كانت الساعة الثامنة مساءاً من يوم الحادي عشر من آذار في العام ١٩٧٠ م وهي الليلة التي تصادف فيها ليلة عيد ميلادي ، كنا نسكن منطقة شارع الكفاح في بغداد وكنت حينها لم أبلغ الحلم ، كان والدي يجلس بجوار الراديو بانتظار سماع بيان هام مع عدد من الاقارب والجيران ، بيان هام من إذاعة بغداد ، فأعلن المذيع من خلال المذياع نبأ أتفاقية الحادي عشر من آذار للمصالحة الوطنية وإعطاء الحكم الذاتي للكورد ، حيث قام بتوقيع الاتفاقية كل من صدام حسين نائب رئيس الجمهورية العراقية انذاك والزعيم الكوردي الراحل الملا مصطفى البارزاني ، لم يكن ذلك الخبر خبراً عادياً ، فقد قفز المرحوم والدي والاقارب من اماكنهم فرحين يعانق بعضهم بعضاً يرقصون على انغام الموسيقى الكوردية ثم خرجنا للشارع ورأينا عشرات الالاف من الناس ترقص في الشوارع ، الناس فرحين جداً ، كانت ليلة من ليالي العمر ان ترى الرجال والنساء فرحين يرقصون ويغنون ، ثم سمعنا البيان التالي وهو أعتبار اليوم التالي ( يوم ١٢ آذار ) عطلة رسمية تتجمع فيها الجماهير المحتفلة في مطار المثنى ، لأول مرة في حياتي أرى واسمع احتفالات جماهيرية مشتركة عربية كوردية مسيحية سنية شيعية ، نساءاً ورجالاً وولداناً ، كلهم يحتفلون ، كان كرنفالاً تأريخياً ، وفعلاً في اليوم التالي كانت الملايين تجوب شوارع العاصمة بغداد يرتدون الملابس الجميلة وكأنه يوم عيد ، فرحين بهذا الحدث التأريخي ( أنا هنا أنقل ما شاهدته بعيني وعشته بنفسي ) . حينها اتذكر سألت المرحوم والدي ماذا يعني الحكم الذاتي ؟ فأجابني يومها بأننا الكورد أصبح لنا كيان ووطن وتمثيل رسمي في الدولة العراقية أي أصبح لنا وجود حقيقي ، وهذه خطوة كبيرة نحو تأسيس الدولة الكوردية . ما أكبر الفرحة عندما ترى والديك واحبابك فرحون ، يغنون أغاني الانتصار . في بغداد أصبح الزي الكوردي شيء طبيعي تجده في كل مكان ، حتى العرب قاموا بارتدائه ، اللغة الكوردية متداولة بكثرة ، تم أدخال اللغة الكوردية الى المدارس ، الصحف الكوردي تنشر في بغداد ، الكوردي يحصل على افضل الوظائف ، الحياة جميلة وكل شيء تمام ، لم تمضي سوى سنتان بدأت الخلافات تظهر بين الحكومة المركزية في بغداد والقيادة الكوردية في كوردستان ، سبب الخلاف حسب رأي القيادة الكوردية هو مماطلة الحكومة العراقية في اعلان مصير كركوك وخانقين ، أما رأي القيادة العراقية هو اتهام القيادات الكوردية بالانصياع لتعليمات شاه إيران محمد رضا بهلوي في تخريب الاتفاقية وإجبار الحكومة العراقية للرضوخ الى مطالب الشاه ، واعلان العداء للعراق ، الخلافات تطورت بسرعة مما دفع الحكومة العراقية الى تغيير أسم محافظة كركوك الى محافظة التأميم ، بذلك يكون الجزء المهم من اتفاقية آذار قد عطلت ، هنا اعلنت القيادة الكوردية اتفاقية آذار ملغية ودعت كوادرها الى حمل السلاح والدفاع عن كوردستان ..
كان أبن عمتي يعمل صحفياً وكاتباً في جريدة التآخي ، ، ، أتذكر في أحدى ليالي شتاء عام ١٩٧٤ م زارنا مساءاً أبن عمتي وقال مودعاً إنه سيلتحق بأخوته البيشمركة بناءاً على دعوة الزعيم الراحل مصطفى البارزاني ، وفعلاً بعد أيام كنا نستمع بالمذياع الى اذاعة صوت كوردستان باللغة العربية وكان أبن عمتي هو المذيع لنشرات الاخبار لأنه كان استاذاً باللغة العربية ، أستمر الوضع متوتراً مع بعض المواجهات العسكرية بين قوات الجيش العراقي وقوات البيشمركة لمدة عام تقريباً ، حتى اعلان اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه إيران التي كانت تقضي بتسليم العراق نصف شط العرب لإيران مقابل قيام إيران غلق الحدود امام قوات البيشمركة ورفع يدها عن دعم الحركة الكوردية ، بعد أيام من اعلان الاتفاقية ، إنهارت الحركات الكوردية وقامت الالاف من عناصر الحركات الكوردية من تسليم أنفسها واسلحتها للجيش العراقي فأصبحت كوردستان في ليلة وضحاها تحت سلطة الحكومة العراقية ، ضاع الحكم الذاتي وضاعت جميع المكاسب التي حققها الكورد طوال السنين التي مضت . مثلما ضاعت جمهورية مهاباد من قبل ، بغض النظر عن الخطأ الكبير الذي ارتكبته القيادة الكوردية انذاك في جعل مصيرها بيد شاه ايران ، فقد لا يتكرر هذا الخطأ ، ولكن الخطأ الاكبر هو ترك مصير كركوك معلقاً في اتفاقية آذار ، هذه هي النقطة التي طالما كان الرابح فيها اعداء كوردستان ، انا عندما اطلعت على الدستور العراقي بعد السقوط في ٢٠٠٣ م ، ثم قرأت ان كركوك وضعت تحت فقرة المناطق المتنازع عليها ، ادركت أن الكورد سيقعون في نفس الخطأ السابق وسيدفعون الثمن غالياً ، لأن أية مفاوضات او اتفاقية حول كركوك إذا لم يتم حسمها قبل كل شيء سيكون الخاسر في النهاية هم الكورد ، قضية كركوك لم تنتهي بعد ، سيعاد طرحها مرات ومرات ، وللأسف الشديد فأن الكورد دائماً يقعون في نفس الخطأ ، الحكومات المعادية لكوردستان يعرفون أن كركوك مدينة كوردستانية ولكنهم بنفس الوقت يجدون منفذاً لتعطيل تسليمها للكورد بسبب أن القيادات الكوردية لا تعطي ضمانات للمكونات الاخرى غير الكوردية بأنهم سينالون نفس حقوقهم في ظل سلطة القيادة الكوردية ، وهذا يتطلب حنكة سياسية تفتقر إليها القيادات الكوردية ، الفترة التي كان فيها العرب السنة تحت المطرقة أي تحت المطاردة الطائفية ، كانوا يتمنون أن تلتزمهم حكومة كوردستان ويعيشون تحت رعايتها ، والكل يعرف بأن العرب السنة يشكلون أكثر من ٩٠٪ من عرب كركوك ، والكل يعرف بأن مئات الالوف من العرب السنة من المحافظات السنية لجأوا الى كوردستان ايام الحرب الطائفية ، فكانت هذه فرصة كبيرة لكسبهم وجعلهم أذرع لكوردستان ، وكذلك كان التركمان ، وقد لا تتكرر مثل هذه الفرصة ، في تلك الفترة التي كانت كركوك تحت سلطة القيادة الكوردية ، أي أن كركوك كانت في متناول اليد لتبقى كوردستانية للأبد بتوقيع عربها وتركمانها قبل كوردها ، لكن للأسف فشلت القيادات الكوردية في كسب ود هؤلاء المكونات فعندما حانت الفرصة لدخول الجيش العراقي كركوك كان العرب والتركمان اول المحاربين للكورد ، وما أحداث كركوك في الايام الاخيرة الا تأكيداً لما ذكرناه اعلاه . حيث رفض العرب سنة وشيعة والتركمان قبول تواجد مقرات الاحزاب الكوردية في كركوك . الى متى تبقى الاخطاء تتكرر ؟ الى متى يذهب العشرات والمئات من الكورد ضحايا العنف وسوء التخطيط ؟ العجيب أن السكان الكورد في المناطق المتنازعة كما يسموها ، هم من يعيدوها كوردية ويعطوها الصبغة الكوردية ثم تأتي القيادات الكوردية لتزيل هذه الصبغة بسبب سوء التصرف ، الكورد في كركوك وفي خانقين وفي مندلي وفي بدرة وفي بغداد يجبرون الجميع بأن يجعلوا اماكن سكناهم كوردية الطابع وكوردية اللون ، ولا تستطيع أية حكومة من التأثير عليهم ، فهم اذكياء واقوياء وهم قادة وسط المجتمعات التي يعيشونها ومثل هكذا سكان اقوياء يجب الرهان عليهم لأن الاتفاقيات لا تعطي مصداقية للواقع بقدر ما يعطيها سكان هذه المناطق أنفسهم . فهم من يجعل العرب والتركمان وغيرهم يكنون لهم الاحترام والتقدير ، لسموهم الاخلاقي وقدراتهم القيادية وذكاءهم الميداني . فلنتعلم جميعاً معنى الارادة من لدن هؤلاء البسطاء لكي نشق الطريق نحو المستقبل الصحيح ولا نكرر الاخطاء . فقد أدمت قلوبنا نفس الاخطاء تتكرر !!!
الكورد لا يخجلون ولا يعلمون كيف يخجلون أم مم يخجلون أو لا يخجلون , الكوردي الذي يتكلم عن 11 آذار إما لا يخجل أو لا يفهم, مع جل إحترامي لشخص الكاتب سواء أكان كوردياً أم لا , هكذا يخدع الأعداء الكورد لا مرة واحد بل على مدى التاريخ ولن يتعظ الكورد من أخطائهم أبداً, يوم وقّع صدام البيان قال لبكر وقّع ولا تتردد إذا أصبحت يدي كوردية قطعتها هكذا خدعهم صدام وخدعهم أردوكان وخدعهم داعش وفي سوريا خدعهم هيثم المناع وكان المالكي صديقاً مصيرياً لا يُعوض فعاداه الكورد ولا سبيل أمامهم إلا التحالف المصيري مع الشيعة وإيران ولن يفعلو
السيد Haji
موضوعنا نقدي تثقيفي ، الأمم تتطور بالنقد ، أما تعليقك بأن الكورد لا يخجلون فهذا ليس نقد ، هذه كراهية ، أرجو تنظيف أفكارك .