لا يوجد نظام حكم ليس فيه عيوب ، الحقيقة أن تلك العيوب يصنعها الإنسان ، نظام الحكم وأي نظام حكم حتى ولو كان دكتاتوري بالإمكان أن يصبح نظام حكم نموذجي إنساني أخلاقي عادل إذا توفر الحاكم النموذجي العادل والمجتمع الواعي والقانون الواضح المنصف للجميع ، كلنا رأينا وعشنا نظام الحكم الديمقراطي الحالي ، بلا شك هو أرقى نظام حكم مر على البشرية ولكننا بنفس الوقت لاحظنا أن الديمقراطية تسوء في بعض المجتمعات وترقى في مجتمعات أخرى ، فكانت المعادلة كلما زاد رقي ووعي المجتمع زادت الديمقراطية حلاوة وجمالاً وعدلاً وعندنا اليابان ونيوزلندا وأيسلندا وبعض الدول الاوربية والامريكية أنموذجاً ، وكلما ضعف رقي المجتمع وضعف الوعي ضعفت الديمقراطية وقد تصل الى مرحلة أن تصبح أسوأ نظام حكم كما حدث في العراق ، وهذا يعني أن العيب ليس في نظام الحكم إذا فشل لأن مبادىء النظام الديمقراطي هي نفسها ولا تتجزأ ، وإنما العيب في المجتمع وفي الإنسان الذي يطبق الديمقراطية ، معادلة طردية ، أي أنك تحتاج الى عدالة لابد من وجود الإنسان النزيه العادل الذي يقوم بهذه المهمة ، تحتاج الى الأمان لابد من وجود قوى أمنية نزيهة أمينة ، فليست الديمقراطية من تخلق النزاهة عند الإنسان ولكن الرقي الأخلاقي والمعرفي والتربوي والقانوني هي التي تخلق العدالة والاخلاق والنزاهة عند الإنسان ، فالإنسان يصنع النظام الديمقراطي ومن ثم تقوم الديمقراطية بصناعة المناهج الصحيحة لبناء الإنسان ، فالخطوة الاولى تبدأ من الإنسان .. في الدول المتقدمة هناك صرفيات حكومية وتخصيصات مالية مهولة للمدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية ومدارس الفن والموسيقى والمدارس المهنية والنوادي الرياضية ، كلها من أجل بناء الإنسان الصحيح لإنهم عرفوا أن الإنسان هو رهان النجاح حتى ولو غابت الدولة أو فسدت سيقوم ذلك الإنسان الواعي المتعلم بتقويم البناء المعوج ، في المقابل هناك مجتمعات أخرى لا تراهن على بناء الإنسان من خلال المدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية والبدنية الرياضية وغيرها فلا توجد تخصيصات مالية ولا توجد أهتمامات بل توجد الآلاف من ابواق الوعاظ يتكلمون ليل نهار عن طريق الوسائل الاعلامية ومنابر الجوامع والمجالس العامة والخاصة عن بناء الإنسان ولكن النتيجة النهائية من كل هذا الوعظ هو ولادة إنسان سيء بكامل المواصفات السيئة ، ليس العيب في الوعاظ بل العيب بطرق بناء الإنسان ، يعني بالضبط لو قلنا لشخص عليك ممارسة الرياضة والاهتمام بالقراءة والنظافة والصحة ، كله كلام جميل ولكن هذا الشخص ليس لديه ما يسد رمقه من الجوع وليس لديه الكهرباء والماء والنفايات تحيط مسكنه وحياته فكيف سيستطيع هذا الإنسان بناء نفسه وممارسة الرياضة والنظافة والصحة أي أن الكلام يصبح هواء في شبك . المواعظ والخطب لا تبني الإنسان لذلك ترى أفسد المجتمعات هي المجتمعات التي تدعي إنها مجتمعات دينية أي مجتمعات الخطب والمنابر ، وأفشل القيادات هي القيادات التي تدعي إنها دينية لأنها لا تعرف أن بناء الإنسان ليس بالكلام ولا بالعنف ، فهي قيادات جاهلة متحجرة همها ان تقنع الإنسان بما هو ليس مقنع كي تديم وجودها حتى وأن اضطرت العنف ، وعند الفشل المخزي تقول للناس أن الأعداء تكالبوا علينا وأفشلوا طريقتنا ، لو أستمرت الديمقراطية عندنا ألف سنة لن تتطور ولن يتطور المجتمع ولن يتطور الإنسان ، ولو أستمر الوعاظ والمعممين يقدمون النصائح والوعظ ألف سنة أخرى لن يصلحوا إنسان واحد بل يزيدوا من خراب الإنسان ، وهاهم قد جربوا الاف السنين فأين هو الإنسان الذي بنوه . انظروا الى بعض ميزات الديمقراطية في بعض الدول وقارنوها بما عندنا ، عندما يفوز حزب من الأحزاب في الانتخابات عندهم ويتسلم السلطة لن يتغير كادر واحد من كوادر مؤسسات الدولة بل كل ما يتم تغييره رأس الهرم للوزارات ومجلس الحكم ، بينما عندنا فأن الحزب الفائز في الانتخابات يهيمن بشكل مطلق على مؤسسات الدولة وكأنه أحتلال وغزو أجنبي . بعض الناس يراهن على أن الدكتاتورية او نظام الحكم الملكي او الديني او العسكري سيكون هو الحل . هذا كلام فارغ فليس هناك أفضل من نظام الحكم الديمقراطي ولكن نظام الحكم هذا لا يستطيع ان يقدم شيء مالم يوجد الإنسان الصحيح الذي يترجم الديمقراطية الى الواقع ، والإنسان الصحيح لا يمكن صناعته بالمواعظ والحكم بل يتم صناعته بالمناهج التربوية العلمية منذ نعومة الأظافر . وهذا يعني أن العيوب أصبحت واضحة ، وكما يقال كشف العلة نصف العلاج ، فهل سيعرف المتصدون للمسؤولية أصل العلة ثم يسعون للعلاج أم أنهم سيبقون باحثين عن المبررات والأعذار ، ويبقى كتابنا ومثقفينا ينتقدون الدين والحكومة والاحزاب والاحتلال واسرائيل ويلفون حول العالم ويتهمون الغرب بالتآمر والسويد والدنمارك ولا ينتبهون الى أساس العلة التي هي أمامنا وهي وجود الإنسان الفاشل ذات البناء المتآكل عقلياً في سدة الحكم وفي المدارس وفي دوائر الدولة والقوى الامنية والجامعات وفي كل زوايا الحياة .
Related Posts
One Comment on “العيب في الناس وليس العيب في نظام الحكم :- كامل سلمان”
Comments are closed.
كاك كامل سلمان المحترم
تحية
لطلاع:
” العيب في الناس وليس العيب في نظام الحكم”.
العيب في الناس أسوأ من العيب في نظام الحكم
محمد توفيق علي