ـ هل انتصرنا في فرماننا الأخير؟
الفرمان الرابع والسبعون، نتائجه كانت إيجابية على بعض المجتمعات الأيزيدية في العراق وخاصة (المجتمع الشنكالي)، ومجتمع (الولات شيخ) وكذلك المجتمع الكردي الباهديناني من أهالي دهوك وأربيل، وذلك حسب ادعاءات البعض الذي خرج من الإبادة سليما وغير متضررا نفسيا أو جسديا، ولم يفقد فردا من عائلته، أو تم أسرهم!
يقول الفيلسوف (فريدريك نيتشه) في كتابه (ما وراء الخير والشرّـ مقدمة في فلسفة المستقبل) لا يمكن أن نصل إلى واقع مستقل عن معتقداتنا وقناعاتنا الذاتية، بما في ذلك الأخلاق؛ لأنه أي الأخلاق يتسم بالتحيز غير الإرادي. وبالتالي نخلق فلسفة مطابقة لصورتنا.
يذهب (نيتشه) إلى أبعد من ذلك بتأكيده على عدم وجود فلسفة في هذه الحالة، إنما فلاسفة لديهم أحكامهم المسبقة يريدون أن يفرضونها. ويؤكد جازما بأن المعرفة لا يمكن أن تتطور على هذا النحو والعقبة هي (النفاق) و (والأكاذيب) ولهذا يؤمن (نيتشه) بأن الإنسان هو مقياس كل شيء أي، وكما يقول الباحث (أحمد الفارابي) في احدى محاضراته على اليوتيوب:
…عش حقيقتك لأن هذا ما تؤمن به وليس (الحقيقة) فكل شخص يعتبر إن هذا الشيء صحيح بالنسبة له، أو خاطئ.
أي أن الأشياء التي نراها تتسم بالمرونة وهي تقبل كلا الجانبين فالسماء الزرقاء بالنسبة لك قد تكون سوداء بالنسبة لغيرك، وهكذا.
ولكن الفرد الأيزيدي حسب رؤيتي ـ وخاصة الشنكالي ـ يعيش حالة اغتراب نتيجة فقدانه لكل شيء عزيز على قلبه، فهو في بحث دائم عن بديل لتلك الأيام الجميلة، وعن بديل لأولئك الناس الأعزاء الذين فقدهم أثناء الجينوسايد.
ـ هل القانون الأخلاقي الذي يتبعه الأيزيدي أعمّ وأصلح من القانون المدني الذي يفتقده في وطنه العراق وسوريا؟
(لو أمكننا فعل الخير للأخرين، فمن واجبنا الأخلاقي أن نفعله. من فلم: The Amazing Spider – Man )
هذا هو بالضبط ما يميز الأيزيدي عن غيره، فإن دهس غريب أحد أفراد عائلته بسيارته المسرعة! ويحدث هذا دائما ـ أول شيء يتبادر إلى ذهنه هو إمكانيته وقدرته الأخلاقية على مسامحته، والأمثلة على هذا المثل عديدة ولا حصر لها. وخاصة بعد عملية النزوح القسرية في (2014) على عكس الذي يخطف فتاة أيزيديّة بريئة وتخاطبه الفتاة وتناجيه، بل تتوسل به باسم دينه الذي يتبعه أن يتركها. ولكنه يقول لها:
“قررت أن أغتصبك وأعلم بأنني قادر على فعل ذلك!!!”.
ـ ما العمل أذن؟
يؤمن الأيزيدي أن يقيم علاقاته مع الآخرين على أساس التواصل وليس على أساس القطيعة. فنرى إنه يسارع في أنشاء (بيت للتعايش المشترك) ـ بيت التعايش في حوض جبل شنكال نموذجا ـ ليبادر وهو الذي وقع عليه الحيف بالتواصل مع جاره الذي غدر به، ويسامح قوات البيشمركة الحارسة التي خذلته وانسحبت من المواجهة وينطبق هذا على العديد من المثقفين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والعاملين تحت مظلة المنظمات الإنسانية ومنها الأمم المتحدة، وكذلك البيوتات الأيزيدية المنتشرة في عموم المدن الأوربية.
ولكنه (أي المثقف.. الناشط.. المفكر.. السياسي الأيزيدي) يصاب بالإحباط تماما عندما يدرك ـ رغم تنازله ـ حقيقة القوانين والدساتير التي تسير عليها أنظمة الدول التي يعيش فيها، وهم يعتبرونه مواطن من الدرجة الثالثة لا يهش ولا يبش.
ما أن يدرك الفرد الأيزيدي هذه الحقيقة الصادمة، وإنه يعيش في بلد يفرض عليه مجتمع آخر يختلف عنه في كل شيء، يفرض عليه قوانينه ويجب عليه أن يعيش كما يريده ذلك المجتمع ويطبق قوانينه وليس فلسفته الأخلاقية الخاصة التي اختارها، حينئذ يصاب بالصدمة وبالتغريب فنرى المثقف غير المحصن بالمعرفة المسبقة يساق نحو الثرثرة ويغالي في تصدير الرثاثة غير المجدية أينما توجه.
ـ ما الحل؟
وسط هذا الذهول أرى ثلاث فرق:
ـ الفرقة الأولى: تكون من مناصري فلسفة العرفان والعرفان الحداثوي وهو ما يجعل الأيزيدي المؤمن يحب جميع الديانات والمذاهب والآلهة، وهي قائمة على فلسفة وحدة الوجود حيث لا موجود إلا الله ويكون الإنسان والطبيعة جزء من هذا الموجود. وهو بهذا يضرب عدة عصافير بحجر واحد، ويجمع بين الإيمان والعقل والدراسة بمنهج نقدي وعقلي وبها يحل مشاكله وبذلك يؤكد لا إكراه في الدين ويصبح الأيزيدي أخو المسلم بالدم (كريف الدم) وكذلك أخو المسيحي بل الهندوسي واليهودي أيضا وكل من يصادفه في بلاد الله الواسعة.
ولكنه رغم ذلك تواجهه مشكلة يحتار فيها ومعها: هل الأطراف الأخرى سيوافقون الأيزيدي على أفكاره وأفعاله؟
ـ الفرقة الثانية: وهي الفرقة النشطة جسديا ويكونون على الأغلب في مقتبل العمر، الشباب متهم، وصغار السن، ويبدأون مغامرتهم بالمغادرة والهروب، وغالبا ما يتخذون قراراتهم لوحدهم كعائلة صغيرة، أو أفرادا دون الرجوع إلى فكر جمعي.. أمر عشائري.. أو تقليد مجتمعي. فنراهم يتوزعون في كافة أرجاء المعمورة كمهاجرين ومهجرين.
وهؤلاء أكثر عرضة (للهومسك) وللأمراض النفسية المختلفة. راجع مقالنا في الهوية المكانية للأيزيدي في موقع (صوت كوردستان) وعلى الرابط التالي:
https://sotkurdistan.net/2023/10/30/%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d9%8a%d8%b2%d9%8a%d8%af%d9%8a-%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%af-%d8%b3%d9%84%d9%8a%d9%85/
ـ وفرقة أخرى: وهم الأكثرية ينتظرون من أجل الانتظار، الأكراد (الأيزيدي الكردي) منهم ينتظرون أن تقوم الدولة الكردية وينالون حينها حقوقهم ويصبحون بقدرة قادر بين ليلة وضحاها مواطنين من الدرجة الأولى. حينها يكون بمقدورهم بيع لبن أغنامهم في أسواق أربيل إلى جنب باعة لبن أربيل المشهور.
في حديث له لصحيفة الشرق الأوسط ليوم الثلاثاء 15 تموز 2011 جاء فيه: (أكد رئيس برلمان إقليم كردستان العراق كمال كركوكي حق الإقليم في تقرير المصير وإنشاء دولة مثل سائر شعوب الأرض …)
أما بعض الشنكاليون الروحانيون منهم مثل قبائل (الفقرا) وبعض (الجوانا) على الأغلب ينتظرون قدوم (شرفدين) من الغرب كي يحقق لهم العدالة الاجتماعية التي يبحثون عنها منذ قدومهم ونزوحهم من بابل بعد الفرمان الأول عليهم في عام (339) قبل الميلاد.
أهل بعشيقة وبحزانى ما يزالون يتغنون بالاشتراكية وبأن الفرصة ماتزال قائمة لعودة الحزب الشيوعي وحينها سيرفعون شعار.. يا محبي عرق بعشيقة وطرشي بعشيقة وزيتونها اتحدوا.
بيت الإمارة يتقربون من رؤساء العشائر أكثر ويرشونهم كمحاولة أخيرة لبقاء مريديهم في الحظيرة لغرض حلبهم لأطول فترة ممكنة.
بنظرة قلقة وبشيء من المنطق نرى هكذا هو الأمر وإن مصلحتنا اليوم تكمن في التعايش السلمي مع إخواننا الآخرين من مكونات الشعب العراقي أولا ومكونات الشعوب الأخرى التي هاجرنا إليها، وتأسيسا على هذا التشرذم لن نمارس حقوقنا على أراضينا وما يصيبنا هو الاغتراب الدائم في ثقافتنا، إضافة إلى الأمراض النفسية المزعجة والكوابيس.
هذا ما يحدث لنا عند قيام فرمان علينا، بل مع كل حركة من شأنها أن تحدث شرخا في إحدى مجتمعاتنا، مثل نزوحنا بالقوة من قرانا في عام (1975) وكان ذلك فرمان من نوع آخر. والأيزيديون كما لا يخفى مجرد مجتمعات متفرقة لا توحدها غير اللون الأبيض في الأيزيدياتي والشمس التي تشرق كلّ يوم.
ـ مسك الختام هو سؤال:
والسؤال هو:
أي من الفرق الثلاث أعلاه هي الرابحة في فرماننا هذا ذي التسلسل الرابع والسبعون؟