“لو كان للمشاعر مقياس، لكانت أحاسيس الأستاذ الشاعر عصمت شاهين دوسكي هي وحدة القياس”.
*حضرة الشاعر الأستاذ عصمت شاهين دوسكي أشكركم على إتاحة الفرصة لي لإجراء هذا الحوار الأدبي، لقد قرأت معنى الاغتراب في قصائد الشاعر عصمت شاهين دوسكي على أنها كل ما يجده من تناقضات في التجارب الإنسانية ومعنى الاقتراب على أنها الحالة الشعورية للشاعر أثناء تناوله لتلك التجارب الإنسانية . أرجو من خلال هذا الحوار أن نتعرف على بعض الجوانب الإنسانية والأدبية التي يتقارب بها الشاعر عند اغتراب الواقع. بداية دعني أرحب بكم، تحية طيبة حضرة الشاعر الأستاذ عصمت شاهين دوسكي .
*يسعدني أن يقدم الأستاذ الشاعر عصمت دوسكي نفسه للقارئ بسطور .
– عصمت شاهين حسن شاهين الدوسكي من مواليد 1963م مدينة دهوك العراق أكملت دراستي من الابتدائية إلى دبلوم حسابات في مدينة الموصل بدأت بقراءة الكتب الأدبية المختلفة منذ الصغر وفي عمر ” 18″ نشرت كتاباتي في الصحف المحلية والعربية أولى مجاميعي الشعرية ” وستبقى العيون تسافر ” الذي صدر في بغداد 1989م وتوالت بعدها صدور كتبي في أمريكا والمغرب وسورية ودهوك وبغداد وصدر ديوان شعري في المغرب طنجة بأشراف الأديبة وفاء المرابط ” بحر الغربة ” عام 1999م ،كتاب عيون من الأدب الكردي المعاصر عام 2000م دار الثقافة والنشر الكردية – بغداد ،وكتاب نوارس الوفاء عام 2002م عن دار الثقافة والنشر الكردية – بغداد ،ديوان شعر “حياة في عيون مغتربة ” 2017م بغداد ،رواية الإرهاب ودمار الحدباء بإشراف الباحث الأديب سردار علي سنجاري عام 2017م دهوك ،كتاب الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد عام 2018م أمريكا بإشراف الأستاذة شميران شمعون ،كتاب سندباد القصيدة الكردية عام 2018 م سورية ،وكتاب ألوان وإيقاعات عن الأدب والفن المغربي عام 2023م دهوك ،شاركت في مهرجانات شعرية وأمسيات أدبية وكتب عن شعري وكتاباتي الكثير من الأدباء والمختصين وصدروا كتبا في هذا الشأن ومنهم الأديب والإعلامي أحمد لفته علي في كتابه ” القلم وبناء فكر الإنسان ” رؤية أدبية لقصائد عصمت الدوسكي 2019م ،وكتاب الأكاديمية السورية كلستان المرعي ” القلم العاشق في الزمن المحترق ” دراسة عن قصائد عصمت الدوسكي 2021م ،وكتاب الأديبة التونسية ” التأرجح الشاهيني بين التقصي والتشخيص ” دراسة ورؤية عن قصائد عصمت الدوسكي 2022م ،وكتاب الأديب أنيس ميرو ” خطاب الإنسانية رؤية في عوالم عصمت شاهين الدوسكي 2023م دهوك .
* لقد أبدع الشاعر عصمت دوسكي في وصف التجارب الإنسانية ضمن بيئتها وظروفها وتاريخها.
– قصائدي واقعية حقيقية ترسم الواقع والأحداث من خلال الكلمات وهذا لا يعني خلوها من الخيال الخلاق . مثلا قصيدة كارثة ” العبارة ” التي حدثت في مدينة الموصل وراح ضحيتها المئات أو فصيدة ” سنجار ” أو قصيدة أزمة ضمير أو الحب وكورونا أو قصيدة دهوك وقصيدة مولدة وطني وقمر وقصيدة بيروت وغيرها كثير .
مقطع من قصيدة العبارة
” آه نينوى ، وآه نينوى
عاد إليك الحزن ولم ينتهي حزن أمس
طبعة ثانية من الجهل والضباب
تاركة آثار لم تتعظ ولم تدرس
إن شئت البسي ثوب الحداد
وهل الحداد يمسح موج الدنس ؟
لظى عبراتك اجتمعت مرة أخرى
واحترق الفكر والحب والحدس
لا تعاتبي أحدا فمن ناموا بالطغيان
لا يهمهم من مات غرقا أو عطس ”
* في معظم أشعاركم تهتمون بأدق التفاصيل ماذا يضيف ذلك للقصيدة وهل له ارتباط بالحالة الشعورية لديكم أم لأن القصائد تصف تجارب حقيقية ، أرجو إذا سمحت أمثلة من قصائدكم ؟
– تفاصيل القصيدة مهمة مثل استهلالها ومضمونها ونهايتها فالتفاصيل الدقيقة تعطي رؤية واضحة للقارئ يقربه من الجوهر بسهوله وييسر له المعنى وتعتبر من أسس بناء الروح الداخلية للقصيدة وتضيف لها لون الهرمون الأساسي المؤثر ولاشك الإحساس والشعور بأهمية التفاصيل ليس حشوا بل تكملة ضرورية مهمة في مضمون وشكل القصيدة .
مقطع من قصيدة ” بادي ” وهي قرية من قرى مدينة دهوك الجميلة فيها مهد وقبر أمي
” بادى
يا نفحة الطين في أرض الأجدادِ
يا لحد يضم أمي بين تراب التل والزادِ
بادى ، قبلة الميلاد بعد الميلاد
ورحيق زهد بين جياع الأحفادِ
تكسو الأشجار ظلها وثوب الجنان
يفوح نقاء وجمالا بلا حسادي
بادى
نفحة الأجداد دارت فوق مدار
وحقول في ربوع الغربة تنادي
أين الأصيل والكريم والمقيم
أين من زرع الجبل والسهل والوادي ؟ ” .
* كنتم دائما في قصائدكم في حديث مع الذات فأنتم المخاطب والمتكلم في الجملة الشعرية.. ماذا يعني لكم ذلك؟ كيف تفسرون الحالات الشعورية المختلفة وتستطيعون تمثيلها ؟
* الذات عنصر فاعل في نشاط القصيدة والنجوى وحديث الذات قد يكون شرارة اليقظة التي تعكس الحقيقة وتنير الواقع وتفتح نوافذ واسعة للتعبير والجملة الذاتية أو الصورة الشعرية الذاتية تسرد صورتين خاصة وعامة شاملة ،وكذلك الصورة الشعرية الشاملة قد ترسل إيحاءا ذاتيا خاصا وكلاهما في الأسلوب الشعري سليم ما دام الهدف أن يصل إلى رؤية واضحة ويرسل للقارئ الفكرة والمضمون .
* عندما أقرا شعر الشاعر عصمت دوسكي في المرأة أتذكر الفيلسوف نيتشه في الخوض بالتناقضات والخارج عن المألوف،ما سبب هذا الجنوح، وما هي ارتباطاته بشعركم عن المرأة..أرجو التوضيح مع بعض الحالات المختلفة من أشعاركم…
– المرأة تحيا بين التناقضات السياسية والاجتماعية والقبلية والعشائرية وما زال السيف معلقا على الجدران يهدد كيان المرأة فكرا وإحساسا وتعاملا كأننا نعيش في عصر الجاهلية تموت المرأة قبل أن تولد وأحيانا تعبد الوثنية دون أن تدري مضمونا وليس شكلا ، تخضع بلا حدود ضعفها بلا حدود تثكل ترمل تهجر تشرد وتباع تتعرى وتغتصب لم تأخذ دورها الحقيقي الريادي رغم شعارات الحرية وحقوق الإنسانية وحقوق المرأة إلا ما ندر . فتظهر المرأة في قصائدي من خلال هذه التناقضات الحياتية الاجتماعية الأنثوية وكتبت الكثير عنها وبلسانها حتى كتبت الأديبة التونسية هندة العكرمي مقالا بعنوان ” عصمت الدوسكي ينصف المرأة ” وكتابات أخرى في هذا الشأن .
مقطع من قصيدة ” أنا لاجئة ”
” أنا لاجئة يا سيدي
تركت أرضي بيتي فساتيني
ذكرياتي صديقاتي وصبابتي وجنوني
تركت دروب كنت أمشي فيها زاهية
في ظل الأشجار أحلم بتكويني
كل الأحلام غرقت عبر البحار
صار التكوين طيفا يذبحني بسكيني
عيني على التحصين تارة
وتارة على عودة تزييني
أنا لاجئة .. لا أمم نفعت
لا حقوق ارتفعت
في الظاهر جميلة قوية
في داخلي مات تكويني ” .
* الشاعر عصمت دوسكي في شعره عن المرأة يدخل في حوار ذاتي مع الشخصيات الشعرية فينساب الشعر في لحظات تتمثل فيها الأحداث….هل خدمتكم في ذلك المشتقات الصرفية، أعجب ما لاحظته الجمل القصيرة والأفعال الحركية، والجمل الاسمية, ، هل لي ببعض الشرح حضرة الشاعر ..؟
– المرأة بتكوينها الجميل يتجلى شعرا ، حب هدوء حلم وجودها الأنثوي الناضج سحر يحرك الإحساس يثير الذات ولغة الضاد الصرف والنحو والأفعال والجمل تأتي طائعة وتسلم أوراق اعتمادها للشاعر المبدع الذي يتحكم برؤى الصرفيات والأفعال والحركات وهي تستسيغ ذلك العشق الفكري الحسي التعبيري خاصة الإحساس بالنسبة لي مهم وعالم من الثورات والبراكين والإعصار والطوفان والرومانسية الأنثوية التي تتحدى الواقع والقيود بشكل راقي والنرجسية التي تخصها تفعل فعل النار في الهشيم في الحطب اليابس فهي تحمل قلب وطن فلا يمكن أن يكون لوجودنا معنى دون هذا الوطن .
مقطع من قصيدة ” أنت في مداري ”
” أنتِ في مداري
من نبع إحساسك ارتوي
ومن جمال روحك يكون اختياري
حينما ابحث عنك ، أجدك بين سطور أشعاري
كلما أردت الابتعاد عنك
تفجر عطرك المجنون بين آثاري
كلما جاوزت حدودي
وعبرت الخطوط الحمراء والبيضاء والسوداء
زاد فيك إبحاري
يا نسمة الجبل .. يا همس البحر
أمواجك الطفولية الشقية
أشعلت نيران فوق ناري
تحملي جنوني ، توهاني ،
مراهقتي الكبرى ، هذياني
منذ ألف عام لم تأتيك أخباري “.
* يرى الشاعر عصمت دوسكي أن المرأة مقهورة في المجتمعات العربية في ظل حضارة مادية، بقيت المرأة فيها الحلقة الأضعف، هل لي بصور للمرأة في البلدان العربية كما يراها الشاعر عصمت دوسكي في قصيدة “حضارة القشور” ؟!
– ذكرت لك بعض هذا القهر التي تعاني منه المرأة في المجتمعات العربية أما قصيدة حضارة القشور المقطع الأول عبارة عن حوار بين حضارتين إحداها قديمة والأخرى معاصرة تشكو كلاهما للأخرى (مر .. يمر .. مرور / نادت حضارة كبرى حضارة القشور / ما لك واهنة والدمع في عينيك / وعلى خديك بثور ؟
ما بك مكسورة الظهر / كالحدباء يمرون بك على القبور ؟
كنا نربي الأجيال على الوفاء / يبنون دار ودور / يكبرون يعمرون / يزرعون .يصنعون / يسقون الضمير بحب ونور /
كم من طاغوت / ينقش على التابوت / خطوات إلى درب محفور
لم يأكلوا عنبا / ولم يطيبوا قلبا / ولم ينالوا التمور ) . أما المقطع الثاني تساؤلات من الحضارة القديمة للحضارة المتقدمة العصرية تساؤلات أين أطفالك أين أولادك أين رجالك أين الصبايا والنساء وتأتي الأجوبة مدمية مؤلمة .والمقطع الثالث كما هو أدناه .
” ما بال حضارتك روتين قاتل
وهزيمة من فعل وفاعل
حياة مملة كدائرة تدور ؟
لماذا تقتلون الأنبياء
والشرفاء والعلماء
هل فيكم قلم مكسور ؟
آه يا حضارة القشور
نسيت البشر وبنيت القصور
ألا تخشين من إعصار قادم
من محتل وراء محتل ظالم ؟
من بوق يعلن يوم النشور
متى من غفوتك تستيقظين
متى من جهلك تدركين
إن الفساد لا يبقى في الزبور
انهضي تحركي صاخبة
كموج يقتلع الصخور
فما الأمل إلا أن تكوني
حضارة كبرى ترتقي
بالإنسان نحو دار معمور “.
* في كتابات النقاد والمحللين في الأدب، هل وجدت أنهم استطاعوا من خلال شعرك أن يقرءوا ما بين السطور ويدخلوا إلى عالمك الشعري الحقيقي بدون حياد ..أم لا يزال النقد سطحي لأن النقاد والمحللين لم يستطيعوا اقتحام الحاجز الشفاف بين القصيدة والمشاعر الحقيقية ؟!
– النقاد يقرءوا حسب رؤيتهم ربما يصلوا إلى ما بين السطور لكن يقفون عندها دون البوح بل يأخذ شكل الإيحاء بها في عالمي الشعري .
* ما هو السبب برأيك؟!
– كل أديب يكتب حسب ما يراه بقراءته وخبرته النقدية .
* اعتقد أنه يجب أن تلا مس القصيدة شغاف القلب ليألم كما تألمون ويسر كما تسرون… ورغم ذلك سيكتب كل أديب حسب محتواه الشعوري ودرجة حساسيته للمواقف الإنسانية.
– أكيد ولو القصيدة وكتاباتي لم تلامس شغاف قلبه لما كتب عنها .
* ما هو الوحي الشعري برأي الشاعر الأستاذ عصمت شاهين دوسكي
– الوحي الشعري يطرق باب قلبي ويبدأ الإحساس دوره في نسج القصيدة والبوح بها .
* كم هو زمن اللازم للبدء في نسج القصيدة والبوح بها..وما هي الدفقة الشعورية اللازمة لإيقاد شرارة البدء .؟
– التوقيت أو الزمن لبداية القصيدة تحدده النفسية والفكر الصافي والهدوء الداخلي قبل الخارجي قد تكون دقائق أو لحظات لا حدود لها … تبقى شرارة القصيدة لحين الانتهاء منها …
* ما هي المؤثرات البصرية لديكم …ودرجة تأثيرها عليكم قبل كتابة القصيدة مع أمثلة من قصائدكم…؟
– المؤثرات النفسية والبصرية المؤثرة قد تكون الهالة الأولى كالصمت والوحدة والجو المناسب والموسيقى الهادئة والاستعداد الداخلي الكامل مع التأثير البصري كالصورة المعبرة لان الخيال وحده لا يكفي… تتفاعل المؤثرات قبل وبعد انتهاء القصيدة وهذا مقطع من قصيدة عناقيد أنثى .
داهم الخيال مضجعي
كان طيفك في أدمعي
سلب الكرى من عيوني
سرى الشوق في اضلعي
كم شعرك الغجري
الهمني قصيد مخدعي
اسمعي صوتي المذبوح
أناتك تصل مسمعي
* أتوقع المزيد من الشرح أتطلع إلى المزيد من الأمثلة…
– نعم هناك الكثير ما بين السطور فالكلمات والصور الشعرية نوافذ لعالم مؤثر عميق التعبير والمعاناة مثلا : مقطع من قصيدة احكم الدنيا بكلماتك …. وهي على لسان امرأة
” أنا ملكة على عرش قصائدك
أتحدى كل نساء العالم
إن كن مثلي يحملن عشقك
أنا دكتاتورية في الحب
ولا أحب أن يشاركني احد في حبك
ولا في خيالك ولا في أحلامك
فأنا ملكة أحكم الدنيا بكلماتك
وأنا متوجة منذ ألف عام على عرشك
ولا أتنازل لحظة عن حبك “.
* كلما أقرأ قصيدة أو أي مقطوعة شعرية للأستاذ الشاعر عصمت دوسكي …أجد إنني جديدة على الفعل والفاعل والمفعول به وكل الصرفيات في اللغة …حتى الكلمات و التراكيب …تتملكني الدهشة …عند كل كلمة وكل جملة …؟
– أنا والفعل والفاعل والمفعول به أصدقاء متفاهمين نكون عالم جميل بنا كأننا من نفس الطينة من نفس البيئة ننفعل معا نفرح معا ونبكي معا ونشكو معا … نظهر حينما يكون الظهور واجبا إنسانيا ونصوم حينا ، الكلمات والتراكيب تفرض نفسها تغتصب السطور وتفرض نفسها وحينا تجمل نفسها كالمرأة التي تقف أمام المرايا ساعات مع الأسف الشديد قصائدي لم تأخذ ذلك الاهتمام المرجو لها … كأن هذا الزمن ليس زمنها وهذا العصر ليس عصرها …
* لقد أدركت من خلال شرحكم حضرة الشاعر… أن القصيدة حالة انفعالية ونفسية معقدة نتيجة تضافر مؤثرات داخلية وخارجية …ماذا عن المؤثرات السمعية وعلاقتها بالمؤثرات البصرية والمفاضلة بينها مع أمثلة من أشعاركم إذا سمحت .؟
– المؤثرات السمعية مهمة كون الإحساس يتفاعل بشدة معها
ربما إشارة ما أو صوت أو كلمة… تبني بناء هرميا للأعلى وتتناغم مع المؤثرات البصرية ويكون الفضل لكليهما ويكون سببا إيحائيا للقصيدة .
مثلا .. قصيدة اتصل
اتصل . ارفع السماعة وتكلم
لست من قوم صم بكم
قل ما تريد بلا وَجَل
قل حرك لسانك أنت من لحم ودم
ما بين الصمت والصمت حرف
ربما كاف أو حاء أو باء أو لم
اقطع الشك . لا تتردد
تيقن إن الحب يبدأ بنعم
تيقن إن بدأت أنت ..
تغدو أنت الأجمل
أنت الواقع والحلم
* أين يقع مصنع كلماتك؟
– الشاعر ليس كاتبا للكلمات ولا الموهبة فقط بل موسوعة ثقافية وتجارب متراكمة من مرحلة بداية كتابة الشعر إلى النضوج والوعي والإدراك والمعرفة الشعرية التي تجسد المعنى والمضمون الصوري الشعري وهناك أمثلة لشعراء كبار مثل أحمد شوقي والسياب ونزار القباني وأدونيس ونازك الملائكة ومحمود درويش وغيرهم ، كلماتي موسيقى إحساس يذوي يتجلى في بحور الشعر لتنسج من البيان والسحر والدهشة والبديع والعجب المخفي بين السطور ، كلماتي غزل ظاهر وطن كبير بل أنا وطن الكلمات من الحب والحكمة والجمال والفلسفة والسمو والارتقاء كل هذا وأشياء أخرى تصوغ عالما خاصا من الشعر الإنساني الجميل .
* ما هي أدوات تركيب جملك؟
– الرؤية الجملية التعبيرية تمر بمخاض عسير مع أدواتها ولا شك الذكريات والإحساس والطفولة والتجارب وديمومة الأحداث وإشارات صغيرة كانت أو كبيرة تعتبر من الأدوات المحفزة لظهور القصيدة كما هي .
* من أين يتدفق سيل عواطفك…؟
– الإحساس بالأشياء مهم جدا قد تنزل الدموع لرؤية طفل يبكي أو شيخ متعب أو امرأة مكسورة ضعيفة أو وطن جريح ولاجئ حائر ومتشرد بلا وطن ونازح يتسول ومغترب يبحث عن سكن وفقير بين القمامة يبحث عن كسرة خبز كما أن الطبيعة والبيئة التي نشأ فيها الشاعر تمده بالصور التي تثير المشاعر والعواطف الجياشة والخيال الخلاق خاصة إذا كانت ولادته بين الجبال والأشجار والوديان والأنهار والينابيع والبلابل والطيور وزقزقة العصافير
والنسيم العليل ، كما أن دور المدينة وتوسعها وثقافتها ومعارفها القيمة وألوانها الطيفية تضيف الكثير إلى الإحساس والمشاعر والرؤية التي تغني التجربة والخبرة .
* كيف يتماسك الفعل مع الفاعل مع الباقي الصرفي في جملك…؟
– قراءات ومطالعات متنوعة عبر الزمن ودراسة وبحث الشاعر المستمر للتطور والتجديد يجعل الفعل والفاعل توأمان متجانسان متناغمان ولهما الأثر في بناء الفكرة والصورة الشعرية وفلسفتها الإنسانية الحسية والحياتية وصرفها اللغوي يكون طوع الفعل والفاعل ليغدو كأنهما عائلة متماسكة ومن ينظر إليها يميزها كونها من سلالة أصيلة .
* ما الأحداث التي ولدت أو تولد براكين غضب في شعرك ؟
– كل الأحداث التي تذل وتكسر وتهين وتضعف وتقتل الإنسانية الحروب الاغتصاب التشرد الفساد الفقر الجهل الأزمات المعاناة المكابدات التكبر الغرور التسلط الطغيان الأنانية التفرقة العنصرية اللا عدالة واللا مساواة وتكميم الأفواه وغيرها كلها محفزات لولادة الغضب والشاعر يسخر هذه الأحداث من خلال تجاربه في كل الخطوب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية .
* هل هناك نوافذ مضيئة في شعرك تطل بها على عالم تتحقق فيه الإنسانوية ؟
– اعتبر قصائدي عالم مضيء على الإنسانية بكل التناقضات الموجودة فيها وقد أشاد عليها الأديب والإعلامي الكبير أحمد لفته علي في رؤيته الأدبية على كتاباتي وشعري من خلال كتابه ( القلم وبناء فكر الإنسان – رؤية أدبية عن قصائد عصمت شاهين دوسكي الذي صدر في دهوك عام 2019م وكذلك كتاب الأكاديمية السورية كلستان المرعي ( القلم العاشق في الزمن المحترق – دراسة في قصائد عصمت شاهين الدوسكي ) صدرفي دهوك عام 2021م وكتاب الأديبة التونسية هندة العكرمي ( التأرجح الشاهيني بين التقصي والتشخيص دراسة في شعر عصمت شاهين دوسكي ) صدر في دهوك عام 2022م وليس آخرا كتاب الأديب والباحث ( أنيس ميرو ( خطاب الإنسانية – رؤية في عوالم عصمت شاهين الدوسكي ) صدر في دهوك 2023م كلها تدل على أن كتاباتي الشعرية نوافذ مشرقة في تحقيق سلامة الإنسانية .
* هل استعطت بشعرك تغيير والتأثير على الٱخر؟
من خلال عمري الشعري وتجربتي الأدبية أكثر من 40 عاما
ومن خلال آراء الأدباء والمفكرين والأصدقاء أحس إن التغيير والتأثير في نشاط مستمر معنويا وفكريا وحسيا وعمليا فالشعر عالم من السحر البياني والبديع الجمالي والخيال الخلاق والإحساس الصادق الذي يلمس شغاف القلوب والضمائر والعقول برؤية جميلة رائعة .
* هل أنت راض عن مسيرتك الشعرية ؟
عندما يصل الشاعر إلى الرضا ويكتفي تضعف كتاباته ويضعف وجوده وتأثيره ، على الشاعر أن يكتب إلى أجل ما ، على الشاعر أن يكون عاشقا حد البكاء وعاشقا حد الفرح وأن يكون إنسانا فارسا وملهما وقائدا ومتواضعا ومرشدا ومعلما وبطلا ومبدعا في نظر الجميع .
* هل هناك مواضيع ترغب في نسجها بشعرك؟
– الأحداث لا تتوقف والشعر لا يتوقف فكريا نفسيا إنسانيا اجتماعيا فمن أحاسيس الحب والجمال والصدق والمعاناة ومن مشاعر الارتقاء والوطنية والإنسانية والحرية والطبيعة الساحرة والخيال المتدفق ينبع الشعر بولادات مشرقة جديدة .
* هل كتبت عن كل ما كنت تشعر به وتحسه أم لا زالت هناك مواضيع عالقة أو خارجة عن نطاق البوح الشعري…؟
– ما زلت أكتب وما زال الشعر يداهمني في أوقات معينة أحيانا يداعب فجري صباحي مسائي وليلي يهيء روحي للبوح بل يسري في أوردتي وشراييني ويغازل قلبي ليكون نبضه ثوريا بركانيا عشقيا جماليا إبداعيا .
الخاتمة
“””””””””
من يريد أن يفهم شعر الأستاذ عصمت الدوسكي عليه أن يصعد إلى الجبال، هناك يتنفس من الهواء الذي يملأ كتاباته، ليدرك القارئ أنه هواء عالي، هواء نقي، فلسفة حياة كاملة قادرة على إحداث التغيير في الروح والفكر.
لا تزال السمفونية الإنسانية تعزف أشعار الأستاذ عصمت دوسكي من أفق إلى أفق فلا الآفاق تنتهي ولا عشق الدروب اللانهائية……………
شكرا لكم حضرة المفكر الشاعر عصمت شاهين دوسكي على هذا البوح الأدبي الشفاف، الشكر الموصول لوقتكم وجهدكم في الإجابة العفوية عن الأسئلة …اعتذر منكم على الإطالة رغم أن في الذاكرة المزيد من الأسئلة، لا نستطيع في هذا الحوار تغطية الجوانب الأدبية اللغوية والبيانية والعاطفية الأخرى….أرجو أن يكون لنا حوار آخر قريبا إن شاء لله ..
* شكرا جزيلا على الإجابات من حضرة الشاعر عصمت شاهين دوسكي .
– جزيل شكري لجهدك الفكري الراقي وحضورك البهي وأرجو لك كل الخير كما أتمنى أن يكون الاهتمام بالأدباء والعلماء والمبدعين فاعلا مهما على أرض الواقع فهم أعلام البلاد والمجتمع فلا يتركوهم بين زوايا الفناء واقتراب الوجود واغتراب الروح .