حادثتان غريبتان متناقضتان ، الأولى نقلها لي صديق كبير السن توفى في تسعينيات القرن الماضي ، نقلها لي قبل وفاته ، قال ، في ستينيات القرن الماضي ذهبت الى الاتحاد السوفياتي من قبل الحزب الشيوعي العراقي في دورة تدريبية خاصة ، يقول في أحدى المحاضرات جاءنا رجل كان قيادي سابق في الحزب الشيوعي السوفياتي ، ملامحه تدل على أنه يقترب من الثمانين في العمر ، أبتدأ هذا القيادي السابق في الحزب الشيوعي السوفياتي محاضرته بقصة غريبة ، قال ، عندما كان لينين ( قائد الثورة البلشفية ) يحتضر كنا جميعاً في المشفى الذي يرقد فيه لينين ، فطلب مقابلتنا ، دخلنا عليه الغرفة التي كان يرقد فيها ، وفجأة أغمي عليه لدقائق ثم أفاق فنظر الينا وقال ، ماذا لو كانت هنالك حياة بعد الموت ، يقول فضحكنا ظناً منا أن القائد قد تعافى ، ولكن عاد ثانية فأغمي عليه ، ثم أمر الطبيب الخاص بلينين بأن نخرج خارج الردهة ، لم تمضي سوى ساعات حتى فارق القائد لينين الحياة ، أما الحادثة الثانية فهي العكس حدثني بها رجل دين حوزوي ، قال عندما حضر الموت العلامة الآصفي ففي لحظة الموت كان أقرانه يذكرونه بالجنة والحياة الأبدية والنعيم ، فقال لهم بألم ، ماذا لو كانت الحياة هذه هي ، ولا حياة بعد الموت ، فهل نحن إلا مغفلون ؟
المفارقة بين الحالتين ، في الحالة الاولى قضى عمره وهو على قناعة أن لا حياة بعد الموت ، وفي الحالة الثانية قضى عمره وهو على أعتقاد بوجود الحياة بعد الموت ، وكلاهما في اللحظة الأخيرة تغيرت أفكاره . أنا أقول مهما بلغ الإنسان من علم وإيمان فلا يستطيع أن يبلغ اليقين بوجود الآخرة أو عدم وجود الآخرة ، فكله مجرد أعتقاد . ارى من الضروري أن ينظر الإنسان لحياته ولا ينظر لما بعد حياته ، سوا أكانت بعد الحياة حياة أخرى او لا ، الإنسان الذي يعمل بحياته الشيء الصحيح ضمن معادلات الحياة الصحيحة يكون قد وفر لنفسه عناء التفكير بالآخرة ، ويكون قد أعطى لنفسه فرصة العيش بسلام وراحة بال وبنفس الوقت يكون قد أعطى للحياة قيمتها وأهميتها ، ويترك بصمته الإيجابية على المجتمع ، أن المغالاة في الفكر إستهلاك للطاقات وانعكاس سلبي للحياة ، الإنسان السليم عقلاً هو الذي ينظر لحياته دون مغالاة ودون التطرف ، فالإيمان الحقيقي انعكاساته موجودة في الحياة الطيبة ، لكن إذا تحول هذا الإيمان والاعتقاد الى تدمير للحياة مثلما يفعل المتطرفون هنا تبدأ الكارثة على النفس وعلى المجتمع ، أنا عندما أؤمن بالله وأؤمن بالآخرة يجب أن يكون إيماني بما هو خير للحياة ، وعندما أرفض الإيمان بالله وبالآخرة يجب أن يكون رفضي من أجل الحياة الصحيحة ، فهنا سيلتقي المؤمن وغير المؤمن عند نقطة واحدة وهي بناء الحياة بشكلها المطلوب ، ويستطيع كل من الطرفين التعايش سوية لأجل الحياة . الحياة جميلة عندما يكون تفكيرنا جميل ، وجمالية الأفكار بما يحمله الفكر من حب وانفتاح وتعاون وعمل دؤوب للعطاء . للأسف نجد معظم الأفكار والآيدلوجيات الدينية وغير الدينية فيها جوانب سلبية مظلمة أو يمكن فهمها بشكل سلبي مظلم ، وفيها الجوانب الإيجابية المنيرة ، فيذهب الغالبية من الناس الى الجوانب السلبية ويعملون بها دون الالتفات الى الجوانب الإيجابية مما يتسبب في معاناة كبيرة للناس الذين هم خارج هذه الايدلوجيات وهذه المعتقدات ، كما نرى ذلك بوضوح في مجتمعاتنا المبتلية بهذه الايدلوجيات . من الواجب إحداث ثورات تغييرية في جميع الآيدلوجيات لتنظيفها من السلبيات ، فحياة الناس أغلى من كل شيء وأغلى من الايدلوجيات والديانات لو كانوا يعلمون .