا تنقطع الأحزان ، وأما الذين زرعوا فينا هذه الأفكار وأعني أفكار الأحزان وهذه المفاهيم البائسة اليائسة ، هؤلاء يتنعمون بجمالية الحياة ويفرحون ويمرحون ويتذوقون ملذات الحياة ، ولكن عندما يخرجون الينا يلبسون السواد ليشعروننا بأن لا خيار لنا سوى السواد والبكاء ، فأن عجزوا عن إقناعنا بما يريدون سيخلقون لنا المآسي والويلات كي نعيش الحزن بأي شكل كان . . هذا الكلام مأخوذ من الواقع وليس فيه انتقاص من أحد وليس فيه تجني على أحد ولكن هناك جهات تعمل بلا ملل وبلا كلل أن تجعل الأحزان هو كل ما نملك في هذه الدنيا ، أما هم فحياتهم تختلف ، ولا يمكن أن تلتقي حياتنا بحياتهم ، لأن تعاستنا وهمومنا وأحزاننا يعني سعادتهم وأفراحهم وبحبوحة معيشتهم ، فهم السادة ونحن العبيد ، وإذا نحن أدركنا هذه الحقيقة وأنتفضنا لأنفسنا وتحررنا من أفكارهم التي زرعوها فينا سيخسرون سعادتهم والجنان التي يمتلكونها والامتيازات التي حصلوا عليها بغفلتنا . قد لا يعلم هذه الحقيقة اغلب الناس لأن أغلب الناس منع عنهم استخدام عقولهم في التفكير لأن هؤلاء المتسيدين حشروا الدين ليقوم بدور مانع التفكير والتحرر ، نعم الدين يمكن بسهولة استخدامه لمنع استخدام العقل طالما أن الدين يتقبل تفاسير وآراء مختلفة ومتناقضة . . . أيها الناس اتقوا الله وأعطوا قليلاً من الحزن لحاضركم وعلى الاقل دقيقة صمت ودمعة واحدة لمستقبلكم ومستقبل ابناءكم . لا تستخدموا حزنكم كله فقط على الماضي ، أبقوا ولو قليلاً من الحزن للحاضر والمستقبل ، قليلاً من الحزن على أنفسكم ، فحزنكم القادم كبير ولا ينفع معه اللطم والعويل والنحيب ، عندما تصحون وتجدون أنفسكم في بلد بلا أنهار وبلا ماء بلا موارد ، بلا زراعة بلا صناعة بلا وجود بين الأمم ، ماذا سيفيدكم اللطم حينها ؟ فهناك معلومة مخفية عنكم ، حزنكم واللطم على الماضي جعلكم مشغولين وسكارى عن واقعكم المؤلم والمخزي بنفس الوقت . كي يسرق حرامية الدين والمذهب براحتهم ويبنون عمارات في لندن ونيويورك ودبي وأنتم تضحكون على أنفسكم وكأنكم تقولون لأبنائكم سنترك لكم العذابات كلها ، أنتم أغرب بشر عاش على الارض ، بشر يبكي على الماضي ويضحك على الحاضر وعلى المستقبل مع العلم أن جراحات الحاضر هي التي تنزف وهي التي تؤلم وهي التي تستوجب الصراخ ، وكأن الماضي يخصكم ، أما الحاضر والمستقبل لا يخصكم ، فلتبقى شهوتكم للأحزان قائمة قوية لكيلا تصحوا ولو ساعة واحدة فتصيبكم الصدمة .