يقال بأن الحب يجعل الإنسان أعمى ، لكن الحقيقة الإنسان الذي لا يحب هو الأعمى ، الحب جزء من ديمومة واستمرارية الحياة ، لا يوجد ابداع بدون حب ، العائلة المحترمة لا تنشأ بدون الحب ، لا يوجد دفاع عن النفس وعن المجتمع وعن الوطن بدون دوافع الحب ، لا يوجد أمل بدون الحب ، فالحب هنا ضرورة من ضرورات الحياة الطبيعية وثمرة هذا الحب دائماً النتائج الإيجابية في تطور الحياة ، الإنسان الذي لا يحب لا يعرف الحياة ولا يستطعمها . الذي لا يحب فهو إنسان غير طبيعي وقد يكون فيه خلل جيني ، ليس الحب الطبيعي محل بحثنا ، بل محل بحثنا هو الحب السلبي ، الإنسان الذي يحب ويتلذذ ويتمتع بفعل أشياء لا تصح ولا تعقل ولا يفعلها الإنسان السوي الطبيعي ، هذا هو الحب السلبي ، فذلك الذي يحب إيذاء وتعذيب وقتل الآخرين أو الذي يحب أن تشيع الفاحشة بين الناس أو الذي يتمتع بغدره وخيانته للناس والوطن وغير ذلك ، مثل هذا الحب شذوذ قد يغير موازين الحياة بنتائج سلبية مقرفة ، فما بالك إذا كان أصحاب هذا الحب الشاذ بيدهم زمام الأمور أو السلطة فبالتأكيد ستكون النتائج أكثر سلبية وأشد وطئاً على المجتمع . هذا المرض نجده حاضراً بوضوح عند حكام الدول المجاورة لكوردستان ، يحبون ويتمتعون بإيذاء الشعب الكوردي وبنفس الوقت يتمتعون بإيذاء شعوبهم ، فالمرض واحد ، ولم نجد في تأريخ هذه الدول حاكم واحد يخلو من هذا المرض النفسي ، حتى ولو تسنم منصب القيادة بطرق شرعية إنتخابية ، فأن مثل هذا الحاكم أن لم يفعل ما تأمره به نوازعه الشريرة سيكون عاراً على شعبه وأمته فيجد نفسه مرمياً في مزبلة التأريخ . فهؤلاء الحكام متأكدون بأن أي إعتداء على الشعب الكوردي سوف لن يواجه بردة فعل قوية لا من كوردستان ولا من العالم الخارجي الذي سيقلب الدنيا إذا حدث مثل الإعتداء على شعب آخر في مشارق الأرض ومغاربها . هؤلاء الحكام يعلمون بأنهم لو تركوا الكورد بحالهم سيشقّ الكورد طريقهم بالحياة وسيبنون لأنفسهم كياناً يضاهي كياناتهم بل ويتفوقون عليهم ، وما تجربة إقليم كوردستان إلا نموذج حي أمامهم . هم يعلمون بأن الكورد أمة حية لا تؤمن بطريقة العيش السيئة التي تعيشها حكومات الدول المجاورة لكوردستان المبنية على الكذب والخداع والتخلف والفساد . هم يخافون من أن يكون بجوارهم نموذج كوردي ناجح يستنهض شعوبهم من السبات ويحثهم على الأستيقاظ وإسقاط عروشهم .. فهي حالات من الخوف والغيرة والحسد أجتمعت في عقول هؤلاء الضالون ، فطالما يجدون أنفسهم قادرون على اضعاف الكورد وعرقلة مسيرتهم ومنعهم من الوصول إلى الأفضلية فلن يترددوا في تقويض أية تجربة كوردية ، كل ذلك يفعلونه مع الكورد بإنشراح صدر ، لأنه تقف خلفهم دوافع الكراهية المزمنة والحقد الأسود على الشعب الكوردي ، ذلك الشعب الذي لا يعرف الإستسلام والرضوخ . كل يوم يمر عليهم والكورد يتنعمون بأرضهم فهذه وحدها مشكلة تؤرق جفون تلك الحكومات وتسلب راحة بالهم وتجعلهم أكثر وحشية في التعامل مع الكورد ، ولا نتوقع في يوم من الأيام أن تخف وتيرة أفعالهم العدوانية مع الكورد مهما داهنهم الكورد ومهما سايرهم الكورد في سياساتهم وفي التقرب إليهم والاحترام . هناك حقيقة ثابتة يعرفها الجميع إلا وهي أن الإنسان الكوردي مرتبط عقائدياً بأرض كوردستان حتى ولو كان هذا الكوردي قد استعرب أو أستفرس أو أستترك ، فطالما جذوره كوردية سيبقى مرتبطاً بكوردستان أرضاً وسماء ، حتى وان عاش طوال عمره بعيداً عن كوردستان فجذور الوفاء لكوردستان لن تموت ، وهذه الميزة جعلت من الكورد الذين يتكاثرون وينتشرون في انحاء الارض وفي داخل دول الجوار أكثر إصراراً على رفع الحيف عن كل شبر من ارض كوردستان ، وها هم الكورد اليوم في جميع بقاع العالم يتركون بصمتهم الرائعة داخل المجتمعات الغربية والشرقية علماً وأخلاقاً وإبداعاً وسمعة ويزداد تمددهم و تأثيرهم يوم بعد يوم ، وسيأتي اليوم الذي يقف فيه العالم وحتى أعداء الكورد وقفة أحترام وتبجيل لهذه الأمة المظلومة التي رفعت رأسها من تحت الأنقاض التي تراكمت عليها طوال عشرات السنين لخنقها ودفنها كما يدفن الإنسان الحي ، لكنها لم تمت ، وعندها سيكتشف الجميع بأنهم ما قدروا هذه الأمة حق قدرها ولم يلتفتوا لطاقات الشعب الكوردي التي تتفجر لتعلن الحياة لكوردستان غصباً لا توسلاً ، وهذه الميزة لا يمتلكها أي شعب في العالم ، هذه الميزة لم تتولد صدفة بل تولدت من رحم المعاناة لعقود طويلة . التمتع بإيذاء الآخرين متعة قذرة زائلة تسلب راحة بال فاعلها وتنقلب عليه بلاء وابتلاء . فما بيننا وبين ساعات بزوغ شمس كوردستان إلا زمن طال أم قصر .