“لكنها سنة الحياة والكون…يقال: إنّه على رأس كلّ مائة عام بداية ونهاية…أتراهم هم
المقصودون؟ بحث الكثيرون وأقروا في أنفسهم أن سنتهم هي المئة ولكنهم رفضوا تصديق ذلك، وأشاحوا بذاكرتهم بعيداً عن التواريخ التي لم تختفِ عن التقويم المعلق في كلّ بيت. كثير منهم أحرق جميع أوراقه ومنهم من أخفى التاريخ فقط ولكنه ما لبث أن جعله في سلة القمامة التي تدفن في الأقبية أسفل منازلهم. النجاسة هي سبب الطاعون والموت لن يفرق بين الطاهرين ومن سواهم، الحقيقة هي أن وجودهم قد انتهى وستمحى كل تضاريسهم التي لم يكملوها بعد.” الناجي الوحيد، رولا حسينات
كان ذلك في آب عندما وصلتني المجموعة القصصية المعنونة بـ: اعترافات ثملة للكاتب والباحث المبدع ريبر هبون…
وكم أنت طويل يا آب…!
شدني العنوان…لم يكن في بالي أن المبدع ريبر هبون قاص أيضاً، قمت بتحميلها على هاتفي ثم اللابتوب ثم على شاشة حاسوبي في العمل…وصرت أروح وأجيء بين صفحاتها حتى قررت اليوم أن أكتب فيها…فاعترافات ثملة أثارت فيّ الكثير من المواضيع التي وإن صبَّ الكاتب على بعضها الكثير غير أنه منحنا في أخرى الكثير لنتحسر على الواقع الذي نحن فيه…وعن أيّ من تلك الحسرات سنحسر الرأس ونعلن بأننا هاهنا على حافة الانهيار؟!
القضايا مصيرية كالحروب، التهجير، الاغتصاب، الظلم المجتمعي، الحرمان مهما كان نوعه وكانت صوره…الاختلاف الديني أو المذهبي…القضايا المجتمعية كالزواج ومجموع الأعراف المجتمعية وغيرها من القضايا التي حاقت بالمجتمعات بغض النظر عن تصنيفها غرباً أو شرقًا، شمالاً أم جنوبًا…؟!
فالمهر أساس والزواج فقط لإطفاء الشهوة فقط هل سيكونان بالفعل الغاية فيما بعد لبناء ناجح لمؤسسة الزواج؟
“مهر ابنتي غال جداً ولن أعطيها إلا لابن الحسب والجاه” في حين بدا المشهد المجتمعي أكثر وضوحاً لبروز المادية والمتاجرة بما يسمى بالمنهج الاجتماعي المتقلب الذي يخطط وينفذ وينهي أعقد العلاقات وأكثرها قداسة…
وكانت القضية الأزلية في زواج الأقارب واختيار الأهل وليس خيار الأبن أو الابنة أي من هذه الخيارات المصيرية…
“لكن بمجرد إخبارهم بذلك يعني أنك لن تستطيع العدول عن قرارك المصيري هذا، إن حدث وغيرت رأيك ستحدث مشاكل عائلية فيما بيننا نحن بغنى عنها”
رغم أن الحديث عن مصير حياة طويلة لا يمكن أن تحتكم لمعايير الانفعالات السرية والقيل والقال.
ماذا عني أنا وأنت ماذا عن المصير الذي يسعى الواحد منا لتغييره رغم الاختيارات المحدودة؟
“الوالد أكمل بحنق: هل جننت يا هذا أتريد جعلنا أضحوكة بين الناس؟”
هل هو الخوف من المكانة الاجتماعية من السمعة المجتمعية من القبول أو الرفض المجتمعي ومما يسمى من العزلة المجتمعية من القرابة بحد ذاتها!
وبقي الشاب هو الذي يأسى على ما فرط فيه وما أجبر عليه ويبقى رد الأم
أخبر والدته بما جرى قالت: ستندم على رفضها لك مؤكد ذلك”
هل هو تحدٍ واضح للحرية في القبول والرفض تحت شرعنة الأعراف المجتمعية؟
في حين تمسك جان جاك روسو في العقد الاجتماعي بنظرية أصول التربية بأن الحرية حق طبيعي للإنسان، لكن ليس للمرأة الحق السياسي…
وقد جعلها روسو في خطابه جسدًا للعبث والملهاة…وكان من الواجب تأديبها وتعليمها ما يفيدها في دينها وعلمها. …في حين نشرت ماري وولستونكرافت في كتابها: “تأييد حقوق المرأة في إنجلترا” غير ذلك.
على الرغم من أنَّ طرحها كان غير مخالف لواقعها، حيث تحدثت في نظام الزواج بروح الاحترام فقالت: إنه ينبوع كل الفضائل الاجتماعية وحثت المرأة على التزام الفضيلة واتباع ما توحي به شريعة الآداب ومراعاة مكارم الأخلاق.
لكنها أكدت على أن الزواج ليس النهاية وليس الغاية الأخيرة في نفس الوقت.
دعت إلى التكوين الفكري والعقلي والاجتماعي، وهو الذي يتأتى بالتعليم والتعليم الناضج القارئ لأساسيات الحياة، والموجه للسلوك وللفكر بشكل متوازٍ لما فيه ضمان من ديمومة واستمرارية.
إن الاستخفاف والبله والغرور وكبت الأحاسيس والوهم والغفلة هي الأشياء التي تخرج بها المرأة في أسلوب التعليم الذي تتلقاه ولا ريب بأن تلقى على الحياة الزوجية ظلالاً من الحياة قاتمة مظلمة.
فكان رأي كاستيلوني في المرأة الكاملة: إنّ كلّ إيحاء إنما يأتي من طريقها وإنه من خصائص المرأة المثقفة أن تجدها في الرجل نار الشجاعة تبعث في نفسه الأمل في حومة الوغى فتشحذ الهمم، وقاعدة المشورة والإلهام في عالم الفن والضرب في رحاب المعرفة والسمو في ميدان الفضيلة والتقوى.
” حين تتكلم المرأة فستكون هناك الحقيقة بدون مقدمات…ليست لتدلل ليست لتداعب المشاعر ليس هناك الحياء المبهم.”
والفراغ ويكون أثقل، وأقل أهمية لفقدانه الأهمية المدعو لها بل وسرعان ما يتم الانقلاب عليه. يمكنني القول أنَّ: ما تعانيه المرأة اليوم من تهميش أو جندرية أو استغلال مرده إلى ما تمَّ تناقله عبر العصور، وهو المقصود توريثه وتناقله في ظل تطور النظام الاجتماعي الذي ضيق نطاق الأفق، والعادات والتقاليد الموروثة منذ أقدم العصور، وكذلك ضعف النظم الاقتصادية التي ساقت المرأة إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان.
قصص العابرين والتائهين والمفقودين في جثث الأحلام المحترقة عندما تطحن آلة المصلحة الشخصية بماديتها قوانين المصلحة العامة في جنون متأخر السعي وراء موارة غول الضياع بالبحث عن زواج. بعد ضياع ما يسمى الشرف في آلة الغياب لكل النظم الأخلاقية بدواعي السعي نحو اللاشيء.
“ميساء لا تفوت وقتها وهي تختبر حاسة الشم لديها في إمكانية وجود رجل يستطيع الزواج بها ليملأ فراغها المتحول لغول”.
قصص النساء اللواتي تخلين عن لوحة الأخلاق السريالية للرغبات والشهوة بين التخلي عن الأسرة التي دمرتها آلة الحرب والتقتيل والتهجير لبناء مفاهيم مشوهة للحرية والتحرر وبناء الأنا كيفما كان عن أي ضوابط نبحث وعن أي كرامة حين امتهن كل شيء ببراءته ونبله
في صور من المخيم كانت هناك طفلة تغني أغنية الرجوع لأمها وآخر يستخدم مكنسة البلاستيك الصغيرة كآلة بزق وطفل آخر في المخيم الملاصق يبكي بسبب البرد وأمه تحتار أين ستجلب الوقود لتوقد المدفأة؟
كيف يمكن أن نخلق مدينة فاضلة كما وصفها الفارابي في وسط مفكك غير متعاضد تحكمه علاقة غرائيبية قائمة على السيادية والتسلطية والمصلحة مع الوصاية على الآخرين دون منحهم حقوقهم. على الرغم من ترابطية الكون بجزيئاته وكليته بعلاقة تعاضدية ترابطية تحتمل المتضادات بتوليفة تحكمها قوانين ليصار إلى الاستمرارية والبقاء.
بالمفهوم القيمي نفسه بعيداً عن تسخير المطلق إلى النسبي الذي بدوره يحرك الرغبة والشهوة، وهذا يقدر بحد ذاته إحداث التوتر والقلق الوجداني والفكري، وخلخلة لمفهوم نظام القيم الذي يوجه سلوك الجماعة على الصعيدين الفكري والروحي في المنظور العملي التطبيقي.
وتستهدف ثقافة التغيير مجموع العادات والتقاليد والأعراف التي تعتبر قناة أساسية لتمرير ثقافة التأبيد التي ترسوا على عقول الناس ووجدانهم, مما يعتبر وسيلة لإنتاج سلوك الخضوع المطلق للطبقة المستفيدة من ثقافة الوعي الزائف. لذلك نجد أن ممارسة ثقافة التغيير وبأدوات جادة تسعى إلى جعل العادات والتقاليد والأعراف حاملة لقيم نشر الوعي الحقيقي في صفوف الناس، مما يؤدي إلى تغيير في السلوك الذي يتحول في اتجاه صقل الممارسة التي تستحضر إرادة الناس وتنبذ الاستلاب الذي أصبح يعرقل عملية التحول والتطور.
مواضيع متشعبة الرغبة وفقط دون المؤسسة الاسرية وضوابط أثر التواصل الاجتماعي التهجير وأثره على النظم المعرفية واتلاف المخزون المعرفي في “الدمعة المعلقة “على طول تلك الرقعة الشرق أوسطية جعلت نفسها مصيدة لجمهور العاطفيين والشباب القاصر ذوي الطاقات والدماء المغلية”
وبذلك نرسو على القول بأن قيام مجتمع سليم من كافة الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية رهين بتمتع المرأة بكل الحقوق، وبانعتاقها، ومناهضة كل مظاهر التخلف بكافة الحقوق من أجل المرأة.
يلح جاك بوفريس على ضرورة التذكير بها كلما حجبت لسبب ما، ومفادها أن النساء والرجال “نوع واحد في الغاية الإنسانية”. مرجعية الحقيقة هنا لا تتمثل في الرأي الفردي والاجتهاد الشخصي، بل في الفكر الفلسفي العقلاني الذي كان معروفاً متداولاً في أوساط بعض النخب الثقافية العربية الإسلامية قبل ابن رشد وفي عصره. وتبرز الأهمية القصوى لهذه المرجعية في كون الفكر لا يختلق حقيقة كهذه بقدر ما يكشفها ويسميها ضمن بناء نظري متماسك يعين الذات المفكرة على معرفة الإنسان وتحديد هويته تدرجاً من العام إلى الخاص.
حيث تعتبر تأثيرات الثقافة السائدة في علاقات الواقع الكئيب الذي يصفه ابن رشد قبل ثمانية قرون، وبخطاب يبدو كما لو كان يصف ويحلل واقع الحال في معظم مجتمعاتنا العربية الإسلامية اليوم! فلم يعد الفقر وحده ما نفرُّ إليه بل أضحت الحروب والتهجير وويلاتهما قدراً لا مهرب منه إلا إليه. وحتى إذ يكون كذلك في حالة بعض الأفراد الذين تخونهم الصدف والحظوظ، فإنه يظل في جزء أساسي منه نتيجة للثقافة التي ينشأ عليها الرجال والنساء ويمتثلون لأفكارها وقيمها ومعاييرها عندما يكبرون ومن ثم فلا يمكن تفهمه ومعالجته بمنطق الصدقات. غير أن ما تمَّ عرضه في المجموعة القصصية للقاص والباحث ريبر هبون كشف النقاب عن الكثير من المسكوت عنه، بحقيقة لا يمكن التنصل منها، وهي حقيقة الثقافة البديلة، فالكأس الممتلئ إلى نصفه بالمحصلة سيتم ملؤه بنصف آخر هجين فما بالك لو أن الكأس فارغ إذ أن ما نتحدث عنه ثقافة أصيلة متجذرة ولكن الأجيال المتلاحقة والأكثر حداثة لم تستطع أن ترث من هذا الموروث الحضاري غير الاسم والهوية والانتماء الصوري لموروث بمنظور الأغلبية شاذ وبعيد كل البعد عن الواقع الملموس والمعاش. وهو بالفعل ما حدث بانسحاب المشهد القصصي على الكثير من الحكايا وقصص العابرين والنضوج الجسدي والذي لم يتزامن معه النضوج العقلي لكثير من الشخصيات، وهو في الواقع عكس لما يجري في المساحة المعاشة لشخوص يمشون على أقدام ويتناولون الحقيقة من منظورهم…فأصبحت تجارة الجسد هي الدارجة، والرغبة فقط بغض النظر عن أي تبعات هي المآل وبات الأولاد هم العبء الذي يجب التنصل منه بأي ثمن.
منطق ابن رشد لا يختلف في العمق عن منطق الباحثين الجادين في العصر الحديث ممن يربطون قضايا التنمية والتقدم …
والحوار مع الخطاب الرشدي بصددها يقتضي الخروج عن الأطر المعرفية التقليدية والحوار مع ما هو متاح اليوم من مفاهيم ومصطلحات ومناهج وأطروحات من مختلف العلوم الإنسانية. بل إن الحوار يمكن أن يمتد إلى العلوم الطبيعية الدقيقة التي يمكن لبعضها أن يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التحيز ضد المرأة يعود إلى هيمنة تصورات عتيقة لا سند لها في خطابات الفكر والعلم والدين، تماماً كما توصل إليه ابن رشد منذ قرون. فالحوارية بهذا المعنى الفكري المتسع تعترف بمشروعية كل الآراء والمواقف ووجهات النظر من حيث المبدأ، لكنها لا تضعها في مرتبة واحدة حينما يتعلق الأمر بالحكم على القضايا والوقائع التي تمس وجود الإنسان وحقوقه ويفترض أن يفصل فيها القول وفق منطق العقل ومبادئ المساواة وقيم العدالة ومعايير المصالح المشتركة للأغلبية العظمى من الأفراد.
ومن هذا المنظور لعل أهم درس يقدمه لنا ابن رشد هو أن تعديل صورة المرأة في الذهنيات وتفعيل دورها في علاقات العمل والإنتاج لا يتم من دون قطيعة جدية مع تلك التصورات الخرافية الأسطورية التي تنبه لها وحاول تفكيكها وبين تهافتها وسعى إلى تجاوزها بحسب ما كانت نتيجة له ولأمثاله شروط المعرفة والحياة في عصره.
ومع كل هذه المعطيات الجديدة والإيجابية، ما إن نغير المنظور لنرى الوجه المقابل حتى ندرك أن الأبعاد الإشكالية للقضايا التي حللها ابن رشد لا تزال ماثلة، وبقوة، أمام الجميع اليوم وكأن النواة الصلبة للخطاب المعادي للمرأة لن تتفتت إلا بشكل تدريجي وعلى مدى زمني طويل. فالسلطات المهيمنة في أي مجتمع تقليدي عادة ما تمتلك من القدرات والوسائل ما يمكنها من التحكم في مجمل المؤسسات والخطابات. ومما يزيد من قدراتها على الهيمنة والسيطرة أنها كثيراً ما تجد بين النخب المتعلمة، ومن الجنسين، من يعينها على تحويل التراث المشترك إلى “إيديولوجيا خاصة” تكرس الأفكار والتصورات والانتماءات القديمة لتضفي المشروعية على ممارساتها كما لاحظه باحثون كثيرون، وقد حلله داريوش شايجان بعمق نادر. كذلك لا يخفى اليوم على الباحثين والباحثات أن الوضعية المتردية للمرأة هي جزء من وضعيات ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية لا أقل تردياً، مما يعني أن صيرورة التطور التاريخي العام ذاتها تفيدنا بأنه من المستبعد حدوث تغييرات جوهرية في وضعية دون الأخرى.
وفي كل الأحوال فإن كثيرين وكثيرات يدركون جيداً اليوم أن العمل المعرفي والميداني من أجل تعديل أو تغيير منظومات الأفكار والقيم والمعايير المتحيزة ضد المرأة هو من أهم واجباتهم المعرفية ومن صميم استحقاقاتهم الفردية والاجتماعية.
كأننا نقول مع دانييل هنري باجو: أن ثبات الصور النمطية عن المرأة، وعن الآخر المختلف عموماً، هو مؤشر قوي على خلل عميق في اللغة الثقافية السائدة لابد أن ينعكس بصور شتى في علاقات الحياة اليومية وتفاعلات البشر. فصور كهذه عادة ما تتغذى على مرجعيات خرافية أسطورية تجافي منطق العقل ولا تساير منطق العلم ومنتوجاته المتجددة من عصر لعصر ومن مكان لآخر.
في قصة أطفال الحي العرب والأكراد في نسيج مجتمعي وحالات مجتمعية حين يبدو المشهد بأن كل منهما لا يطيق الآخر وأن أحدهما يتعالى ويتفاخر على الآخر على نحو مقزز فإن كان ما جمعها هو دولة الإسلام ومفاهيم العدالة والكرامة والمساواة والتقوى لا فضل للعرب فيه سوى أنهم حين تكون نواة الدولة الإسلامية الأولى حملوا راية التوحيد وكانت قلوبهم واحدة لنشر الدين الذي ارتضاه الله لنا جميعاً. فأين نحن من ذلك؟ هل يعني أن للعرب اليوم سطوتهم في القتل والتدمير والتشريد لمفهوم أنهم الأفضل؟ والأفضل بالتقوى وليس بالمصطلح المجرد…فما جمع لم يعد موجودا واستحال مكانه الظلم فلم البقاء؟!
إذاً ما المبرر للصمت على الجور والبهتان؟!
لا مبرر للعرب اليوم بأنهم أصحاب السلطة!
عن أي سلطة تتحدث وقد خلينا القيم وراءنا وبتنا في جاهليتنا نتباهى؟! فالعناوين اليوم التفرقة والتي تكمن في جنين الأحلام، وألعاب الطفولة والكرة القماشية والفصل منذ الطفولة بين القوي والضعيف بين السيد والمسود. لم يكن الأطفال يوما يميزون بين الهوية والهوية واللكنة واللكنة وحتى بين اللغة واللغة بين الأنا والأنت. لكنهم مزيج من كل الشتات والأفكار الضحلة وكانت رمزية العبارات …”أو تظن أنكم قادرون على هزيمتنا في اللعب؟”
المشاهد الاجتماعية والفروقات الاجتماعية …وكبر في ذلك الأطفال” تغير الزمن وكبر الأطفال وأصبحوا شبابا” هل يجب أن يتغير الزمن لنصبح شباباً بل يسير بنا الزمن لنصبح شباباً؟
لكن رأيت المقصد بتغير الحال والانسلاخ من الواقع إلى واقع آخر أشد ضراوة على بؤسه بين سجون داعش والاستشهاد في المعارك وبين الالتحاق بقوات البشمركة وبين الانخراط في اللوحة السريالية للسياسة وبين الموت… المصير الواحد كان رغم الشتات لو ملحت أيامه فكانت السياسة وكانت الأزمات الاقتصادية.
“حين انقشعت الغيوم السوداء كان اللون القرمزي لون السماء.. و لم يرد أحد تذكر تلك الفاجعة فكان يكفيهم ما رأوه من ظلم وجور.. وقد هاجوا وجرى الفزع في دمائهم مجرى الدم.. وهذه المشاعر التي اختلطت في نفسه أصابته بهزيمة دون تفكيره في خوض معركة مزيفة.. وهو مختبئ تحت ساقية الماء الجارية ذات القطعة الرخامية.. لم يكن أحد ليعرف أنه هناك، فقد كان لقصر قامته وكآبة ملابسه ونحالة جسده أن تمنحه شرف النجاة من القتل أو الدوس تحت النعال.. وعندما تعثر به أحدهم وأصابت قدمه صيحة ألم ظن أن قطعة الحديد هي التي صعقت الكهرباء في جسده.. قد تركها أخرق من هؤلاء ء الثوار السذج.. وكان نعيقه من مغارة فمه الكبيرة “أن عليه أخذها ليذيبها على رؤوسهم ويقبرهم في شقوق البيوت لتخرج الديدان وتفوح منها رائحة العفونة والموت.. “ كان وجهه مختفيا في كتلة كثة من الشعر فلم يكن بمقدور إزمير رؤية أكثر من ذلك…في تلك اللحظة المصيرية لم تجعل له أدنى شك في أن نهايته باتت محتومة.. ولكنه لم يدرك أن القدر قد يكون منصفا له فيما بعد.. ليكون ظهيرا للثوار في معركتهم الفاصلة الباحثة عن الحرية، بعد أن قارب عمره على متوكئ الصمت وقد كان ينتظر داعي الموت دون أن يستلقي على فراشه..” قلوب من رخام، رولا حسينات
وكنا جميعاً شركاء في الأزمة السورية، لم تفصل بيننا حدود ولا أسلاك… وقد جاد وأجاد المبدع ريبر هبون وصفه للواقع في ظل الأزمة السورية وما بعدها من أزمات…
فتأريخ واقع الأزمة السورية وتأريخ جرائم الحرب وداعش والمرتزقة من أعين المدعوكين بين الهروب وبين المساومة وبين الولوج إلى معترك السياسة وبين الضحية التي تقف على الحياد على أمل أن تبني أسرة وتلمها جدران خيمة أو ألواح زينكو.
“حينما تتحول السياسة في بلادنا إلى ضرب من العبث والتسلق تصبح ممارسة الفوضى والنزوات بأنواعها، طالما تمتلك سلطة تمارس من ورائها ما تريد فلا يهم، كما قالت خناف العانس لها ذات يوم قبل أن يلتقطوا فوق سريرها عشيقها وهي تصلي معه صلاة التراويح.”
في طابور الفرن تمتزج رائحة الشقاء ورصد الجوع والفقر والخوف ورائحة الموت “الخبز كان قليلاً، وبسبب البغال الذين تشاجروا أمامي فقد حال دون وصولي للشباك، سأذهب للسوق بعد قليل أمي لشراء الخبز “فالطفولة تميل لعوالمها ، مهما بدا الواقع قاسياً” طباعة كتاب والسوق الثقافي العتيق قد أزالته ماديات العصر” عدا ذلك فمصير المبدع إن كان حياً أو ميتاً هو التهميش”” إن عداء المؤسسة الحاكمة للمبدع الحصيف لا حدود له، وكذلك فإن مزاحمة المبدع السلطوي لوجود المبدع المحايد أيضاً لا ينتهي فالواقع الكوردي لسان حاله الكراهية والتهميش المتبادل وأمام هذا الواقع بدا صعبا لرشيد أن يمارس البغاء الفكري والتملق الذي يبديه بعض زملائه في مهاجمة طيف سياسي والدفاع عن آخر؟
ليس الفكر الكوردي وحسب بل الفكر العربي وكلنا لن نجنح لفكر البغاء نستجدي الشهرة بالأدب الرخيص.
فالفكر إمَّا أن يراد به الكيفيَّة التي يدرك بها الإنسان حقائق الأمور التي أعمل فيها عقله، فيكون الفكر عندئذٍ بمثابة الأداة أو الآليَّة في عمليَّة التَّفكير، وما يلحق بها من طاقات وقوى وملكات عقليَّة ونفسيَّة.
وإمَّا أن يراد به ما نتج عن ذلك من تصوُّرات وأحكام ورؤًى حول القضايا المطروحة، ثمَّ تتَّسع دائرة مفهوم الفِكْر أو تضيق تبعًا لمنطلقات المحدّد لمفهوم الفكر، فإذا اتَّسع مفهوم الفكْر اشتمل على الموْروث الفكْري للإنسان في جَميع ميادين المعْرِفة والعلوم على الصَّعيد النَّظري، على أنَّ هناك مَن يدخل العلوم التَّجريبيَّة والتَّطبيقيَّة داخل مفهوم الفكر، فيشتمل على النَّشاط الإنساني بعامَّة بما يخرج مفهوم الفكْر عن الفكْر ليشْتمل على مفهوم الثَّقافة بل الحضارة أيضاً وقد تضيق دائرة مفهوم الفكر حتَّى تنحصر في مجرَّد النَّظر العقلي في أمرٍ ما، فيكون الفكْر عندئذٍ منسوبًا إلى مبدأ، أو مذهب، أو طائفة، أو أمَّة، أو عصر، أو دين …
الفكر المرتبط بقضية ما هو جزئية من عملية فكرية متكاملة، تخدمها العملية التغيرية والتي تقوم على أساس المنطق في القبول والاستسلام له.
(بكاء المصابيح يصيدون ذيلها المقطوع الأيدولوجيات المهمشة والماديات وتفرق الشعوب والقضايا التائهة الحزبية والعشائرية رغبة الحكومات في تمويل الحزب مقابل اجهاض العشيرة السعادة من الخارج لا يمكن اعتبارها سعادة حقيقية.)
في قيود كان البعض والكل البعض هم الأغلبية رغم أن لفظ البعض قد أطلق عليهم وهم الذين يحتفلون بالغربة بالحياة رغم تواصلها
أما الثوريون فهم العينة فلا يبارحون المسرح لمشاهدة الرقصات الشعبية والأنا الحماسية. السرد الصريح للمسكوت عنه والحياة وممارستها في حياتنا وسنن الكون فينا…
في ثورة حولاء كان الأكراد…الإخوان المسلمون.
الكثير من العناوين حين يكون التظاهر وسيلة لبث الطرح وإفراز الشحن والتكسب غير المشروع وشراء الأعلام حين تكون هناك آفة الشعارات حين يختبر القاتل بعين بندقيته الضريرة قلوب الأبرياء الذين انساقوا وراء مناقصة اسمها الشرف.
بين ثورتي هي قلمي وسأكتب بعيداً عن هذا الموج الهالك والحقيقة بدت الثورة كشفا وتجليا لنوايا النفس البشرية في أن تبدو منسلخة عن إنسانيتها لتبدو سلطة جائعة لهرس الرؤوس وطحن العظام وبين سريالية شعبة تجنيد إرادة الشعب دائما قطيع من البهيم والواسطة والرشوة هي مداد الأغوات.
“- هل يمكن أن تأتي الرحمة؟ وهو يرى الموت يقطف أعز من لديه من أصحاب، ورفقاء وقد وصل موسم القطاف إلى الحكيم بعينه.
شهدت البلاد حزناً دفيناً وقد أغلقت النوافذ والأبواب وطليت بالسواد، وكل ما من تبقى فيها خرج معصوب رأسه بعصبة سوداء، وقد نكست الأعلام، وبقيت الديدان هي من تسير حافية القدمين فوق الطرقات… وفي المزارع التي تكوم فيها كل ما هو فوق الأرض، وابتلعته في جوفها…
الأبقار والماعز والأغنام أغلبها نفقت، ولم يبق منها إلا القليل …
-قلت لك أنه سيأتي…عندما يسقط النجم في الوادي ستعود الحياة.
قالتها وكل من على المائدة ينظر بغرابة لهذه الصغيرة…حتى زومبا بدا مشغولاً بما قالته…
-من هو الذي سيأتي؟ أخبريني اين أجده؟
مشى طويلاً بين البيوت الفارغة، وهو يتأمل بأسى مشهد الموت…قبض قبضة من الرمال وجه
وجهه نحو السماء حين اعتصر الشفق الأحمر، وتلاشى في سواد الليل كانت المشاعل قد التفت حوله، وقد دار رحى الهمس حتى وصل إلى أذني زومبا…خرجوا جميعاً وهم يبصرون النجم الذي هوى في الوادي، وهم يشتمون رائحة الحياة…
-إنها البداية …إنها البداية…قالتها الصغيرة وهي تغمس عينيها بالنور الرباني.” رحلة في تابوت.
النهاية