أقدم الفنان السابق والناشط الالكتروني الحالي (نزار الخالد) على قرار جريء وشجاع.. حينما بدأ ببث أولى حلقاته التوثيقية.. التي تطرق من خلالها الى معاناته ومشاهداته الأولى لجرائم النظام الدكتاتوري البعثي المقبور.. من خلال سلوكيات العوائل المتنفذة وأبنائهم.. الذين عبثوا بمقدرات البلد.. وأذاقوا غيرهم الحرمان والذل وأشبعوهم قهراً.. ناهيك عن اضطهاد السلطة وتجاوزات أجهزة القمع الدموية وما خلفته الحروب من خسائر فادحة.. معروفة بهذا القدر او ذاك للجميع..
لكن الجديد في هذه المتابعة.. انها تأتي من خلاله كفنان اجبر على الأداء في الحفلات “الفنية” للعوائل البعثية في بغداد وتكريت والعوجة.. هذه الحفلات التي رافقها “كرم عشاري” وتعارف عن قرب على أبناء وعائلة صدام والمقربين لهم.. ممن كانوا طرفاً في الحوادث.. التي يرويها بتفاصيلها.. عن تلك المرحلة.. او شهوداً عليها.. بحكم وجودهم في أجهزة القمع ومؤسسات الدولة وملحقاتها الحزبية ـ الأمنية..
من هنا تكمن خطورة وأهمية ما يأتي فيها.. من سرديات لمعلومات مذهلة.. تقلب الطاولة على الكثير من الأسماء والأحزاب.. التي تبنت رعاية العديد من عناصر ورموز النظام الدكتاتوري الإرهابي قبل وبعد السقوط..
كما انها تميط اللثام.. لا أريد أن اقول الورقة الأخيرة.. لأننا ما زلنا في البدايات المزلزلة.. وتكشفت الغطاء عن الكثير من الغاز الحوادث والجرائم.. التي ارتكبت في ذلك العهد.. المنتج للمجرمين والقتلة الأوباش.. وتفضح من كانوا يعملون في السر معهم وشاركوهم بهذا القدر او ذاك فيها..
وهنا.. ويا للمهزلة.. في سياق هذه السرديات.. الدور الذي لعبه قادة وكوادر المعارضة.. فيما نسب إليهم من خلال شهادات الضباط.. الذين تداخلوا وسجلوا نتفاً من معلوماتهم.. في هذه الحلقات التي شملت لحد الآن:
1ـ سريات ومشاهدات الفنان نزار خالد نفسه وتجربته بتفاصيلها بحكم قربه او اقترابه من عائلة صدام والمحيطين بها في بغداد وتكريت والعوجة..
2ـ الحلقات غير المكتملة التي وثقها لـ (نواف الزيدان) وما فيها من مفاجآت بحكم قرب نواف زيدان وعائلته.. بمن فيهم شقيقه صلاح زيدان الذي كان يعمل مع قيادة قطر العراق التابعة لسوريا.. وما حل بهم.. وما تعرضوا له من اضطهاد واذلال ومشاكل اجتماعية ـ عشائرية في مراحل تاريخية متعاقبة.. اخطرها لجوء عدي وقصي لبيته في الموصل ـ بعد سقوط وزوال النظام ـ رغم ما أصاب العديد من افراد عائلته من الملاحقة والاعتقال والسجن في فترة حكمهم..
3ـ دخول أبو وسام.. أحد أقرباء صدام.. من الضباط العاملين في جهاز المخابرات على الخط.. وادلاءه بمعلومات خطيرة وتفصيلية.. عن حوادث وجرائم مرتكبة نسبت لجهات وشخصيات أخرى.. أو أجهزة قمع في بلدان مجاورة.. جرى الكشف عن ملابساتها والغازها.. وسوف يكون له شهادة تفصيلية لاحقة.. تكشف المزيد من المعلومات عمن تورط في هذه الجرائم.. بهذا القدر او ذاك.. بمن فيهم من كانوا محسوبين على المعارضة.. ويتخفون كعملاء بين التنظيمات الحزبية في حينها.. ممن ما زالوا يعبثون في أروقة مؤسسات الدولة.. بحكم ما يمتلكونه من غطاء سياسي او اجتماعي.. ناتج من حالة الفساد السياسي في العراق وكردستان.. وامتدادات هذا الفساد إقليمياً وعالمياً..
4ـ كشفت حلقة يوم أمس.. السابع من آب.. عن اتصال عدد من الضباط.. ممن تواصلوا وتداخلوا مع البرنامج وكشوا المزيد من المعلومات.. تشكل حالة تحول مهمة استقطبت المزيد من الشهادات والأسماء المهمة لعناصر.. كانت تعمل في أجهزة القمع البعثية.. بينت وأكدت استعدادها بشجاعة.. للكشف عن تفاصيل أخرى في الحلقات القادمة..
وهو امر إيجابي.. كنا نفتقده للآن.. بالرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمن على سقوط وزوال الدكتاتورية.. كان من المفروض على الأحزاب العراقية ان تقوم به.. لكنها اهملته وانجرفت وراء مكاسب انتهازية.. ومناقع ذاتية للمسؤولين.. ومن كان في قمة الهرم.. وأغفل مهمته عن عمد.. وانساق بحكم عدم الشعور بالمسؤولية.. الى تبرير مواقفه الداعمة لشراذم البعث.. واحتوائهم والتغطية على جرائمهم بشتى الذرائع.. ولا استثني من هذه الأحزاب أي طرف ابتداء من:
1ـ الحزب الشيوعي العراقي.. الذي لم تكن قيادته في مستوى المسؤولية في هذا المجال.. ولم يكن رد فعلها على جرائم البعث مناسباً.. لحجم ما ارتكب بحق رفاقهم.. والتضحيات الغالية التي قدمها الشيوعيون بمختلف فصائلهم.. في فترة سيطرة حزب البعث على السلطة من عام 1963 لغاية السقوط وما بعدها..
وما زالت ملفات قوافل ضحاياه.. وما حلّ بمناضلي ومناضلات هذا الحزب.. ومن اتهم بالانتساب لصفوفه.. في السجون والمعتقلات والأنفال مركونة على الرفوف.. وقيادته وممثلوه في البرلمان ومؤسسات الدولة لا تحركون ساكناً في هذا المجال..
والأسوء من كل هذا.. بعد سقوط النظام.. الاقدام على اتلاف الوثائق والملفات الأمنية الخاصة بالحزب الشيوعي العراقي ـ الكردستاني.. التي سلمها الراحل أحمد الجلبي لقيادة الحزب في بغداد.. بإشراف السكرتير الأول واثنان من أعضاء اللجنة المركزية في حديقة مقر بغداد وهناك شهود على هذا التصرف الغريب والأحمق الذي يبعث على التساؤل والاستغراب..
2ـ الأحزاب الكردية المتنفذة في كردستان.. في المقدمة منها الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.. الذين تسابقوا وتنافسوا في التغطية على المجرمين البعثيين من الكرد والمرتزقة الجحوش.. وانغمسوا في منافسة سياسية بائسة.. كانت نتيجتها:
ـ إطلاق سراح الضابط المجرم الذي قصف حلبجة بالكيماوي من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية..
ـ واستقدام قوات صدام حسين العسكرية للدخول الى أربيل.. من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني في 31 آب 1996..
والأسوء من كل هذا.. النشاط العلني للبعثيين في عموم مدن كردستان.. ابتداء من السليمانية ومروراً بأربيل ودهوك.. وما رافقها من مهازل موت عزة الدوري في أربيل.. والتواجد البعثي المكشوف في أربيل ودهوك.. وما رافقه من استقدام لضباط أمن من العهد البعثي المقبور منهم مدير امن أربيل الذي كان يلقب بالعاني في عهد صدام.. ومنحهم امتيازات وحماية.. لأجل تدريب والمساعدة في وضع خطط امنية لأجهزة الامن.. تشمل قمع وتفتيت المعارضة واسكات الجمهور وافشال اية محاولات تدعو للانتفاضة والتغيير.. وللأسف لم يتوقف الأمر عند هذه الحدود.. فالمعلومات الأولية تشير الى وجود عناصر من قيادات داعش في مدن كردستان.. بحجة الاستفادة من معلوماتها.. وخبرتها.. وهي بحماية الحزبين وحكومة الإقليم..
3ـ الأحزاب الإسلامية بمختلف تسمياتها.. التي أصبح البعض منها امتداداً للبعث وسياساته الاجرامية في مختلف المدن.. ابتداء من الموصل وتكريت والرمادي وبقية المدن في المنطقة التي تصنف بالغربية.. بالإضافة الى البصرة والناصرية والحلة.. وبقية مدن وسط وجنوب العراق.. التي شهدت احتضان عناصر حزب البعث وكوادره.. وجعلت منهم واجهات لأحزابها.. وسهلت تواجدهم في مؤسسات الدولة ممن شاركوا وما زال يشاركون في العمليات الاجرامية.. ونشر الفساد والطائفية في العراق.
4ـ الواجهات السياسية والعشائرية والاقتصادية.. التي تشكل حاضنة كبيرة للبعثيين.. وتساهم في التغطية على جرائمهم القديمة والجديدة.. وفي المقدمة منها مؤسسة البرلمان.. والوزرات التي تقدم لهم.. في نطاق المحاصصة والاتفاقات.. التي تجري خلف الكواليس.. بين الأطراف السياسية.. التي استلمت السلطة في العراق بعد السقوط..
5ـ التنظيمات الحزبية والعسكرية والأمنية.. التي شكلها حزب البعث.. قبل وبعد سقوط النظام.. التي ما زالت تنشط في العراق والدول العربية وأوربا وامريكا.. وجرى الكشف عن بعضها بالأخبار الموثقة بالفيديو.. بعد فشل مؤتمرهم في أربيل.. والانشقاق الناتج عنه في سبتمبر 2020 لأجل تحديد من يقود الحزب.. وكانت الأسماء المرشحة تشمل (صبار المشهداني) المدعوم من القيادة القومية لحزب البعث ومقرها الحالي في السودان و(عكلة عبد صكر الكبيسي) المقيم في أربيل.. الذي كان نائباً لعزة الدوري ويدعي احقيته في تولي القيادة وفقاً للمتعارف عليه في كواليس حزب البعث.. وما رافق المؤتمر من مهاترات بعثية تناقلتها وسائل الاعلام والمحطات الفضائية.. التي استندت الى ما ينشر في مواقع حزب البعث.. وما ورد فيها من تراشق إعلامي واتهامات بالأسماء..
كل هذا يدعونا.. ونحن هنا لا نقلل من أهمية.. هذه الخطوة الشجاعة.. لـ نزار الخالدي ومن يدعمه في هذا التوجه.. الى وصف خطواتهم.. بالمهمة الصعبة.. صعبة لكثرة الجرائم المرتكبة فيها.. التي أهملها السياسيون في العراق.. كما اهملتها الحكومات العراقية المتعاقبة بكافة مؤسساتها طيلة العقدين الماضيين للأسف.. وتحتاج الى مؤسسة إعلامية وشبكة علاقات متكاملة.. تستقطب من له خبرة في التوثيق.. وتحويل هذا الجهد من عمل فردي الى عمل جماعي متواصل.. يؤسس لفرز المعلومة وتدقيقها وبلورة المزيد من الأساليب الناجحة في اختيار المتحدثين واختصار الزمن.. المعد والمخصص لهذه الحلقات..
لتصبح ركناً من اركان مؤسسة توثيقية فاعلة تختصر الزمن.. وتقدم ما يمكن تقديمه للعراقيين من معلومات دقيقة.. يكون الهدف منها في النهاية..
استخلاص الدروس والعبر والنتائج الداعمة للتوجهات السلمية في المجتمع.. يكون أساسها ادانة العنف والقسوة والممارسات الخاطئة.. التي ترافقت مع عمر الدولة العراقية المفتقدة لمفهوم المواطنة.. وأصبحت جغرافيتها مسرحاً للدمار والخراب والعبث بمقدرات أبناء شعبنا ومستقبل اجياله..
ـ تحية للفنان والإعلامي الشجاع نزار خالد.. ومن يقف معه في هذا الجهد الذي يستحق الثناء والتقدير.. وينتظر منا ان نحوله الى جهد جماعي.. ومؤسسة توثيق.. تستقطب المزيد من الأسماء.. التي عملت في اجهزة القمع وقررت في لحظة مراجعة إنسانية.. الكشف والبوح بما عندنا من معلومات.. ولو بعد حين..
ـــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
8/8/2023
ـ لمن يرغب في المتابعة بإمكانه البحث عن المواقع التي تبث الحوارات في تمام الساعة الثامنة بتوقيت المانيا من خلال منصة او موقع (نزار الخالدي) في الـ يو توب والفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي
مقال جدير ومهم لتذكير كل الأحزاب التي كانت معارضة بل كل الشعب العراقي للتقصير في فضح الجرائم البشعة للحزب العفلقي المجرم، نعم هناك تقصير غير مفهوم على الرغم من الكمية الهائلة من الاثباتات لجرائم صديم وزمرته المجرمة