الحقيقة ليس هناك شيء أسمه دين عقلي ودين نقلي ، فالدين هو واحد ، ولكن الناس يختلفون بفهمهم للدين حسب مداركهم العقلية ، فالإنسان الذي يأخذ المعاني السامية من الدين ويبتعد عن ما هو محل خلاف وفرقة وفتنة وكراهية وعدوانية وعدم أحترام للديانات الأخرى ، فهذا دين عقلي يستحق الحب والتقدير ، وهذه ليست منة بل أنه حق من حقوق الناس وواجب على الجميع أن لا يكره بعضهم بعضاً من اجل الدين لكي يستطيعون العيش سوية ، لأن الدين أساساً جاء لخدمة الناس لا لتدمير حياتهم ، ومن هنا ننتقل إلى نقطة الخلاف والافتراق بين من يؤمن بأن الدين جاء لخدمة الناس وبين من يؤمن بأن الناس هم من يجب عليهم خدمة الدين وخدمة رجال الدين والتضحية بأنفسهم في سبيل ذلك ، هذا المفترق سيضع الناس بين خيارين هما الدين العقلي والدين النقلي ، أن التعامل الإنساني بين الناس على أساس الإنسانية والأخلاق هي سمة الدين العقلي ، وفاعلها يكون قد أعتنق الدين العقلي ، لأنه جعل عقله يتحكم في فهم الدين من حيث منافع الدين ومنافع الدنيا وتجنب كل ما قد يسببه الدين من مشاكل وخلاف وفتنة ، بغض النظر عن نوعية هذا الدين ، سماوي أو أرضي ، ومهما كان هذا الدين طالما هو يحترم الأخرين ويحترم أفكارهم ويجعل الحياة سهلة خالية من الشد والتوترات ، ويؤمن لغيره بما يؤمّن لنفسه ، فأن مثل هذا الدين يتحول إلى محبة وألفة بين الناس ، فالذي يجعل من دينه رسالة محبة وسلام إلى الناس ويجعل من دينه عطاء إنساني فأن هذا الإنسان أخذ من الدين الخير ونقله للناس فهو صاحب دين عقلي . أما الذي يجعل من دينه سبباً لألام الناس وسبباً للتناحر وسبباً للكراهية فهذا دينه نقلي أي ينقل النصوص بشكل أعمى ، الذي يريد أن يفرض دينه على الناس ويؤجج الفتن والحروب ويقطع الطرقات ويؤسس المليشيات ويرفض الأعتراف بالديانات الأخرى ويستصغرها ويملىء قلبه بالأحقاد ويسلب حقوق الآخرين بأسم الدين فهذا دينه نقلي ، فالدين مادة خام يمكنك أن تستخرج منها ما ينفع الناس وما يضر الناس ، العيب ليس بالدين إذا أستخرجت منه ما يضر الناس ، لأن هذه المضرة في الدين قد كانت في يوم من الأيام منفعة للناس وقد تعود في يوم ما منفعة ، ولكن العيب بمن فهم الدين . صحيح أن النصوص الدينية تحمل هذا وذاك ، وصحيح أيضاً أن النصوص الدينية نزلت في ظروف وزمان يبعد عن زماننا بمئات السنين فلا يصح أن نشابه الظروف والأزمنة ، فمثلما تخلينا مجبرين عن بعض النصوص الدينية بحكم الزمن كذلك لنا القدرة ان نتخلى عن النصوص التي لم تعد تواكب الحياة والعلاقات الإنسانية وأن تطبيقاتها فيها مضرة كبيرة ، تخلينا عن النصوص التي تطالبنا بفرض الجزية على غير المسلمين وتخلينا عن الحر بالحر والعبد بالعبد وأعطينا المساوات للناس في قوانيننا ودساتيرنا وتخلينا في التنقل عن طريق البغال والحمير وأصبحنا نتنقل بوسائط النقل الحديثة التي صنعها لنا العلم ، وتخلينا عن حكم السارق تقطع يده فأسسنا دور الإصلاح والسجون ، وتخلينا عن بيع وشراء العبيد وآمنا بحقوق الإنسان ، تخلينا عن المرأة تقر في بيتها وأصبحت المرأة جزءاً من حركة الحياة تشارك أخيها الرجل في العمل والمعارف والعلوم ، تخلينا عن العين بالعين والسن بالسن وجعلنا القضاء والقانون هو البديل ، تخلينا عن الشهود الأربعة لإثبات جرائم الإعتداء الجنسي وأصبح التحري الجنائي والطب العدلي هو الفيصل ، وتخلينا وتخلينا فلم يك تخلينا عن كل هذه النصوص بمحض إرادتنا ولكن بحكم تطور حركة الحياة أصبحنا ملزمين بمواكبة حركة الحياة ونتخلى عن كل ما توقف زمانه ، وكذلك نحن اليوم مجبرين ان لا نجعل من الدين سبباً لتدمير هذا الجيل والأجيال القادمة ، مجبرين أن نتعايش مع الديانات الأخرى دون فوارق ، نتخلى عن كل ما ينغص حياتنا كمسلمين وحياة الذين يعيشون معنا من غير المسلمين وحتى الملحدين فهم أحرار في تفكيرهم . العقل فوق كل شيء ، ومن لا يحكم بالعقل فقد خسر نفسه . جمالية الدين مرتبطة بجمالية العقل و محبة الناس . . .
السؤال هنا لماذا الدين العقلي ؟ الواقع أثبت بأن الدين النقلي هو الداء الذي دمر المجتمعات وخلق الأزمات وبث الرعب في حياة الناس ، فلا يصح الإستمرار بطريق كله آلام ، وهو نفس الدين قادر على أن يعيد جمالية الحياة ويعيد السلام والأمان فقط عندما يتحول من الحالة النقلية إلى الحالة العقلية ، وهذا الكلام شئنا أم أبينا سيفرض نفسه في نهاية المطاف لأن المجتمعات لم تعد تتحمل المآسي بسبب الدين ، وأما طرحنا هو تعجيل العمل بالدين العقلي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخلفات الدمار الذي تسببه الدين النقلي ويكفي ما شاهدناه بأم أعيننا ما خلفته الدواعش والأحزاب الدينية في حياتنا بسبب الدين النقلي .
الذي استطيع ان اقول!! كم انا محب ونصير وفادي للفكر الخادم للمجتمع والانسانيه…….دامت حياتكم ايها المفكر الثوري… .
السيد خدر
تحية اجلال وتقدير لمداخلاتك الجميلة الرائعة.