مشكلة العرب والمسلمين إنهم حتى اللحظة غير قادرين ان يستوعبوا بأنهم أصبحوا خلف الأمم ، غير قادرين أن يستوعبوا أنهم أضعف الأمم ، غير قادرين أن يستوعبوا بأنهم لم يعودوا خير أمة أخرجت للناس وأقوى أمة أعزها الله ، غير قادرين أن يستوعبوا بأن دويلة مثل إسرائيل قادرة اليوم أن تمحي وجودهم ، مازالوا يراهنون بأنهم قادرون على فعل المستحيل ، مازالوا يعتقدون بأن الخطب الثورية العاطفية الرنانة هي سلاح المعركة ، مازال ظنهم بأن الحشد الجماهيري والشعارات تحسم المعارك . ماهو السبيل لجعلهم يدركون بأن الصورة التي رسموها عن أنفسهم في أذهانهم لم تعد سارية المفعول ، ماهو السبيل لكي يصحوا من هذا النوم العميق ، وينتفضوا ضد أنفسهم و يبدأون من جديد رحلة الحياة ليلحقوا بباقي المجتمعات ، فقد عاشوا طوال أعمارهم يظنون بأن العار هو فقط ما تمارسه المرأة من علاقة جنسية غير شرعية في الخفاء وتغافلوا بأن العار الحقيقي هو التخلف ، هو العدوانية ، هو الغرور الفارغ ، هو عدم القدرة على فتح الأدمغة ورؤية الحقائق ، وأكبر العار هو أن يكون الجيل القادم أسوأ من الجيل السابق ، خلال تجربتي في هذه الحياة وجدت بعض الناس وبعض المجتمعات يستحيل عليها أن تتحرر من أفكارها المتهرئة البالية والسبب لإنها لا تدري بأن عقولها أصغر من أن تتحرر ، وتعتبر التحرر جناية بحق شريعة الاباء والاجداد وتراث الاباء والاجداد . فهم يعيشون ويموتون على هذا النهج و يتركون أثارهم السيئة على من عاش في أكنافهم وعلى من دخلت المعرفة ونورها في قلوبهم ، ملايين من الشباب العربي والاسلامي لا يعرفون بأنهم يحملون السيوف ضد الأمم من دون مبرر يذكر ، وهم بالحقيقة يحملونها ضد أنفسهم وضد عقولهم لان القلم أصبح اليوم أقوى من حمل السيف ، ولكنهم لا يستطيعون تغييرا لأن كابوس المتسلطين وسيوفهم أعنف وأبقى على رؤوسهم ، كلما تحدثوا بالماضي يأتوك بتفاصيل ما أنزل الله بها من سلطان عن الماضي وهم لا يعرفون شيء عن الحاضر ، لا يعرفون حتى تفاصيل حياتهم الخاصة ويحدثونك عن تفاصيل حياة الاسلاف المستنبطة من قصص الف ليلة وليلة الخيالية ، ويحللون نفسيات وعقول الناس الذين عاشوا قبل مئات السنين بل آلاف السنين وهم عاجزون أن يحللوا نفسياتهم وعقولهم هم أنفسهم ، يعطون تقييم للأمم الأخرى ويعجزون عن تقييم أنفسهم ، يعيبون الأمم الراقية ولا يعيبون أنفسهم ، يرسمون صورة من يحبون من الاسلاف بهيئة ملاك وصورة من يبغضون بهيئة شيطان ، يحرمون أبناءهم من نعمة المعارف التي وصل اليها غيرهم ونالتها عقول أهل الشرك والكفر ويظنون بأنهم الافضل وماعندهم الافضل ، يحلمون بالجنس وبالنساء السبايا فيقدمون أنفسهم على مائدة الموت تفجيراً وأنتحاراً فقط ليشبعوا حاجتهم من الجنس في الآخرة التي حرموا منها في الدنيا .. هذا غيض من فيض مما نعاني منه مع هذه العقول المتيبسة الجافة التي لا تسمح لنا ولا للأحرار أن يشقوا طريقهم الى المجد والمضي قدماً مع الركب الإنساني .
هل من أحد يصدق بأننا اليوم تتحكم بنا رواية نقلها شخص لا نعرفه عن شخص أخر لا نعرف عنه أي شيء عن شخص ثالث ورابع وخامس وعاشر وكلهم بالنسبة لنا مجهولوا الهوية ، والرواية عبارة عن فتنة ، عبارة عن قطعة نار تتدحرج و كلما مر عليها الزمن تكبر ثم تصبح هذه الرواية جزءاً من دستور حياتنا ، ويتم قتل الناس وذبح بعضهم بعضاً على اساسها ، هل هذا الشيء يحدث في عقول طبيعية قادرة أن تتطور وتتحرر وتصحو من سباتها ؟ متى ما قامت هذه الامم برمي مثل هذه الروايات ومثل هذه الترهات في المزابل ومعاملتها كالنفايات عندها ستستطيع أن تضع أقدامها على الطريق الذي مشت به الأمم الحية .
العرب والمسلمون عندما يرون أنفسهم بأنهم قادرون على إيذاء الأقليات الدينية والعرقية المسالمة المجاورة لهم والمتداخلة معهم تأريخياً وجغرافياً يصيبهم الغرور والعظمة ويظنون بأنفسهم خيرا ويظنون بأنهم مازالوا أقوياء وأنهم سادة الأمم ومازالت يدهم طويلة على الاخرين ، مثلما فعلوا فعلتهم القذرة بالكورد الايزيديين عندما أعتدوا عليهم في غفلة من الزمن ، ومثلما فعلوا فعلتهم الدنيئة باليهود سكان العراق ومصر وسوريا والبلدان الاسلامية . ومثلما فعلوا فعلتهم النذلة بالكورد الفيلية ، وبالمسيحيين والأقباط وغيرهم .
هذه العقدة ، عقدة الكراهية التي صاحبت حياة العرب والمسلمين والتي أدت الى ضياع فرص حقيقية لبناء الإنسان العصري وبناء مجتمعات أكثر سلمية وأكثر إنسانية وأكثر إندماجاً بالمجتمعات الاخرى ، يمكن إعادة تسليط الضوء على هذه العقدة المزمنة وترميمها مثلما فعلت بعض الدول كالإمارات العربية ومثلما فعلت كوردستان فحققت قفزة نوعية الى الأمام لأنها تحررت جزئياً من الموروث المظلم ، التخلص من لباس الماضي الذي لم يثمر وزراعة حاضر مثمر وبناء دولة مدنية بمعايير دولية وإحترام الإنسان وتقديسه فوق الدين وفوق العروبة وفوق العشيرة وإزالة كل الرموز الوهمية وإعطاء قيمة وأهمية للطفل والمرأة وتبجيل أصحاب الاحتياجات الخاصة وحب الناس على أساس إنسانيتهم وأخلاقهم والتزامهم الاجتماعي والقانوني لا على اساس دينهم او مذهبهم او قوميتهم او نسبهم ، كلها عوامل تصب في تغيير الواقع المر المريض . مشاكل العرب والمسلمين أصبحت اكثر وضوحاً وأكثر زفرة في زمن العلم والتكنلوجيا فأستمراريتها يعني ذبول هذه الأمم وموتها تدريجياً فقط لأنها لا تريد تغيير أنفسها ، فهل هناك دعابة أكثر سخرية من هذا المصير ؟ .
أن الاستمرار على الحال الخاطىء وعدم تقبل التجديد وعدم نقد الذات وعدم تصحيح مسارها ومحاربة اهل الثقافة العلمية والتمسك بالعنف ، ورفض قبول الدولة المدنية الدستورية ، إنما هي نذير شؤوم لمستقبل الاجيال وسيكون ثمن كل ذلك مكلف وكبير .