ابشع شيء يتعرض له الإنسان في بعض المجتمعات هو محاولة تشويه عقله ، من خلال جعل اللا معقول معقول في عقله ، جعله يهين نفسه ليرضي أسياده ، فالإنسان الذي يستطيع القيام بعمل قبيح فيه إيذاء للنفس أو إيذاء للأخرين ويظنه في قرارة نفسه عمل جميل ، فهذا إنسان عقله فيه تشويه ، الإنسان الذي يعتقد بأن الطريق المعبد السوي يؤدي الى المهالك والطريق المنحرف المظلم يؤدي الى السعادة ، فهذا إنسان عقله فيه تشويه ، الإنسان الذي يتمرد على الطبيعة ويلوث البيئة ويقلد الكائنات الحية التي هي اقل شأناً منه ويعتدي ويتطاول على حقوق الناس ، بهذه الافعال يظن أنه يعمل الشيء الصحيح ، هذا إنسان عقله فيه تشويه .
عقل الإنسان لا يتشوه من تلقاء نفسه ، عقل الإنسان بتركيبته الطبيعية ينمو بشكل صحيح ، ولكن التشويه يأتي أما من خلال التربية العائلية ، أو من خلال المجتمع ، أو من الايدلوجية التي يتلبس عقله بها . البيت والمجتمع من النادر ان يلوث العقل ويشوهه ، ولكن هناك ايدلوجيات لها قوى خفية ولها اذرع قوية ولها شرور مبطنة ولها مبشريها ولها مناهجها ، هي التي تعمد على تشويه العقول بشكل جمعي في المجتمع بحيث تصل الامور ، أن المتمرد على هذه الايدلوجيات والرافض لها يصبح في نظر الجميع هو المشوه عقلياً لأنه وحده يشذ عن الجميع .
الهدف الاساس الذي يدفع بعض الايدلوجيات لتشويه عقول الاتباع والناس عموماً هو لأجل خلق طبقة من الناس العبيد تنفذ مخططات رجال الايدلوجية ، فتلك الايدلوجية تكون ضعيفة جداً وغير قادرة في الوقوف على قدميها ومواجهة العلم والتطور ومواجهة حركة الحياة ، لذلك تختار الدخول في طريق الظلام للوصول الى غاياتها ، فهي تعلم ان الطريق السوي المعبد لن يعطي لها مكانة ولن يتقبل منها انحرافاتها . فلم يبقى امامها الا حماية نفسها بطبقة من المشوهين عقلياً ( هي من تصنعهم ) ومن ثم الزحف بهم لتحقيق اهدافها .
الافكار والايدلوجيات تتصارع فيما بينها ، وجميعها تستخدم الإنسان وسيلة لتحقيق اهدافها ، وان استخدام الإنسان او تسخيره يستوجب توفير قدر عالي من الإقناع والإقناع لا يتم الا عن طريق الإدلة والشواهد ، وبما ان الايدلوجيات الضعيفة ليست لها قدرات إقناع عقلية فإنها تعمد الى تشويه العقل وتدميره لكي تستمر هذه الايدلوجيات تنافس الاخريات ولا تغادر الساحة مهزومة بشكل مبكر ثم تقوم لاحقاً بالدفع بتلك الفئات المشوهة عقلياً في خضم الاحداث لاستعراض نفسها ، ولكي تثبت سطوتها بالشعبية الواسعة التي تمتلكها هذه الايدلوجية . . . تشويه العقل تشويه المفاهيم ، التخويف ، العنف المفرط ، الكذب ، الخزعبلات ، هذه هي كل ما تستطيع الايدلوجيات الضعيفة تقديمه للإنسان وبدون ذلك سيكون مصيرها الاندثار والزوال .
تشويه العقل هي محنة العقلاء ، العقلاء لا يمكنهم السكوت ولا يمكنهم الوقوف متفرجين فيضطرون دخول المواجهة ، وهم يعلمون بأنهم سيعانون الأّمرين ولكن ذلك شر لابد منه ، المثقف في مثل هذه المجتمعات هو الإنسان التعيس الحظ الذي ولدته أمه ليتحمل العذابات والآلام ليدرأ عن نفسه وعن المجتمع ملوثات ومشوهات العقل . سعادته تلوح في الافق حينما ينجح في مهمته بالتصدي لمشوهات العقل ، ولكن للأسف الشديد في اغلب الاحيان يجد نفسه منبوذاً وحيداً مهزوماً مخذولاً امام مارد التخلف الذي يأتي على شكل إعصار مدمر لا يرحم . . المجتمعات النظيفة الخالية من مشوهات العقل ، إنما أضحت نظيفة بفضل حجم عقول مثقفيها وقدراتهم الخارقة وشجاعتهم النادرة ، وهذا النوع من المثقفين تفتقر اليه مجتمعاتنا ، مثقفينا مازالت مخلفات الماضي تسرح وتمرح في عقولهم ، يريدون ويحاولون ولكن إرادتهم و محاولاتهم ليست بمستوى المواجهة وليست بمستوى المسؤولية . وتبقى الامور كما هي حتى تحين الساعة التي تنتج فيها مجتمعاتنا مفكرين عمالقة من امثال ، غاندي ، نلسون مانديلا ، مونتسكيو ، فولتير ، ابراهام لنكولن وغيرهم من النجوم الذين بفضلهم اصبحت الحياة جميلة وذات قيمة .
تحية طيبة و جميلة الى السيد كامل سلمان على هذا المقال الشيق, وهو بحد ذاته فقط مجرد مقدمة لدراسة اكثر عمقا و توسعا.
وهنا لابد من التاكيد على انه يجب ان يتم تدريس مادة الفلسفة في المدارس كمادة اجبارية بدل مادة التربية الدينية , لان مادة الفلسفة بحد ذاتها يوجد فيها باب وفصل مختص بالاديان (العوالم الغيبية و المورائيات).
ويجب التركيز اكثر على باب Comparative Philosophy (فسلفة المقارنة) ومد الطلاب (زخيرة الغد) و مثقفي الغد الادوات و التقنية للمقارنة بين الافكار و الايدولوجيات (سواءا السياسية او الدينية او الاجتماعية او العقائدية او الاقتصادية او العلمية …).
فلنجرب معا تجربة صغيرة و ضيقة على مستوى ما نعرفه بادوات فلسفة المقارنة فيما يخص جزئية نوع العلاقة التي تربط بين من يمثل (الاله) من جهة و بين ما يتبع ممن يسمون اتباعه (المؤمنون). مقارنة هذه العلاقة (الاله-الانسان) في مفهوم الميترائية و الزردشتية واليهودية و المسيحية و الاسلام , مثلا, كاساس لدراسة اوسع:
1- في الميثرائية و الزردشتية:
في تلك الرسائل التي فيها مصطلح (ra-) في اواخر اسماء الاله, مثل (Mîtra, Mîrra, Îndra …) فان مصطلح (ra-) مع الاسماء و مع الضمائر الاسمية تدل على معنى (الرفقة والمصاحبة و الصداقة) للمشي مع بعضهم البعض, ففيها مفهوم المصاحبة على قدم المساواة بين الطرفين معا. مثلا اللغة الكوردية توضح ذلك قواعيديا.
– bi Ciwên ra dimeşim … امشي مع جوان
– ji hev ra kar dikin … يعملون لبعضهم البعض
– pê ra diçe … يذهب معه
و في هذه الفلسفة فان مفهوم العلاقة بين ( الاله-الانسان) هي علاقة مصاحبة على اساس المساواة بينهما.
2- في اليهودية والاسلام:
و في تلك الفلسفتين فان مفهوم العلاقة بين (الاله-الانسان) هي مبنية تماما على علاقة بين (السيد) من جهة وبين (العبد) من جهة ثانية. فمثلا:
اسم اسرائيل التي هي مركبة من كلمتين وهما (عبد ائيل) حيث ان (اسرا = اسير, عبد) و (ائيل= اله, ايلوه, ايلوهيم).
بينما في الاسلام فان تلك العلاقة بين (الاله-الانسان) قد تعمقت بشكل اكبر واكثر و تكرثت في المجتمع الاسلامي الى حد الايمان الاعمى, فمثلا بالنظر الى اسماء المسلمين انفسهم:
– عبد الرحمن … اي ان هنا وفق هذا المفهوم اذا الانسان هو عبد لدى اله يدعى (الرحمان)
– عبد الكريم … اي ان هنا وفق هذا المفهوم اذا الانسان هو عبد لدى اله يدعى (الكريم)
– عبد الجبار … اي ان هنا وفق هذا المفهوم اذا الانسان هو عبد لدى اله يدعى (الجبار)
– الاية القرانية تختصر هذا المفهوم الفلسفي بامتياز ( و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون) الذاريات 56 وغيرها الكثير من الايات على هذا المفهوم مثلا (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) و (واعبدوا الله ..) والاحاديث على نفس الفلسفة (حق الله على العباد ان يعبدوه)… الخ.
3- في المسيحية:
وفي هذه الفلسفة فان مفهوم العلاقة بين (الاله-الانسان) قد تم تلينها و تلطفيها بعد اليهودية (العهد القديم) و اصبحت اكثر لطفا مقارنة باليهودية و اصبحت غلاقة بين (الاب) من جهة و بين (الابناء) من جهة ثانية كما في مفهوم الاسرة. وذلك باستناد الى ان مفهوم اساس الترنيتي (الاب – الابن – روح القدس).
مع العلم ان حتى مفهوم الابوة للاسرة في بعض مناطق من العالم وبالاخص في الشرق الاوسط هو نوع من عقلية تملك الاب لاطفاله (نوع اخر و وجه اخر من العبودية – تملك انسان لانسان اخر تربطهم علاقة ابوة). وبل حتى في مناطق من الشرق الاوسط حتى سلطة الاخ الاكبر تنافس سلطة الاب (درجة ثانية) والتي ربما غير موجودة في مناطق اخر من العالم.
اذا بالعودة الى ما قد طرحتموه من فكرة مفهوم ( تشويه العقل ) و خاصة تشويه العقل المستند الى خلفية دينية و بقرار من (الاله) نفسه و باوامره نفسه و تعاليمه, فماذا يكون او ماذا يبقى لشعوب الشرق الاوسط و التي مفهوم فلسفة ( العبودية ) قد تعششت و تكرست في عقولهم تحت باب فلسفة التقديس … ؟؟؟
Rêzan
تحية وتقدير ، وشكر لهذا التعليق الذي بالحقيقة هو مقال لوحده ، رغم تشعبه الى اراء أخرى ، فأنا أتفق معك تماماً ان الدين يمكن استغلاله لتشويه عقل الإنسان ، السبب ليس ذات الدين بل من يدعي انه راعي الدين او حامي الدين او مبشر بالدين ،، حتى لو كان الدين شيء سيء فلن يصلنا هذا السوء لولا رجال الدين ، فمشكلتنا مع من يسخر الدين لنفسه ويدعي انه مخول من الله لجميع افعاله القذرة … محبتي