في عصرنا الحالي أستطاع بعض الناس أن يثبتوا بأنهم قادرون على تغيير الموازين ولهم قدرات خارقة في حرف أذهان الناس عن الحقائق ، قادرون ان يجعلوا الصح خطأ والخطأ صح وإقناع طيف واسع من الناس بما يريدون ، وقادرون أيضاً أن يجعلوا الأبيض أسود والأسود أبيض في عيون الناس من دون أن يغيروا الألوان ودون المساس بالصح ولكن من خلال القدرة على التلاعب بعقول الأخرين ، وهؤلاء الذين نتحدث عنهم حققوا نجاحات كبيرة على مستوى نوعي مميز وهم على وشك أن يغيروا مجرى التأريخ ، ، حققوا متابعات جماهيرية عريضة . إنهم لا يبدأون من نقطة الصفر بل إسلوبهم تدريجي الى أن يصلون مبتغاهم ، ، الوسائل الإعلامية هي الآفة واللغز وراء هذه القدرات ، يستطيعون أن يسمون التعري تطوراً فيقنعون الناس بها ويصدقهم الملايين من بني البشر ، يستطيعون ان يجعلوا من ضرب الرؤوس بالنعل جزءاً من الطقوس الدينية فيقنعون الناس بها فيفعلونها وهم فرحون ، يستطيعون ان يجعلوا المثلية الجنسية والشذوذ سمو أخلاقي في أذهان الناس ، ومن لا يرضى سيكون بحاجة الى الدخول في المصحات العقلية ليعالج نفسه حسب قناعاتهم ، يستطيعون أن يقنعوا الناس بأن العبودية هي الحرية وأن الحرية هي العبودية فتصبح عقيدة وآيدلوجية يعتنقها الملايين من المغفلين التائهين ، يستطيعون ويستطيعون أن يفعلوا أي شيء ، ولكنهم بالحقيقة هم ليسوا خوارق بقدر ماهم توافه ومرضى وشواذ طاوعتهم الأيام كعادتها حين تطاوع الأنذال ، بل مقدرتهم تجذب الأنظار عندما تجد الملايين من الناس تقتنع بما يريدون وكأنهم جعلوا الخيال والحلم حقيقة في أذهان الناس ، والأكثر من كل ذلك يظهر لهم جيش من الإعلاميين وكتاب وصحفيين وفنانين وأدباء ومحطات فضائية ومشاهير يمجدون خطاهم و يثنون ويباركون جهودهم الخيرة وينثرون الورود تحت أقدامهم . . .أما المثقف الواعي العاقل النقي غير الملوث يقف موقف المتفرج وهو في حيرة من أمره غير قادر أن يحرك ساكناً مستسلماً للواقع ، وكأن الحال أمامه موج كالطود العظيم لا ينبغي لأحد منا أعتراضه .
أن ذكر هؤلاء الشواذ غصة في الحلق وحسرة تعصر القلب ألماً ، ولكن علينا أن نعترف بأنهم حققوا الخوارق ، واستطاعوا ان يسحقوا عقول الملايين من الدواب البشرية ويتلاعبون بها كيفما يشاءون . أنا أرى من الضروري ان تخصص جائزة عالمية تمنح سنوية لأحدهم وتكون هذه الجائزة موازية لجائزة نوبل ولكنها تمنح للأقذر والأنجح في تمرير قذارته في عقول الناس ، فعلاً يستحقون هذه الجائزة عن جدارة ، نموذج من هذا النوع قادر أن يعلن نفسه إلهاً أو الرب الأعلى متى شاء ، لكنه هو من يفضل أن يتخذونه الناس إلهاً خفية دون أن يعلن عن ذلك ، ، ، لا أدري كيف يتقبل الناس الخزعبلات والخرافات والدجل مع وجود كل هذه الوسائل التكنولوجية والعلمية والاعلامية والتوعوية ، هل هناك شيء مخفي عن الانظار لا يراه الا الدجالون ؟ أم أن حقيقة الناس هم دواب بهيئة بشر ، وأن القليل جداً هم البشر الحقيقيون وهؤلاء القليلون أكيد تجد أن معيشتهم ظنكا ، وأن حياتهم نكدا ، وأنهم دائماً تحت المطرقة .
الحقيقة المؤلمة أنك عندما ترى الناس يهينون أنفسهم بأنفسهم من خلال تقبلهم مالا يعقل تشعر بأن الحياة لم يعد لها طعم ، وكأن كل شيء أصبح من السخافة التفكير به فقد حسم الفاسدون الساقطون الموقف لصالحهم بكل سهولة وتركوا بعض الشعوب وحدها تنطلق لفضاء الحرية والتطور العلمي ، ولسان حالهم هؤلاء البشر الاحرار فقط هم من يستحق المجد لأنهم أحرار ، لأنهم لم يهينوا أنفسهم ولم يستمعوا الى ترهات الحديث ولم يجعلوا من أنفسهم وأهليهم أضحوكة و حطباً لمن هب ودب ، ولم يندبوا حظهم لأنهم آمنوا بأن الحظ العاثر يأتي بسبب الدماغ العاثر ، وقد صدقت رؤياهم وصدق ظنهم .