اهداء.. الى الشاعر مهند صلاح
لتكن أحداث هذا اللقاء.. فصلا من رواية قادمة لك..
قاسم خديدة ـ أبو قبات.. مواليد 1964 سنجار.. ناحية السنون / الشمال.. لم يكمل تعليمه على مقاعد الدراسة وأصبح جليس مقعد لمحو الامية في سجن ابو غريب.. بعد انتزاعه وهو صبي لم يكمل الرابعة عشر من العمر.. في ربيع عام 1977 مع مجموعة منْ الابرياء تجاوز عددهم الأربعون متهماً.. من احضان سنجار.. وايداعه معتقلا.. رغم صغر سنه.. ومن ثم سجيناً محكوماً لمدة 15 عشر عاماً في “منتجع” ابو غريب.. مع 13 عشر فرداً من تلك المجموعة البريئة.. التي حكم على اثنين منها بالإعدام.. في زمن تحالف قيادة الحزب الشيوعي العراقي مع نظام البعث..
لأهمية ما حدث.. الذي لم يدونه ويثبته الحزب الشيوعي العراقي في صفحات تاريخه.. رغم بشاعته من جهة.. ولأنه يعكس جانباً من المحنة المتواصلة التي مرت على السنجاريين وسوء التعامل معهم في مختلف العصور.. ارتأينا تدوين تفاصيله كمدخل لشهادة قاسم عن احداث سنجار ليلة تسليمها للدواعش في الثالث من آب 2014..
ـ قلت لقاسم:
من الضروري ان تحدثنا عن تلك الحادثة وتفاصيلها.. هذا جزء من تاريخ سنجار وصفحاته غير المدونة.. لنبدأ بما حدث في ذلك اليوم.. ماهي حدود علاقتك بالموضوع. لماذا زج اسمك رغم صغر سنكَ بالحدث؟
قال قاسم..
ـ كنت صبياً يافعاً.. حينما شاهدت عدداً من اقاربي يحملون علماً احمر اللون.. في مناسبة لم أفقه معناها ومضمونها.. لا تتعدى اقامة وليمة غذاء لتناول الديك الرومي.. من قبل قريبي (مشكو حجي علو السموقي) لعدد من الذين اعرفهم من اقاربنا.. بتاريخ 31 آذار.. ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي..
واثناء وجودنا في الدار.. في تلك الساعة.. التي جرت مداهمته من قبل (مراد بركات وعمر داود الداود وسيدو حسن كوسة السموقي مسؤول الجمعيات الفلاحية1) برفقة الملازم وحيد.. وفي الحال استفسر مراد بركات.. ماذا تفعلون؟!!
ردّ عليهم مشكو السموقي.. مرحباً بهم مع بقية المدعوين:
ـ هذا نذر.. ما تشاهدونه مأدبة خير.. تفضلوا شاركونا.. سنقدم لكم خروفاً.. لم يكمل جملته حينما اخذ مراد بركات بشتمه والتجاوز على الحاضرين بأقذع الكلمات.. وبعد أن توعد الجميع مهدداً ومتجاوزاً الأدب والأصول..
بادر دهّارْ حجي علو.. شقيق مشكو في حركة سريعة لانتزاع مسدس مراد بركات وطلب منهم مغادرة الدار وتركه وحدث إطلاق نار.. شاهدت ملازم وحيد يركض هارباً مذعوراً فمسكته من كتفه.. لكنه تمكن من الإفلات.. بعد ان انتزعت نجماته.. التي بقيت في قبضتي..
بعد دقائق.. طوقتنا قوة اضافية من البعثيين والشرطة والأمن.. اعتبرونا متمردين.. لم يكتفوا بهذا.. اتصلوا بمركز قضاء سنجار.. والدوائر الامنية في محافظة الموصل طلباً للنجدة..
واعتبروا المشاركين في الوليمة ومن كان في الدار.. وما حدث انقلاباً مدعوماً من سوريا يجب التصدي لهم..
بعد ساعات حامت السمتيات في سماء سنجار.. ووصل رتل من الدبابات.. وتم اخذنا.. كنت من بين المعتقلين المتهمين بالجريمة.. وكذلك قاسم عتو مستو.. الذي اشترك في ضرب مراد عتو.. وفرّ بقية المهاجمين البعثيين الذين تركوه.. وولوا هاربين في حينها..
عندما وصلت القوة الجديدة.. استخدمت السلاح ضدنا.. كأننا في معركة حقيقية.. وبدأ إطلاق النار علينا فوراً من قبلهم.. استشهد في الحال كتي حجي علو (خلف) وكذلك دهار حجي علو شقيقه بإطلاقات المهاجمين.. ومن بينهم المضمد الصحي والبعثي.. الذي شاركهم في الجريمة (فاخر الياس مادو) من اهالي بحزاني.. حيث أقدم على إطلاق النار من مسدسه على كتي حجي وارداه قتيلا..
بعدها.. تمّ اقتيادنا الى موقع ربايا حرس الحدود المشتركة مع سوريا.. بالقرب من مجمع دوكري ـ حطين وجاء المحافظ (فليح حسن الجاسم)2 الذي وصل من الموصل بالهليكوبتر مع مجموعة من البعثيين القياديين في المحافظة.. ووصل معهم حجي بركات شقيق مراد بركات وطلب من المحافظ.. عدم إطلاق سراحنا لحين خروج شقيقه بركات من المستشفى.. بعد اصابته بعدة ضربات من عصي المدعوين للوليمة.. ونقل على أثرها للتشخيص والعلاج الفوري..
وتم اقتياد المجموعة المكونة من اربعين متهماً.. من افراد عشيرة السموقية.. بمن فيهم من لم يكن مشاركاً في الوليمة.. ولم يكن متواجداً في دار مشكو صاحب الدعوة..
بقينا لمدة شهر في سنجار لإجراء التحقيق الأولي.. الذي ترافق مع تعذيب بشع.. وللتاريخ لم يجري تعذيبي.. لأني كنت مشخصاً من قبل الملازم وثبتت التهمة علي.. وعندما سألني المحقق:
ـ هل ساهمت في العركة؟
لم ينتظر مني الجواب المنطقي لرواية الحدث كما هو.. وهكذا كان الحال مع القاضي مسلم الجبوري في محكمة الثورة.. فيما بعد.. حيث اعتبر الحادث سياسياً موجهاً ضد الدولة وحزب البعث..
فأوضحت لهم.. الحادثة لا تتعدى الخلافات العشائرية.. والاعتداء وقع على الذين كانوا يتناولون الوليمة.. من قبل المهاجمين المستغلين لهويتهم السياسية.. وغطاء السلطة في تبرير تصرفهم الهمجي..
من سنجار.. بعد استكمال التحقيق الأولي.. تمّ إطلاق سراح غالبية المعتقلين.. وبقي منهم 13 عشر فرداً محتجزاً ومتهماً.. كنت من بينهم.. وتم تسفيرهم الى الموصل.. وبقينا لمدة 11 شهراً فيها.. قبل تحويلنا لمحكمة الثورة.. التي كان يترأسها مسلم الجبوري.. وقالوا لنا:
ـ سيشملكم عفو.. لأن نعيم حداد قد تدخل لصالحكم.. بعد أن تيقن من براءتكم وتأكد من سوء تصرف رفاقه البعثيين معكم..
لكن المفاجأة غير السارة كانت من وقوف عدنان حسين الشخصية القيادية.. التي أعدمها صدام حسين لاحقاً ضدنا.. حيث تدخل لصالح البعثيين.. من خلال وساطة مراد بركات وتقديمه لثلاثين خروفاً له.. ليساهم في استكمال الجريمة بحقنا..
إذ تم ايقاف إطلاق سراحنا اولاً.. بعد أن اتفق مع مسلم الجبوري على تأجيل القرار.. وفي اليوم التالي حينما التقى بهم عدنان حسين ثانية.. مع وجود مترجم ليفهم ابعاد الموضوع مثلما عكسوه له.. تمت اعادة النظر بالعفو وتم الحكم على كل من:
1ـ مشكو حجي علو.. شقيق الشهيدين كتي ودهّارْ.. بالموت شنقاً.
2ـ عتو محو حيدو ـ قاسم ـ شنقاً حتى الموت
والبقية بين المؤبد أومن 10 ـ 15 سنوات..
ومن مهازل الأوضاع.. التي ترافقت مع محاكمتنا.. ووجودنا في سجن ابو غريب.. في تلك الحقبة.. ان ادارة السجن جمعتنا ذات يوم للمشاركة في طقوس اعلان ميثاق العمل القومي المشترك بين سوريا والعراق.. كنا قد سمعنا ونحن في السجن.. ان حدثاً كبيراً سيقع ويطيح بالتوجه للتنسيق واعلان الوحدة بين سوريا والعراق.. وان المشروع قد فشل..
هكذا كانت معلوماتنا داخل السجن.. ولا أدرى مصدرها حينها.. لكن الادارة الرسمية لم تكن تدرك خفايا الأمور.. ومضت في برنامجها الاحتفالي معلنة فرحها بميثاق العمل القومي.. واعلان الوحدة بين سوريا والعراق..
وللمشاركة في هذا الفرح تم حشرنا في الصالة الكبيرة لسماع الخطب والأحاديث عن هذا المشروع السياسي.. واذكر اننا.. نحن مجموعة سنجار.. رفضنا الرضوخ لإدارة السجن.. وطلبهم بنقل الكراسي للصالة.. كي يجلس عليها المحتفلون.. وتعرضنا بسبب هذا الموقف للضرب والقسوة وتحملنا شتائمهم البذيئة..
لم يمضي على انتهاء الحفل المذكور.. الا سويعات قليلة.. وإذا بالأخبار الصادمة من قلب بغداد.. تتوالى عن كشف مؤامرة.. ووجود خونة في قيادة حزب البعث.. كما أعلن من خلال التلفزيون للرأي العام..
وان من بين المتآمرين عدنان حسين الحمداني ومسلم الجبوري اللذان طالهما الاعتقال وعلمنا بالخبر وتفاصيله.. فقلت لرفاقي السجناء طالما شمل الاعتقال رئيس محكمة الثورة.. اتوقع الغاء الاجراءات والقرارات التي اتخذها اثناء وجوده في رئاسة محكمة الثورة في بغداد.. واشرافه على هيئة اربيل القضائية المماثلة.. واتوقع ايضا اعلان العفو عنا وإطلاق سراحنا قريباً.. وهذا ما حدث فعلا بعدها..
*******
نعود الى موضوعنا الرئيسي.. شهادة قاسم عن كارثة سنجار في زمن داعش.. وما حدث قبلها.. ليروي لنا التفاصيل.. التي عاشها.. وأدركها.. من خلال موقعه كمواطن سنجاري.. وضحية من ضحايا سنجار.. دون ان نغفل ادراكه لكل كلمة يتفوه بها.. وينطقها بعد هذه التجربة السياسية من موقع المطلع على الحدث..
سألت قاسم.. الذي كان يوماً يقود سنجار.. وتبوء مسؤولية التنظيمات الشيوعية فيها لفترة ليست قصيرة.. اعقبت فترة وجوده في الأنصار.. التي رفدته بالخبرة القتالية والمعرفة العسكرية.. وأصبح كادراً يجمع ما بين السياسة والنشاط العسكري معاً.. بعد انتفاضة آذار 1991.
ـ هل ما زلت مسؤولاً وقيادياً في منظمة سنجار؟
ـ اجابني بصراحة.. لا.. لقد تخليت عن المسؤولية.. بعد اكتشافي للكثير من الاخطاء والنواقص في العمل السياسي.. بالإضافة الى حالات فساد.. لم يخلو منها الحزب الشيوعي الكردستاني.. فقررت التخلي عن مسؤوليتي.. والاحتفاظ بعضويتي فقط.. لكن بقي دوري الاجتماعي.. وبقيت علاقتي الطيبة بكل الأحزاب.. بمن فيهم الحزب الديمقراطي الكردستاني.. بحكم عملي في لجنة العلاقات لفترة لا بأس بها..
اعقبته بالسؤال..
ـ اين كنت متواجداً ليلة ويوم كارثة سنجار.. ماذا شاهدت؟ ماذا فعلت؟ احكي لنا ما حدث كما عشته ولا حظته..
قال:
ـ كنت في مجمع دوكري.. اراقب الاحداث بحذر شديد.. بعد دخول الدواعش الى الموصل.. وكان يتجمع حولي أكثر من اربعين رجلاً وشاباً من اقربائي وأصدقائي الشيوعيين وغيرهم.. ننظم الحراسات في بيتي.. الذي افرغته من افراد عائلتي.. بعد نقلهم من باب التحوط للأحداث المرتقبة.. واحتمالات تطورها الى باعذرة..
كانت علاقتي جيدة بالكل.. كنت اقول للجميع.. بمن فيهم اصدقائي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين يزوروني للتنسيق.. نواجه مصيراً واحداً.. وأصبحت داري مقراً حقيقياً يشبه بغرفة عمليات.. تأتيه الاتصالات من كل الجهات.. وبدورنا نتصل بالجميع.. ونواصل جمع المزيد من المعلومات من كافة الاطراف..
ووصلنا من القبلة في الجنوب.. من خلال اتصال مباشر بالمتواجدين هناك.. اول معلومة عن حدوث قصف مدفعي من قبل الدواعش على مناطق الايزيديين وتجمعاتهم القريبة من بعاج.. الذي تحول الى مركز رئيسي للدواعش منذ فترة ليست بالقصيرة..
حال سماعنا الخبر.. طلبت من الناس في التجمع عبر الكثير من الشخصيات والمسؤولين.. سحب وابعاد العوائل فوراً.. والتوجه للخطوط الخلفية.. لكنهم لم يستجيبوا لطلبي وندائي.. ولم يستفيدوا من التحذير.. مما دفعني لرفع لغة المخاطبة لحثهم على المغادرة.. قلت: سيقتلونكم.. ويسبون نساؤكم.. وينهبون ممتلكاتكم.. ويجبروكم على التخلي عن دينكم واعتناق الاسلام.. فماذا تنتظرون؟!!!
ومن الجهة الثانية عند مدخل شلو ـ باب شلو.. مدخل الجبل المؤدي لقنديل سنجار بدأ البيشمركة المتواجدين في السيطرة.. بمنع من يرغب في التوجه للقتال.. ومساعدة القوة الصامدة في الجنوب.. من القبلة.. بحجة ان سلاحهم ضعيف وسلاح الدواعش ثقيل.. لهذا لا يمكن مواجهتهم.. كانوا يمنعون الكل من الذهاب لخطوط المواجهة دون استثناء..
علما انه كانت بحوزة البيشمركة عدد من الهاونات الثقيلة.. والدوشكات.. والبي كي سي مع الهمرات.. لكنهم لم يستخدموها نهائياً.. ولم يطلقوا حتى اطلاقة واحدة.. او اية قذيفة من باب المشاركة الاعلامية فقط..
اما من قاوم من الايزيديين.. وبينهم عدد من البيشمركة المنتسبين للأحزاب الكردية.. بمن فيهم بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني.. فقد قاموا وانخرطوا في القتال بدوافع فردية وشخصية.. بحكم دفاعهم عن عوائلهم وممتلكاتهم وارضهم من جهة.. أو انّ التوجيهات بعدم خوض القتال لم تصلهم لسبب من الأسباب ورفضوها..
وتواصلت صلتنا مع الآخرين.. لمعرفة الحالة العسكرية عندهم.. وكان من بين من اتصلنا بهم (بير إبراهيم).. من اهل كرزرك.. الذي كان من الشخصيات الفاعلة في المعركة.. وتصدوا ببسالة لهجوم الدواعش في محورهم.. كذلك تواصلنا مع مجموعات اخرى في القبلة.. في محاور كر عزير وسيبا شيخ خدر.. وهي المناطق الثلاثة.. التي حدثت فيها المعارك.. وجرى التصدي لهجوم الدواعش عليها.. من مقاتلين.. ايزيديون مدنيون فقط لا غيرهم..
واستمر الموقف الى الساعة السادسة صباحاً.. حيث أعلمنا (بير إبراهيم).. بخطورة الموقف.. وصعوبة مواصلة القتال.. لنفاذ العتاد لديهم.. واستمرار دعم الدواعش بالمزيد من القوة والسلاح..
وعلى الفور اتصلت بـ (رفو السموقي).. أحد كوادر حدك واعلمته بالموقف.. قال لي: اين انت ومن معك؟ نحن انهزمنا.. وانسحبنا.. دون قتال.. والكل يقرر مصيره بنفسه.. فقدنا السيطرة على الوضع.. الجميع انسحبوا دون قتال..
اتصلت بعده بـ خلف أحمد اسماعيل ـ احمد مطو مسؤول عشيرة السموقي ونصحنا بالتوجه نحوهم.. ذهبنا إليهم شاهدناهم بلا سلاح.. كانت اعدادهم بالمئات من مجمعات جنوب وشمال الجبل.. تجمعوا دون اية سلاح يحميهم.. وعند دخولنا (كوجكا ـ ديوان).. أو مضافة احمد مطو.. بحضور خدر بركات رجل الدين المعروف.. وبقية رؤساء العشائر والافخاذ.. قلت لهم مجدداً.. كيْ انتشلهم من حالة الانكسار واشحن فيهم روح التحدي والصمود..
ـ سوف يسحبون نساؤكم.. ويجعلونكم تكفرون بدينكم.. ويطلبون منكم ان تشهروا اسلامكم.. والا الموت مصيركم.. ولا حل لنا الا القتال ومواجهتهم..
ومن بين الحاضرين الحائرين وحده (عمر إسماعيل) رد عليّ قائلا.. لن ندع اطلاقة واحدة تنطلق من فوهة اية بندقية لأي رجل بيننا..
اجبته بسخرية.. خورتي خيلا.. ومعناها.. يا لهذه الرجولة.. واوضحت أكثر.. ساخراً من موقفه.. اين سلاح البي كي سي.. الذي كنت ترفعه على سيارتك.. وانت تجوب الشوارع متباهياً به.. الآن نحن بحاجة للسلاح.. والبي كي سي هذا يومها.. وأنت تتخلى عنها بهذه السهولة.. اي ذل هذا!!
وقلت مخاطباً اهلي ومن معي.. أنقذوا أنفسكم.. لا تعتمدوا على أحد من هؤلاء التعساء.. وقررنا المغادرة.. علمت فيما بعد ان غالبية الذين تركوا سلاحهم ونفذوا وصية خورتي خيلا.. قد وقعوا مع عائلاتهم للأسف في قبضة الدواعش.. وهم في منتصف الطريق..
كنا آخر مجموعة في دوكري نغادر التجمع.. بعد الساعة العاشرة صباحاً.. من يوم 3/8/2014.. وبقي هناك منْ لمْ يستطيع المغادرة.. ومن كان لا أبالياً.. ويعتقد لن يصيبه الأذى.. وعموماً كان هؤلاء ضحية من لم يواجهوا الدواعش.. ومن كان يبث الدعاية من أيام.. من انهم سوف لن يستهدفون الايزيدية.. وان بينهم مجاميع من البعثيين ممن طمأنوا الناس.. بالإضافة الى بعض المواطنين العرب.. ممن نقلوا رسائل تطمين غير مجدية لمعارفهم.. لمختلف الأهداف صبت جميعها بالتالي في حدوث الكارثة..
في الجانب الاخر كانت رسائل التحذير تصل ايضاَ.. وقد وصلت الى ابن شقيق قاسم الذي كان قد درس القانون في الموصل.. رسالة واضحة من صديقة مخلصة له.. نبهته وطلبت منه ان يدعو الناس بجدية.. لينقذوا أنفسهم قبل وصول الدواعش إليهم صباح الثالث من اب..
بعد هذه الساعات.. لم أجد شخصاً واحداً مسلحاً عداي.. وحاول شخص ما ان يمد يده لسلاحي كي ينتزعه مني.. فحذرته بعد أن وجهت فوهة البندقية له قائلا:
ـ لن اتخلى عن سلاحي الا عند موتي..
واصبحت حالة نشاز بينهم في تلك الساعات المضطربة.. توجهت للمختار الذي كان واقفاً حائراً ينتظر بلا جدوى.. فحذرته من الانتظار ومخاطر الوجل.. كان يعتقد ان رفع العلم الأبيض.. قد ينقذه وينقذ الآخرين من الموت والهلاك..
شاهدنا سيارات الدواعش تقترب.. ركبت سيارة قلاب مع آخرين.. حاول الدواعش الوصول لها.. طلبت من الرجال النزول والتفكير بالتسلل مشياً نحو الجبل.. لكنهم لم يستجيبوا لي.. اقتربت سيارة قريبٌ لي.. منا فنزلت لأرافقهم.. كان منظري بالسلاح يوحي للكثير بمواقف متناقضة.. اعتبره البعض مصدراً مزعجاً.. قد يكون سبباً للدواعش للفتك بهم.. ان وصلوا الينا وشاهدوا مسلحاً بينهم.. وكان الآخر موقناً من موقفي ومتأكداً من إني لن استسلم وسأقاوم.. وكانوا يودون ان ابتعد عنهم.. كي لا اسبب لهم موقفاً حرجاً يؤدي بهم للتهلكة والموت.. في حين اعتبره الآخر مصدر للحماية.. وفرصة للخلاص والنجاة عند المواجهة.. وفرح بوجود مسلحاً بالقرب منه..
وبين هؤلاء كنت اسعى موضحاً.. لكيلا أشكل عبئاً على أحد منهم.. قلت مؤكداً لهم: عند اية مفاجأة محتملة في الطريق.. سأغادر العربة.. لن ادعكم تتحملون وزر موقفي.. كنت قد حسمت الأمر مع نفسي وقررت عدم القاء السلاح تحت اي تأثير كان..
وصلنا أطراف قرية أم قياري العراقية.. على الحدود السورية.. وحدث اشتباك بين قوات البكه كه والدواعش.. الذين كانوا يسعون للوصول الى الطريق لقطعه.. ومنع الناس من الحركة والدخول في الاراضي السورية من الجهة التي لا تخضع لسيطرتهم.. وكانت نقطة الحزب الديمقراطي الكردستاني قد سدت.. وقطعت طريق الوصول الى دهوك.. من معبر فيشخابور.. بعد انسحاب البيشمركة المذل.. حيث تم اغلاق الجسر.. ومنع الناس من العبور للطرف الآمن للنهر..
لكن المفاجئة حدثت مع تقدم قوات البكه كه للسيطرة على معبر ام قياري.. بالقرب من ربيعة.. والتصدي الحازم للدواعش ومنعهم من ارتكاب مجزرة في المعبر الذي تخلت عنه قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني بدون قتال.. وتم بجهودهم وموقفهم البطولي فتح معبر آمن الى سوريا..
كنت حينها.. خلف آخر سيارة لقوات البيشمركة المنسحبين مباشرة.. واتصلت من هناك بالعميد (سردار دهوكي ـ آزاد المختار) عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني ومسؤول لجنة محلية دشت نينوى.. أطلعته على الموقف.. وقال لي.. هناك وفقاً للمعلومات التي نقلت اليه بحدود 60 سيارة للديمقراطي الكردستاني ستتوجه الى سنجار لدعم الموقف.. وبعد أن حل الليل ورغم التعب والارهاق اتصلت بالمتواجدين في سنجار.. وأكدوا لي انهم شاهدوا السيارات واضويتها تتجه الى مقر الفرع 17 للحزب الديمقراطي الكردستاني لسحب ونقل ما خلفه المنسحبون منهم من ممتلكات دون قتال.. وأكدوا.. ان احداً منهم لم يأتي لدعمنا واسنادنا لمواجهة الدواعش..
وايضا لا أنسى.. لقائي بالعميد حاجي.. آمر لواء البيشمركة.. ومعه أكثر من 200 سيارة عسكرية قبل انخراطه في طابور الانسحاب الكبير.. حيث أوضح بصريح العبارة لمبعوثه المرسل للقاء امير الدواعش في قرية حسو بك الحدودية ـ أحمد العويد العكلة ليؤكد لهم على لسانه: ليس لدينا خلاف معهم (أي الدواعش) وهناك اتفاق مسبق بيننا وبينهم وان البيشمركة ملتزمون بالاتفاق ويطبقونه..
وحينما حاول المختار.. حثه على مساعدة الجنود الايزيديين المنسحبين في جنوب سنجار مؤكداً.. انهم يحتاجون للمساعدة.. كي لا يقعوا فريسة بيد الدواعش في هذا المنعطف الخطير.. اجابه العميد حاجي..
ـ هذا ليس من مهامنا.. وتمتم ليست مشكلتنا!!
علما ان الدواعش كانوا قبل تسليم سنجار بيوم واحد.. قد تجمعوا في الحدود السورية وتقدموا ليهجموا على سيطرة.. كر بكارة.. بالقرب من سنون وتصدى لهم مقاتلي البكه كه.. فاضطر بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني للمشاركة في القتال وعادوا ليستلموا نقطة السيطرة من داعش.. كي لا يقوى نفوذ البكه كه في المنطقة.. ويسيطرون بشكل كلي على المعبر.. وحينها قال أحد المسؤولين العسكريين من الحزب الديمقراطي.. اضطررنا لكسر الاتفاق وقتال الدواعش.. ونلنا بسبب هذا التصرف العتب والمحاسبة من الجهات الاعلى لنا..
وفي ختام حديثه أكد قاسم:
ـ انّ استنتاجاته من الحدث الكبير توحي بلا شك.. انّ ما حدث ومن خلال الادلة المنطقية يؤكد:
اولا: ان الانسحاب بدون قتال من الارض الواسعة.. بهذا الاسلوب المذل.. كان معتمداً على اتفاق مسبق مع الدواعش.. والاّ..
ـ كيف ينسحب أكثر من 12 ألف جندي وعسكري وعناصر امن.. من الباراستن والآسايش من سنجار الى دهوك مباشرة.. دون ان يقدموا جريحاً او مصاباً واحداً.. او اسيراً او شهيداً!
ـ كيف ينسحب كل هؤلاء.. دون انْ يطلقوا قذيفة او اطلاقة واحدة بوجه الدواعش! وهذا ما اعترف به قادتهم الميدانيين من الايزيديين.. وغيرهم بمن فيهم سربست بابيري مسؤول فرع سنجار للحزب الديمقراطي الكردستاني.. في حواراته وتصريحاته المتلفزة وكذلك قاسم ششو وغيرهم..
ثانياً: تركز الهجوم على الإيزيدين.. ولم يطال الدواعش.. الاكراد المسلمون في سنجار.. ولم يجري اعتقال اي رجل او امرأة منهم.. بالعكس هناك دلائل بتسهيل امر انسحابهم مع ارتال الدواعش عبر طريق تلعفرـ الموصل.. كما حدث مع العديد من ابناء عشيرة الكيجلا حيث تم تأمين انسحابهم تحت حماية الدواعش الى دهوك.. بعد ايام من احتلال مركز قضاء سنجار..
ثالثاُ: سنقول من اليوم ومستقبلا.. نحن لسنا اكراد.. بل ايزيديون.. ولن يستطيع الكورد ان يقولوا لسنا من جذور ايزيدية.. او يتغافلون عن تاريخهم ونسبهم السابق..
هذه اهم مشاهداتي للأحداث المروعة.. في الابادة التي عمت سنجار.. في الثالث من آب عام 2014.. على يد مجرمي دولة الخلافة الإسلامية.. داعش..
وادعوا الحريصين على مستقبل الشعوب.. ومن تهمهم حياة الناس للمطالبة بالتحقيق الكامل بخفايا وخبايا تسليم سنجار للدواعش.. ومحاسبة المقصرين..
كما ادعو المنظمات الدولية والامم المتحدة لتبني مشروع حماية المواطنين الايزيديين والشبك والمسيحيين وغيرهم من الضحايا.. وتعويضهم..
كما ادعو لمحاسبة ومعاقبة كل من دعم الدواعش وانخرط في صفوفهم.. وقدم التسهيلات لهم من العراقيين وغيرهم..
ــــــــــ
منتصف عام 2016
ـ من مواد العدد الثالث من مجلة الشمس
1ـ اعتقل هذا الرجل (سيدو حسن كوسة السموقي) لاحقاً بتهمة الفساد والتزوير والتلاعب بممتلكات الجمعيات الفلاحية في سنجار.. وتم زجه لفترة في السجن بعد كثرة الشكاوى عليه.
2ـ تمت تصفيته مع مجموعة من كوادر وقادة حزب البعث بتهمة التنسيق والتعاون مع سوريا في تموز 1979